بقلم..امحمد القاضي
“لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناؤها موكول إلى إرادتنا وإيماننا.” عبارة وحكمة خالدة، أمر بخطها المغفور له الملك محمد الخامس على واجهة جدار بحي تالبرجت بمدينة أكادير، تخليدا لتعاون القوى الحية لإعادة إعمار وبناء المدينة بعد الزلزال المدمر الذي أتى على الخراب الكلي للمدينة في أوائل ستينيات القرن الماضي. هذه العبارة قد تنطبق على مآل إكيدار، المخازن الجماعية، بالمناطق القروية الأمازيغية: فإن حكمت الأقدار بإهمال إكيدار كذاكرة جماعية وموروث ثقافي أمازيغي، فإن صونها وصيانتها لموكول إلى إرادتنا وإيماننا كمؤسسات وجمعيات وأفراد.
بمبادرة من موقع أخربيش ميتينك ((Akhurbich Meeting وإستضافة جمعية أوكرماض للتنمية والتعاون، نسقت جمعية تيويزي للتنمية الاجتماعية لأيت عبد الله يوم تحسيسي وتواصلي للحفاظ والإهتمام بالمعالم التاريخية والموروث الثقافي بالمنطقة يوم 22 غشت 2023 بدوار أوكرماض، حيث حصن تاريخي يستغيث. تلتها جلسة فكرية خاصة تمحورت حول إكيدار وسبل تثمينها وصيانتها كموروث ثقافي يستحق العناية حضرها، بعد زيارة ميدانية تفقدية لكل من حصن دوار أمزاور وحصن أوكرماض، بعض ساكنة الدوار وتلث من الأساتذة المختصين في الميدان، من بينهم الأستاذ محمد بوصالح، مدير مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بالمناطق الأطلسية، التابع لوزارة الثقافة، والدكتور خالد ألعيوض، الباحث الأكاديمي في التراث، والأستاذ محمد أمشرا، أستاذ متقاعد لمادة الإجتماعيات، والأستاذ إبراهيم صريح مهتم بتراث المنطقة، إضافة إلى طاقم أخربيش ميتينك السيد عبد الغني أكناو وصحفي الموقع السيد بلال العبدي وأعضاء جمعية أوكراماض.
تتميز قبيلة أيت عبد الله بإرثها التاريخي والثقافي العريق ومكانتها الدينية المتميزة. إذ تعتبر تاريخيا، آخر معقل يدخله الإستعمار بجبال الأطلس الصغير بعد مقاومة شرسة تزعمها إبن القبيلة المقاوم الحاج عبد الله زاكور، الذي خلد مقولته الشهيرة حين أسره ضباط الجيش الفرنسي بعد أن إستهدف حصن/اكادير مسقط رأسه بدوار “زغنغين”، والسوق الأسبوعي بالطائرات: “إتما القرطاس، إتما ووال”؛ بمعنى، نفذت الذخيرة فإنتهى الكلام. وتعتبر المدرسة العتيقة بالمركز إحدى أقدم المنشآت الدينية بالمنطقة، تخرج منها العديد من طلبة الفقه من سائر ربوع المملكة. أما في مجال الموروث الثقافي الذي يهمنا هنا، فإن دواوير القبيلة، على غرار جل مناطق سوس، مازالت تخلد مواسمها السنوية، وتحافظ على إحياء عاداتها وتقاليدها الأمازيغية، وتحرص الأسر على تهييئ أكلاتها التقليدية السوسية، كما تجتمع الساكنة بشكل موسمي لتدارس قضايا تنمية دواويرها. وتبقى إكيدار أحد المعالم المعمارية التاريخية المميزة للمنطقة، جلها محصن ضد المخاطر الخارجية بشكل ممتنع الولوج. تتوفر أيت عبد الله، على أكبر تركيز لعدة مخازن جماعية بالمنطقة ذات نمط عمراني فريد وعريق، منها ما تعرض للدمار والإندثار بفعل عوامل الزمان والطبيعة، ومنها ما هو مهجور وسائر في طريق الزوال بفعل إهمال الإنسان، وما طاله النسيان بفعل إغفال الجهات الوصية، ومنها قلة لازالت صامدة محافظة على جمالية التصميم المعماري وشموخ البناية، بفضل مجهودات أهل الدوار للعناية بها وصيانتها، كإكيدار دواوير: أوكرماض، برور، أمزاور، وتيتكي، زغنغين، ألوس، تيداس، تزلاغت، أفرني، تزغاغت والقلة الأخرى المتبقية.
