مما لاشك فيه أن إنتشار ظاهرة الفقر كانت و لازالت من المواضيع التي حظيت باهتمام الكثيرين، و ذلك لإرتباطها بالظروف الإقتصادية السيئة التي تعرفها أغلبية دول العالم، لكن ما أصبح يلاحظ خاصة في الآونة الأخيرة ،هو إلتصاق مفهوم الفقر “بالمرأة” أي ما يصطلح عليه “بتأنيث الفقر”.
و قد أجمعت ثلة من المنظمات الدولية على تعريف هذه الظاهرة بأنها تشير إلى زيادة نسبة الفقر في صفوف النساء بالمقارنة مع مثيلتها من الرجال، و طبعا هناك من يذهب مع هذا الإتجاه و يؤكد على وجود هذه الظاهرة و على أنها نابعة من الواقع اليومي المعاش ، و هناك من ينفيها تماما و يؤكد على أن الفقر منتشر في صفوف النساء و الرجال معا بشكل متساو، غير أن زعماء الإتجاه الأول غالبا ما يستشهدون بالدراسات الإحصائية و النسب المئوية المتعلقة بالبطالة و الأمية و الهدر المدرسي لإستعراض الفجوة الصارخة و الفرق الشاسع بين المرأة و الرجل .
لكن ما يثير دهشتي و إستغرابي ، هو تسليط الضوء على هذه الأرقام و النسب المئوية السالفة الذكر ، بدل وضع الأصابع على مكامن الخلل الحقيقية و الإهتمام أكثر بأسباب هذه الثغرات و الفجوات القائمة بين الجنسين، و لنتسائل جميعا لماذا إلتصق الفقر بالمرأة وحدها دون الرجل !! ، هل لأنها أقل قدرة و مهارة منه !! أو لأنها أقل تمكنا و ذكاءا منه!! ، أم لأنها أقل تعلما و خبرة و طموحا منه!! ، الجواب طبعا لا…، ليس لأنها أقل منه في شيئ بل على العكس تماما لأنها أكثر منه، أكثر منه في التمييز و الإقصاء و التهميش و حمل أوزار النظرة الدونية المستصغرة لقدرتها على تحقيق الذمة المالية المستقلة، و التخلص من مركز التبعية و تقلد منصب القيادة و صنع القرار ، على الأقل صنع القرار الخاص بها وبحياتها، دون السماح لأي كان في التحكم و السيطرة على مصيرها تحت طائلة الإنفاق عليها و تحمل أعبائها المادية.
أنا أعتقد ليس هناك ما يسمى بظاهرة “تأنيث الفقر” ، فهي مجرد عبارات سخيفة من نسج خيال الفكر الذكوري الأبوي المتحجر ، الذي يحاول دائما و أبدا إلقاءاللوم على المرأة ، و كأنها المسؤولة الوحيدة عن إنتشار الفقر في العالم بأسره ، و ما يثير الإستفزاز أكثر أصحاب ذلك المثل الذي يتردد على أطراف ألسنة زعماء الفكر الرجعي” المرأة هي من تجعل الرجل مليونيرا طبعا مع التعديل تجعله مليونيرا بعد أن كان مليارديرا” بالفعل أمثلة قد يعتبرها البعض مضحكة و لكنها محتقرة للمرأة و لمكانتها، و إذا كانت نسبة الفقر منتشرة بحدة عند النساء أكثر من الرجال حسب ما أثبتته الدراسات ، فهذا ليس نتيجة لضعف الدخل أو الأزمات الإقتصادية التي يعرفها العالم ، بل إنه نتيجة لحرمان المرأة من الإمكانيات و الفرص و الخيارات المتاحة أمامها، و نتيجة كذلك للتمييز القائم على أساس الجنس و الذي يعتبر أن المرأة هي رمز الفقر و الشؤم و الركود الإقتصادي، بينما الرجل فهو رمز الرفاهية و الغنى و التنمية الإقتصادية.إذن ما يجب أن نستشفه من كل ذلك أن المسألة ليست لها علاقة بالواقع الإقتصادي كما يعتقد البعض، بل لها علاقة في المقام الأول بغياب ما يسمى بالعدالة الإجتماعية.