
أكدت مصادر موثوقة أنه في الأيام القليلة الماضية رصدت حركة غير اعتيادية داخل مقر السفارة الجزائرية في الرباط، وهو المبنى الذي ظل مهجورا منذ صيف 2021 عقب إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، حيث تمثلت هذه الحركة في انطلاق أشغال ترميم وصيانة شاملة، همت الواجهة والجدران وتنظيف الفضاءات الداخلية، في خطوة لافتة هي الأولى من نوعها منذ اتخاذ القرار الأحادي بقطع العلاقات، بعدما كانت الجزائر، حسب مصادر مطلعة، ترفض أي تدخل تقني أو إصلاحي في المبنى حتى في أبسط جوانبه.
ولم يصدر بشأن الأشغال، التي انطلقت قبل حوالي أسبوع، أي بلاغ رسمي من الجانب الجزائري، ما زاد من منسوب التساؤلات حول خلفياتها ودلالاتها السياسية المحتملة، حيث وبينما يرى البعض فيها مجرد عملية صيانة دورية لمبنى دبلوماسي، فإن آخرين يعتبرونها إشارة واضحة إلى تحول محتمل في موقف الجزائر من ملف العلاقات مع المغرب، خاصة في ظل تزامن هذه التطورات مع معطيات ذات حمولة رمزية وسياسية ثقيلة.
ومن أبرز تلك المعطيات، تكريم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للكاتب الجزائري رشيد بوجدرة، وهو اسم طالما أربك الخطاب الرسمي في الجزائر بسبب مواقفه الجريئة المؤيدة لمغربية الصحراء ودعمه الصريح لوحدة التراب المغربي، حيث لم يمر هذا الحدث دون تأويلات، خصوصا وأنها جاءت في توقيت حساس تشهد فيه الساحة الإقليمية والدولية تفاعلات متسارعة بشأن ملف الصحراء، وسط تصاعد ملموس في الدعم الأوروبي والدولي للمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي.
ويزيد السياق الدولي الذي يشمل زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، للجزائر، ولقائه بالرئيس تبون من عمق هذا التحول المحتمل، خاصة وأن الزيارة اعتبرت مؤشرا على انخراط أمريكي متجدد في قضايا شمال إفريقيا، بما في ذلك ملف العلاقات المغربية الجزائرية، كما أن الجزائر، رغم قرار القطيعة، أبقت على تمثيل قنصلي محدود من خلال قنصليتها العامة في الدار البيضاء، وهو ما ترك هامشا بسيطا للتواصل الرسمي، وإن كان غير دبلوماسي.
في المقابل، ظل المغرب متمسكا بخطاب الاتزان وعدم التصعيد، مؤكدا أن قرار قطع العلاقات كان قرارا أحاديا اتخذته الجزائر، ولم يكن رد فعل على أي سلوك مغربي، وهو ما شدد عليه الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، حيث جدد التزام المملكة باليد الممدودة تجاه الجزائر، مشيدا بروابط الأخوة والتاريخ المشترك بين الشعبين، مؤكدا أن حلم الاتحاد المغاربي لا يمكن أن يتحقق دون انخراط فعال لكل من المغرب والجزائر.
وتبقى أشغال ترميم مقر السفارة الجزائرية بالرباط وسط هذا المناخ المشحون بالإشارات والتأويلات، محط متابعة دقيقة من قبل الرأي العام في كلا البلدين، في انتظار أن تتضح معالم هذه الخطوة التي قد تفتح، ولو جزئيا، باب الأمل في إعادة التواصل بين جارين فرقتهما السياسة، ووحدتهما الجغرافيا والمصير المشترك.