اعلان
اعلان
ثقافة وفن

أنور مغيث..المؤسسات العربية مقصّرة في ترجمة المعرفة العالمية حول التراث

اعلان
اعلان

أفاد أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان والمدير السابق للمركز القومي للترجمة بمصر، أنه “لا يمكن تخيل نشأة تخصص علمي يسمى بالاستشراق بدون ترجمة”؛ فهذا التخصص يعني أن مواطنا غربيا يبحث في أمور الشرق، في مجالات ليست بلغته الأم، و”الاستشراق محاولة لتملّك لغة شعب آخر”.

وقال أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان، خلال مشاركته ببرنامج “في الاستشراق” الذي يقدّمه الإعلامي ياسين عدنان على “منصة مجتمع”، أن الاستشراق بدأ بسبب الحروب الصليبية، والاحتكاك الذي حدث، والسعي إلى التعريف بالمسلمين عند شعوب غير مسلمة، من طرف رجال دين، بمضامين “قد يكون فيها تفاعل أو تحامل”.

اعلان

وواصل: “في الأندلس أو صقلية، كانت هناك معارف مفيدة، تنتقل بترجمات ضمنية غير محسوسة، مثلا عبر إبداعات العلماء العرب والمسلمين في الرياضيات والبصريات التي كانت تعليقات في هوامش على ما في مخطوطات الإسكندرية؛ فـ”الترجمات شجعت المسلمين على قراءة نقدية للتراث السَّكَندري واليوناني، وبالتالي الإضافة إلى المعرفة، وانتبه الأوروبيون إلى أنه في بلادنا (الإسلامية) معارف تُعرفهم بالكون أحسن من الأساطير الشائعة لديهم، فأرسلوا من يترجم الكتب علميا”.

واستحضر المتحدث ترجمة بطرس المبجل، التي كانت “علامة مهمة”؛ فبعد مشاهدات المحاربين الأوروبيين وتعميمهم ظواهر جزئية (خلال الحروب الصليبية)، جاءت الترجمة وتحقيق المخطوطات العربية والإسلامية لتضع أمام الآخرين “كلاما علميا حقيقيا”، وترجمة القرآن فتحت لهم الباب على الفلسفة والأدب، وتوما الأكويني على سبيل المثال “عندما أراد الرد على ابن رشد كان يقول إنه يخالف ابن سينا والغزالي في نقطة من النقط”، وهكذا “قفزت الثقافة الأوروبية قفزة كبرى بالترجمة عن العربية، أو التعريف بها، وهذا هو ما نسميه بالاستشراق”.

وحول ترجمة “أوريونتاليزم” إلى “استشراق” بالعربية، أبرز أنور مغيث أن المعنى اللاتيني يعني “تخصصا بالشرق”.

اعلان

أما المفهوم العربي لها ففيه حمولة طلب واستجداء على وزن “استسقاء” و”استغفار”، ولا يحيل مباشرة على “إفناء أعمار مستشرقين للوصول إلى الحقيقة”، علما أن هذا “ينبغي أن يحترم بغض النظر عن هل وصلوا إليها أم لا”.

وحول فكرة أن المستشرقين جميعهم كانوا يترجمون من أجل تحوير المعارف الإسلامية، أردف ضيف “في الاستشراق” أن عدد ترجمات الفرنسية للقرآن بلغت الثمانين، “ولا يمكن أن يكون هذا مجرد تلاعب لتشويه المعاني”.

كما تحدث عن الترجمات الإيطالية بأعلى درجات البلاغة في اللغة، وباللغة القريبة من الناس تيسيرا لفهم القرآن للمتحدثين بهذه اللغة، كما ذكر أن ريجيس بلاشير كان يصل به التدقيق إلى الاشتغال بآية من الآيات القرآنية سنة كاملة حتى تكون ترجمتها سليمة.

وتابع : “تدقيق المستشرقين نحترمه فيهم، وفيه احترام للمنهج العلمي وتخصصهم، وهناك فرق بين صحافي (أوروبي) مملوك بالأحكام المسبقة؛ فهذا عنصري، أما المستشرق إذا كتب بدون دليل فالمستشرقون أنفسهم سينبذونه، مستشرق مثل أندريه ميكيل كان مبتعدا عن الجدل الديني، واهتم بالأدب وقدم صورة إنسانية رحبة وجميلة جدا، وفرنسيون من جيل دراستي كانوا يرفضون مفهوم مستشرق، ويفضلون “مستعرب” (…) علما أن التخصص في الاستشراق قد اهتز في حد ذاته مع أنور عبد المالك وإدوارد سعيد”.

وسجل المدير السابق للمركز القومي للترجمة بمصر أن مؤسسات المنطقة العربية الإسلامية “مقصرة بشكل كبير جدا في ترجمة الإنتاج (الإنساني حول المنطقة)؛ فبعض المتحكمين يريدون المداراة عن الأخطاء لا نظرة نقدية لتراثنا”، مع حدوث “نزع للفضل من روادنا ونسبته للمستشرقين”، كما حدث مع طه حسين وقاسم أمين وعلي عبد الرازق.

ووضّح المحاوَر أن الاهتمام بـ”استشراق” إدوارد سعيد قد فاق أثره الحدود الغربية والعربية، لـ”كشفه عن الأخطاء غير الموضوعية للاستشراق، بالإسقاط والتمثيل والتوظيف”، ثم استدرك قائلا: “كل الناس تنفتح عليها المعارف، ويمكن أن أنتبه إلى أمور في ثقافة لا ينتبه إليها أصحابها، ولا يمكن بناء (أسوار الصين) بين الثقافات. وإدوارد سعيد في كتابه الأخير (قبل رحيله سنة 2003) دعا إلى النقد العلماني الإنساني، داعيا لا إلى أسوار بل إلى جسور، وتحدث عن ماركس وفرويد وفرانز فانون فقد كتبوا بلغات أوروبية وهم مفيدون لنا”.

ونبّه أنور مغيث إلى أن الاستشراق في القرن الثامن عشر قد “خلق تيارا عاما ورأيا عاما، أثّر في ماركس نفسه”، مع العلم أن هذا العلَم قد أثّر في نضال الشعوب للتحرر من الاستعمار؛ لأنه “ألغى فكرة الجوهر”، ونبه إلى أن الأمر متعلق لا بجوهر متوهم لشعب من الشعوب بل “إلى استغلال ومستغلين”.

ونادى المتحدث بالإنصاف، قائلا إن الجهد العلمي يبقى مُهمًّا، مهمَا كانت دوافعه، وعلينا الاستفادة منه؛ فـ”جزء كبير من فلاسفتنا وعلمائنا وشعرائنا عرفناهم عن طريق المستشرقين”.

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى