
في سن الثامنة والثمانين، رحل عن عالمنا محمد بنعيسى، وزير الخارجية ووزير الثقافة المغربي الأسبق، مؤسس “موسم أصيلة الثقافي”، الذي يعتبر من أبرز المنتديات الثقافية المغربية الذي استمر لما يزيد عن أربعين عامًا. وترك بنعيسى بصمة واضحة في السياسة والثقافة المغربية، إذ كان يشغل عدة مناصب دبلوماسية، منها منصب سفير المغرب في الولايات المتحدة الأمريكية.
بداية مسيرته كانت أكاديمية، حيث درس الصحافة في جامعة مينيسوتا الأمريكية، ثم عمل في جريدة حزبه “التجمع الوطني للأحرار” قبل أن يلتحق بحزب الأصالة والمعاصرة. وكان بداية دخوله إلى عالم السياسة من خلال تمثيله لمدينة أصيلة في البرلمان، ليصبح بعدها أحد أبرز الوجوه السياسية والثقافية في البلاد. كما شغل بنعيسى منصب رئيس بلدية أصيلة، وكانت له دور بارز في تنمية المدينة الثقافية، إلى جانب رفيق دربه الفنان الراحل محمد المليحي، حيث أسسا “موسم أصيلة الثقافي”، الذي جمع شخصيات فكرية وأدبية من مختلف أنحاء العالم لمناقشة قضايا السياسة والثقافة.
كان “موسم أصيلة الثقافي” أحد أطول المنتديات الثقافية في العالم العربي، حيث يمتد لما يقارب الشهر، وكان بنعيسى يحضر جميع أنشطته ويشارك في التعقيبات. كما كان الموسم يشهد تجديد جداريات المدينة العتيقة بمشاركة فنانين من جميع أنحاء العالم. وقد شهد الموسم حضور العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية المرموقة من العالم العربي وإفريقيا وأوروبا.
لم يكن مسار بنعيسى السياسي خالٍ من الجدل، حيث شهد نزاعًا إعلاميًا مع مجلة “لوجورنال” المغربية أثناء توليه منصب سفير المغرب في الولايات المتحدة. ولكن رغم هذه التجاذبات، لم يكن هناك شك في تأثيره الكبير في المشهد الثقافي والسياسي، حيث نال دعمًا ملكيًا لمشاريعه الثقافية في المدينة.
لقد كانت حياة محمد بنعيسى مليئة بالإنجازات، بدءًا من الدبلوماسية إلى السياسة والفن. وكان دائمًا يركز على أهمية مأسسة “موسم أصيلة الثقافي” لضمان استمراره بعد رحيله. والآن، بعد وفاته، تبقى أعماله ومشاريعه شاهدة على إرثه الكبير في الثقافة والفكر، وتستمر الحياة الثقافية في أصيلة التي تحمل أسماء كبار المثقفين مثل الطيب صالح، محمود درويش، وتشكايا أوتامسي.