
تطوان: محمد السوسي
بمناسبة الذكرى 26 لذكرى لعيد العرش المجيد
و اليوم الوطني للمهاجر و في مبادرة نوعية تعكس مدى ارتباط مغاربة العالم بوطنهم الأم، نظّمت رابطة مغاربة العالم العائدين والمقيمين بالخارج ملتقاها الأول بمدينة تطوان، تحت شعار: “التنمية والاستثمار في المغرب… هدف مغاربة العالم”، وذلك على مدى ثلاثة أيام كانت حافلة بالأنشطة الاقتصادية، الطبية، الثقافية والاجتماعية، التي أبرزت انخراط هذه الفئة الحيوية في الدفع بعجلة التنمية.
وقد عبّر مغاربة العالم من خلال هذا الملتقى عن استعدادهم الدائم لمساعدة بلدهم الأم، وتقديم الدعم اللازم لإخوانهم المواطنين في مختلف جهات المملكة. وهو انخراط لا مشروط في مسار التنمية، يعكس بصدق مشاعر الحب العميقة والانتماء الراسخ لهذا الوطن العزيز.
مشاعر ترجموها بالفعل قبل القول، من خلال مبادرات إنسانية ومساهمات فاعلة في قضايا اقتصادية واجتماعية ملحّة، تأكيدًا منهم أن خدمة الوطن مسؤولية يشتركون فيها أينما وُجدوا.
اليوم الأول: الانطلاقة… نقاش جاد وتفاعل مؤسساتي
انطلقت أشغال الملتقى بندوة افتتاحية، احتضنتها قاعة الاجتماعات لسوق الشمالية،موسومة بعنوان “دور الجالية المغربية في التنمية والاستثمار بالمغرب”، بمشاركة ممثلين عن المديرية العامة للضرائب، الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، المركز الجهوي للاستثمار، ومجموعة من المستثمرين من مغاربة المهجر و المهتمين
.
وقد شكّل هذا اللقاء أرضية لتشخيص التحديات التي تواجه المستثمرين من الجالية، من عراقيل إدارية إلى ضعف المواكبة. بالمقابل، قدمت الإدارات المشاركة حلولاً عملية، مؤكدة التزامها بانفتاح دائم واستعداد تام لمواكبة المشاريع الاستثمارية وتقديم الاستشارات والتسهيلات القانونية.
كما ناقش المشاركون أهمية استثمارات مغاربة العالم في خلق فرص الشغل داخل وخارج الوطن، عبر إدماج الكفاءات المغربية في مشاريعهم بالخارج، وفتح أبواب الهجرة القانونية والمنظمة.
اليوم الثاني: لمسة إنسانية تزرع الأمل بدار بن قريش
أما اليوم الثاني فحمل بعدًا إنسانيًا نبيلًا، حيث نُظّمت قافلة طبية مجانية متعددة التخصصات بجماعة دار بن قريش، بمبادرة من أطباء مغاربة العالم، بشراكة مع زملائهم من القطاعين العام والخاص بالمغرب، القادمين من مدن طنجة، تطوان، فاس، الرباط، الدار البيضاء، مراكش، أكادير، تيزنيت و مدن اخرى.
وقد استفاد أزيد من 1500 شخص من استشارات طبية، فحوصات، علاجات، تحاليل، أدوية مجانية، ومواعيد لإجراء عمليات جراحية في مصحات خاصة. وصرّح الدكتور سمير قدار رئيس القافلة الطبية لمنبر 24 ، أن قيمة الأدوية الموزعة بلغت 100 ألف يورو، في مبادرة أدخلت البهجة والارتياح على قلوب ساكنة المنطقة، وخفّفت من معاناتهم مع الهشاشة الصحية.
وأشار الدكتور قدار، وهو طبيب تخدير وباحث ورئيس هيئة الكفاءات الطبية والبحث العلمي لمغاربة العالم ببروكسيل، أن اختيار دار بن قريش لم يكن اعتباطيًا، بل لرمزية مستشفاها التاريخي، الذي كان يُعدّ من الأفضل في إفريقيا في علاج السل والجذري، بالإضافة إلى حاجة الساكنة الماسة للتطبيب. كما أشاد بروح التعاون بين أطباء الداخل والخارج، والتبادل المثمر للخبرات، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة سيتم تعميمها لاحقًا على الجهات الـ12 للمملكة.
وفي مساء اليوم نفسه، عادت القافلة إلى تطوان حيث نُظم حفل فني وتكريمي باذخ على شرف مغاربة العالم، تم خلاله تكريم عدد من الكفاءات المغربية بالخارج في مجالات متعددة: السياسة، الطب، البحث العلمي، الفن، والمقاولة. وقد أحيى الحفل الفنان التطواني الكبير عبد الحميد المرابط بأغنيتين ، إضافة إلى مشاركات مؤثرة من فنانين مغاربة مقيمين بالخارج.
اليوم الثالث: وعي صحي وخاتمة إعلامية
في اليوم الثالث، نُظم يوم تحسيسي حول مرض السرطان وطرق الوقاية منه، بجماعة دار بن قريش، من تأطير أطباء متخصصين من مغاربة العالم، تلاه تنظيم ندوة صحفية ختامية خُصصت لتسليط الضوء على أهم نتائج ومخرجات هذا الملتقى الأول، وعلى رأسها نجاح القافلة الطبية، وتعزيز الثقة بين المستثمرين من مغاربة العالم والإدارات المغربية، مما يبشر بمستقبل واعد على مستوى الاستثمار.ا
لقد شكّل الملتقى الأول لرابطة مغاربة العالم العائدين والمقيمين بالخارج بتطوان، نقطة تحوّل حقيقية في مسار الانفتاح والشراكة بين الدولة ومغاربة المهجر. كما جسّد نموذجًا فعّالًا للتكامل بين التنمية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية والروابط الثقافية، مؤكّدًا أن مغاربة العالم ليسوا فقط سفراء بالخارج، بل شركاء استراتيجيون في بناء مغرب جديد، أكثر عدالة وازدهارًا وتضامنًا.
هذه التجربة الفريدة رسّخت قناعة قوية بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأذكى، وأن بوابة التنمية تمرّ حتمًا عبر إشراك جميع أبناء الوطن، في الداخل والخارج، في مسار البناء والنماء.
