رشيد حمزاوي
تسافر بي الذاكرة إلى سنوات نهاية الثمانينات من القرن الفارط، عندما كانت قريتي تعيش على إيقاع ظلام ليلي دامس نظرا لغياب الربط بشبكة الكهرباء، و كانت الشموع و “اللامبة” و حتى ” الكانكي” هي الوسائل التي تزيل هول الظلام الذي تعايشنا معه و تم شحننا بثقافة الخرافة و وجود ” لخيالات ” و الأشباح و هلم تخربيقا.
و كانت العلاقات الإجتماعية تقليدية نظرا لطبيعة نمط الإنتاج الفلاحي المعاشي و هيمنة البنية القبلية و العقلية الباطريركية بعيدا عن تأثيرات التمدن و الفعل الحضاري. بعد ربط القرية بشبكة الكهرباء، ستنفتح الساكنة على العالم الخارجي من خلال التليفزيون و المقعرات الهوائية/ البارابول و هذا كان له تأثير على تغير العلاقات الإجتماعية، بحيث بدأت الأعراس تقام بواسطة آلة الكاسيط / chaîne و بحضور الرجال و النساء بشكل مختلط، بعدما كان الفضاء المخصص للنساء محرما على الرجال مهما بلغت درجة القرابة.
لقد أفرز الربط بشبكة الكهرباء تدافعا بين ذهنيتين: واحدة تؤمن بعدم الإختلاط في الأعراس و أخرى تزكي هذا الإختلاط ما دام الاحتفال عائليا. لقد عايشت أحد أوجه تصريف هذا التدافع الذي كنت أعتبره صحيا. فقبل ثلاثة أيام من بداية مراسيم عرس عائلي صيف سنة 1993، أقسم أحد كبار العائلة بأن العرس لن يكون مختلطا، وهذا لم نراه بعين الرضى نحن معشر شباب تلك المرحلة، و أخذنا تحديا بأننا سنخالف هذا الرأي الذي أعتبرناه ” رجعيا” و كان مؤطرا بخلفية تأثير الحركة الطلابية و أوطم ما دام بعض من قائدي هذا ” الحراك ” طلبة.
بدأت الموسيقى على أنغام المغني الشعبي “جدوان” . اقتربنا من منزل العرس، وجدنا قريبنا و هو يهددنا و يقسم بأننا لن ندخل الحفل .تجاوزنا الجدار الرمزي الذي وضعه أمامنا و لم نبال به و هو الذي كانت له كاريزما عالية و كلمته مسموعة. بدأت الزغاريد ترافقنا انتشاء بإنتصارنا.انسحب القريب انسحابا تاكتيكيا بلغة الحرب.
لم يستوعب ما اعتبره إهانة و إذلالا. و أطلق عنانه و بصوت مرتفع :” اكولشي فلس …..شدو بناتكم راهم الزوفرية دخلو…..ما بقاوش الرجال” لقد أزبد و أرغد. لكن التمعن في هذا الفعل أبان بأن الصراع الجيلي و التحولات المجتمعية سائرة لا محالة. فالربط بشبكة الكهرباء غير وجه القرية!!!