أقامت جبهة الدفاع عن الحق في الإضراب ندوة قانونية ودستورية في إطار الدفاع عن الحقوق النقابية والعمالية لمناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يهدف إلى تنظيم شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب.
الندوة التي احتضنها مقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، شكلت بالنسبة للتنظيمات النقابية الملتئمة ضمن الجبهة “فرصة لبناء ذخيرة من الأدوات العلمية والقانونية للترافع داخل المؤسسة التشريعية والشارع، بعدما نظمت وقفة احتجاجية ممركزة أمام البرلمان، وجهوية (من قبل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل)”.
وفي هذا السياق أوضح فيراشين، على هامش الندوة، أن الأخيرة “آلية نضالية علمية وعقلانية ستستثمرها الجبهة في نضالها”، كاشفا أن “الجبهة بصدد مناقشة الخطوات التي ستتخذها خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعدما استطاعت مكوناتها بمجلس المستشارين تأجيل تقديم المشروع على أساس بدء جولات الحوار مع النقابات يوم الأربعاء”.
فيما ألح علال البصراوي، نقيب سابق بهيئة المحامين بخريبكة، وصاحب كتاب “الإضراب في القانون المغربي والمقارن” على التساؤل: “هل للحكومة عندما تكون ذات أغلبية كبيرة الحق في تمرير أي قانون أرادت رغم ثقله الاجتماعي؟ مبرزا أنه من “الناحية الشكلية، قد تتم مواجهة السائلين بأن القانون مر بمسطرة المصادقة الديمقراطية، ولكن في عمق المنطق الشكلاني للديمقراطية يجب استحضار أن الدستور ينتصر للمقاربة التشاركية”.
وأوضح في مداخلته، أن “أول خلل تشكو منه نسخة مشروع قانون الإضراب المصادق عليها من قبل مجلس النواب، هو غياب الديباجة، الذي دافع عنه وزير الشغل بأنه راجع إلى كون القوانين التنظيمية لا تتضمنها أساسا، وهو تبرير غير سليم؛ لأنه لا يوجد مقتضى دستوري يدعمه”، مبرزا أن “أهمية الديباجة تكمن في كونها تبين مرجعيات وخلفيات القانون، وإليها يرجع القاضي عند وقوع أي لبس في تفسيره، ما يعني أنه في ظل غيابها سوف يترك له هامش واسع في التفسير”.
من جهة أخرى خالد دحمان، أستاذ باحث، أوضح أنه “لا يمكن دراسة الحق في الإضراب أو تقنينه بشكل منفصل، على اعتبار أن الدستورانية المعاصرة هي دستورانية الحقوق والحريات، بعدما كانت في العصور الكلاسيكية تهم تكبيلها”، مبرزا أن “المستوى العلوي من الدستور (الفصل 29) يضمن هذا الحق، وكذلك المستوى السفلي (القانون التنظيمي)”.
وأكد الأستاذ الباحث، وهو يقارب في مداخلته على “الحق في الإضراب في سياق دستورانية الحقوق والحريات”، وأن “القانون التنظيمي ينبغي أن يتوافق مع الكتلة الدستورية التي ضمن هذا الحق، إذ هو يتقاطع مع الحريات النقابية التي ضمنها الدستور، ويعتبر مكملا للحق في التنظيم النقابي”.
وتمسك المتحدث بـ”ضرورة أن يكون الإضراب سلميا وقانونيا؛ فلا يمكن ممارسة الإضراب خارج نص قانوني وتشريعي بصرف النظر عن مضمون هذا النص”، و”أن يلجأ إليه كوسيلة أخيرة، بعد استنفاد كل الوسائل من مفاوضات، أي أنه يماثل عمليا أبغض الحلال”، بتعبيره.
فيما أعرب عن قوله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله، “إن مشروع القانون التنظيمي للإضراب طرأت عليه بمجلس النواب تعديلات إيجابية عدة، غير أنها تظل غير كافية بالنسبة للجميع كما لجبهة الإضراب، ولذلك ارتأت المعارضة التصويت عليه بالرفض”، آملا أن يمثل إرجاع المشروع إلى طاولة التفاوض فرصة لتطعيمه بتعديلات أساسية للحفاظ الحق الدستوري في الإضراب؛ فالقانون التنظيمي جاء ليضع إطارا لممارسته وتكريسه لا لتضييقه وتكبيله”.
وشدد بنبعد الله على “الحاجة لمساندة إعادة الملف (مشروع القانون) إلى طاولة التفاوض الاجتماعي، على أنه حين عودته إلى مجلس النواب، في إطار قراءة ثانية، سيواصل الحزب اتخاذ خطوات لتجويده”، مؤكدا أن “المطلوب من المنظمات الديمقراطية نبذ الاختلافات، والاشتغال بشكل مشترك ليس فقط لمجابهة تحدي الإضراب، بل أيضا في ملفات أخرى قائمةٍ كورش تعديل مدونة الأسرة الذي يسود فيه تغليط للرأي العام، ومستقبليةٍ كقانون إصلاح أنظمة التقاعد الذي بدأت الحكومة التحضير له”.
و في الأخير تشكل الندوة القانونية الدستورية التي نظمتها جبهة الدفاع عن الحق في الإضراب خطوة مهمة نحو تعزيز الحقوق النقابية والعمالية، وتعزيز الديمقراطية والحرية النقابية في المغرب.