أثناء جلوسي بأحد مقاهي الحي المحمدي سمعت احد الشبان الجالسين بجنبي يخاطب مرافقه بأن من أراد المال في هذا البلد فما عليه إلا الاتجار في الممنوعات أو دخول الانتخابات فما كان من مرافقه الذي يكبره سنا ويبدو على أنه راكم خبرة في الحياة إلا أن أجابه بأن من يتاجر في الممنوعات ينتهي به المطاف خلف القضبان ومن *يتاجر* في الانتخابات يدخل نادي أصحاب الشكارا …
في خضم موسم هذه التجارة الرابحة التي لا تبور، طال انتظار ما ستتمخض عنه تزكيات الأحزاب السياسة من شخصيات وازنة ونخب مشهود لها بالكفاءة من أجل ترشيحها لدخول غمار الانتخابات بالحي المحمدي، إلا أن العجيب الغريب أن ساكنة الحي تفاجأت بأن الأغلبية الساحقة من مرشحي الانتخابات السابقة والذين أبلو البلاء الحسن –لا رحمهم الله – في خدمة مصالحهم وأوفوا بالعهد في نصرة أجنداتهم الخاصة يعودون من جديد، ولكن هذه المرة بحلة جديدة ، ليس في البرامج وإنما في الأشكال، فالنحيف الرقيق عاد سمينا غليظا، والأزرق البئيس ابيضت بشرته بعدما داق حلاوة المأدبات وراحة الجلوس فوق الكراسي ونعمة السيارات الجديدة…
ولم يطل التغيير فقط الأشكال وإنما المهن أيضا، فالذي تقدم للإنتخابات السابقة بصفته ممارسا لمهنة حرة – بعبارة أخرى عاطل- عاد وهو يقدم نفسه إطارا تربويا وتاجرا ومدير شركة … وما إلى ذلك من المهن الطنانة الرنانة التي توحي بأن صاحبها ذو مستوى دراسي وثقافي رفيع والواقع أن أغلبهم غير حاصلين على شهادة الرابعة وفي أحسن الحالات غير حاصلين على شهادة البكالوريا (علما أن مدونة الإنتخابات تفرض عقوبات على انتحال هذه الصفات المهنية اثناء التقدم للترشيحات) صور جميلة بالملصقات والمنشورات التي يتم توزيعها فمن عجز منهم عن التقاط صورة تظهره جميلا وسيما أنيقا عهد بذلك للفوطوشوف والفيلتر “الله يخلف عليهم”، وحقيقة الأمر أنني ذكرت الأشكال على سبيل الهزل والدعابة لأن خلقة الله لاتعاب وإنما العبرة بالأفعال والرجولة –ماشي الذكورة- وخلاصة القول أنني قلبت هذه االمنشورات الانتخابية يمينا وشمالا صعودا ونزولا فلم أشاهد في أغلبها إلا الذئاب واللئام وسماسرة الانتخابات.
في الواقع أجدني حائرا في الاختيار ليس لتعدد البرامج الانتخابية وغناها وإنما كما يقولون لأن “الشي كي الشي وحمو كي علي” فإذا ابتعدت عن الذي يختفي وراء قرفيتين أو واحدة زرقاء تجد أمامك من يختفي وراء اللحية وإن أستدرت بوجهك عنهما تجد أمامك الزفاط الكداب صاحب الوعود الوردية … لكن هذا كله لن يدفعني للقول بان ليس في القنافد أملس فالأكيد هناك الشخص النزيه المستقيم الذي يستحق الثقة ويستحق مني ومنك التوجه ووضع ورقته بالصندوق أملا في مستقبل أفضل.
ودعني أخي أذكرك وأذكر نفسي أيضا إلى شديتي 200درهما أو أكثر –أكيد غتكون أكثر الناس مدورين الحركة وداخلين صحاح – أو حضرت وليمة سرية بعيدا عن أعين السلطات التي تمنع التجمعات أو وعدك أحدهم بوظيفة موظف شبح بالجماعة …. فلا تنتظر مشاريع تنموية محلية حقيقية ولا تنتظر العيش في فضاء ملائم ولا تنتظر فضاءات للقرب ومجالات للترفيه وأنشطة رياضية وثقافية فعلية وملاعب للقرب مجانية ولا تنتظر أسواق نموذجية في أماكن رائجة وتأكد أنك غتبقى ديما تبيع الخضر أو الفواكه أو أشياء أخرى فوق عربة تدفعها بيديك المشقوقتين أو تجرها بحمار تلوذ بالفرار كلما شاهدت السلطات…
الكل يتكالب علينا في هذا الحي المحمدي المسكين حتى بعض الشخصيات والصفحات والمواقع الإلكترونية -تآبونينا معاها- واعتقدنا أنها تعبر نسبيا عن نبضنا تفاجأنا بها هذه الأيام تطبل وتزمر لسماسرة الانتخابات، خلال هذه الأزمات الأخيرة التي ممرنا بها اكتشفنا أن أغلبية المعينين في هذه الأحياء أكثر حرصا علينا وأكثر اهتمام بنا بينما المنتخب أكثر حرصا على مصالحه الشخصية.