تعرض مؤخرا أكادير دوار برور للسرقة والتخريب، بعد أن تسلل إليه لصوص الليل وعبثوا بممتلكات إحونا/الغرف، بحثا عن ذخائر نفيسة وأوان نحاسية ومحتويات ذات قيمة أثرية نفيسة، عادة ما تخزنها الساكنة هناك، لبيعها لوسطاء يمتهنون التنقيب عن النفائس. فلولا يقظة شباب الدوار، لعاثوا فسادا وتخريبا أكثر في المكان. خلفت هذه الواقعة المؤسفة أثر في نفوس كل القبائل المجاورة، إذ تعتبر إكيدار رمز الكرامة وحفظ للذاكرة الجماعية، بل تسمو في مخيل أهل سوس لأماكن شبه مقدسة تلزم الناس التعامل باحترام ووقار.
تسعى جمعية تيويزي للتنمية الاجتماعية لأيت عبد الله من خلال تنظيم يوم تحسيسي حول إكيدار كمساهمة منها في دق نقوس الخطر لما آلت إليه هذه المؤسسات الجماعية الجبلية التي تعتبر إحدى الخصائص المميزة للتصميم الهندسي والمعماري الأمازيغي بقرى الأطلس الصغير المغربية. كما تهدف الجمعية لتحسيس المسؤولين المحليين والجهويين والقطاعات الوصية والساكنة، خاصة الفئة الشابة منها، حول واجبنا في صيانة الذاكرة الجماعية للمنطقة، من جهة. وإبراز غنى الثقافة الأمازيغية وخصائص وأدوار ووظائف إكيدار الذي لعبته كخزان جماعي في تأمين النفوس والممتلكات وصمام أمان وملاجئ محصنة واجه بها أجدادنا الهجمات المدمرة، وأوقات المجاعة وسنوات الجفاف خلال الأيام العصيبة التي مرت بها المنطقة في أزمنت خلت، من جهة أخرى.
تصنف إكيدار من ضمن أقدم الأنظمة البنكية في العالم، تسير وفق أعراف وقوانين جماعية محكمة، ومسجلة بإحكام وتوافق في قانون يدعى “اللوح” نظمه بعناية فائقة حكماء ووجهاء وأعيان القبيلة، ويسهر على تطبيقها أمين الحصن. وكما هو متداول عرفيا: مالا يوجد مكتوب على اللوح، فيمكن أن يتممه رأي “إنفلاس”، بعبارة أخرى، كل بنود التي غفل ذكرها والإشارة إليها في اللوح/قانون المخزن الجماعي، ستتممه آراء حكماء الدوار. بإختصار، إكيدار دليل على قدم الإستقرار للإنسان الامازيغي بالمنطقة ورمز لثقافة العيش الاجتماعي المشترك وقيم التضامن والتعاون بين الساكنة ونهج لسياسة إقتصادية تحكمها أبعاد تدبير الندرة.
يعتبر اليوم التحسيسي حول إكيدار إلتفاتة لإعادة الإعتبار للمخازن الجماعية كإرث أمازيغي يرقى للعالمية كإبداع إنساني طاله النسيان والإهمال. الجلسة الفكرية عبارة عن نداء إستغاثة لإنقاد ما تبقى من الموروث الثقافي، والحد من إستهداف إكيدار من طرف العابثين ولصوص التحف الثمينة. إن الجلسة الفكرية خطوة إلى الأمام، في طريق الترافع من أجل البحث على موارد مادية، والإعتراف بها كموروث ثقافي وطني يستحق الاهتمام. وذلك في أفق عقد شراكات للحفاظ على إكيدار من خلال الصيانة والترميم، لتتوارثها إفتخارا الأجيال القادمة، وجعلها تلعب أدوارا إشعاعية بالمنطقة ووظائف إجتماعية حديثة. ولما لا تصبح مشروع ومصدر دخل لساكنة الدوار، وملتقى سياحي يقصده الزوار ليطلعوا على قوة الإبتكار وعبقرية وإجتهاد، والإبداع الهندسي للإنسان الأمازيغي القديم.