صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط، كتاب جديد للباحث الدكتور عبد الغني العمراني بعنوان “يهود وزان ونواحيها قبل الاستعمار 1912-1730 من خلال الكتابات الكولونيالية”.
وكشفت معطيات حول الإصدار أن “المؤلَف الجديد يقع في 216 صفحة، ويضم فصلين أساسيين، ومجموعة من المباحث والمحاور الفرعية، ومذيّل بخاتمة وبقائمة للمصادر والمراجع المعتمدة. تعالج هذه الدراسة النقدية موضوع الحياة الاجتماعية والسياسية والتجارية ليهود مدينة وزان وضواحيها بالاستناد أساسا إلى الكتابات الاستعمارية خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 1730، أي السنة التي تم فيها التأسيس الفعلي لمدينة وزان بعد أن شيّد بها الشيخ المذكور الزاوية التي سرعان ما أطبقت شهرتها الآفاق، وسنة 1912م التي تمثل مرحلة انتقال الثقل الاقتصادي والسياسي بالمدينة لصالح الفرنسيين على حساب التجار اليهود الذين تردّت أوضاعهم وانهارت انهيارا كبيرا”.
وتابع المصدر نفسه أن “الأبحاث والدراسات التاريخية التي عالجت هذا الموضوع بالذات تكاد تكون شحيحة جدا إذا لم نقل منعدمة تماما اللهم من بعض الإشارات المتفرقة هنا وهناك في بعض الدراسات الرحلية أو الاستشراقية”، لافتا إلى أن “مجتمعات المدن غير الساحلية-خاصة منها المجتمع اليهودي-لم تكن خلال فترة ما قبل الاستعمار تسترعي اهتمام الرحالة والمغامرين الأوروبيين، ولا حتى السفراء والدبلوماسيين منهم. وفيما يتصل بمدينة وزان، فقد اعتُبرت منذ تأسيسها خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي حرما مقدّسا لا يمكن انتهاكه من طرف جماعة يهودية أو مسيحية ولا حتى من طرف قوات المخزن المغربي”.
وذكرت المعطيات أن “مدينة وزان اشتهرت بمسميات تحمل أبعادا متعددة، كدار الضمانة، والمدينة المقدسة، ومكة المغربية، أو مدينة الأولياء والشرفاء. لذلك، فإن تقفي أثر اليهود بها يعتبر عملا عسيرا يتطلب جهدا كبيرا وزمنا غير قصير، وينضاف إلى ذلك عائق آخر، يتجسد في كون الرّحالة الأوروبيين الذين زاروا المغرب قبل الاستعمار لم يفكروا إطلاقا في زيارة مدينة وزان لخصوصية ساكنتها التي لا تستسيغ وجود النصارى بها، ولمخاطر تعرضهم للسرقة أو القتل من طرف القبائل المتمردة المحيطة بها. لذلك، فإن أغلب الأوروبيين-بمن فيهم السفراء-الذين كانوا يقصدون العاصمة فاس، إنما كانوا دائما يتحاشون المرور عبر طريق وزان المحفوف بالمخاطر”.
واستنادا إلى الكم الهائل من المؤلفات والمذكرات التي دوّنها الرّحالة من دول أوروبية مختلفة، كفرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، وألمانيا، وغيرها، وإلى وثائق متنوعة ودراسات أكاديمية من المغرب وخارجه، استطاع الباحث عبد الغني العمراني التقاط إشارات متعددة من مدوّنات الرّحالة والدبلوماسيين وشذاذي الآفاق الأوروبيين ترصد الأوضاع الاجتماعية والسياسية والتجارية التي كان يعيش على وقعها يهود وزان ونواحيها خلال الفترة المذكورة.
وتوصلت الدراسة إلى أن “يهود وزان الذين استقدمهم الشيخ السادس للزاوية الوزانية أبو الحسن سيدي علي بن أحمد بن الطيب الوزاني (ت.1811)، كان لهم دور ريادي في تنمية اقتصاد المدينة، واقتصاد بلاد المغرب الأقصى بصفة عامة خلال فترة ما قبل الاستعمار، وذلك نظرا لتفردهم بالتقنيات اللازمة في ميدان التجارة، وباللغات الأجنبية التي جعلتهم يرتبطون بعلاقات وثيقة مع دور تجارية خارج المدينة وخارج البلاد بوجه عام”.
وخلصت الدراسة بالتأكيد على أن الجماعة اليهودية الوزانية كانت خاضعة سياسيا وإداريا للنظام نفسه الذي خضع له جميع اليهود في المناطق التي كانت تقع ضمن دائرة نفوذ السلطان، فقد تمتعت بكامل الحرية في ممارسة شعائرها الدينية وأنشطتها التجارية، وبالحماية السلطانية مقابل أداء الجزية. وبالرغم من كون مدينة وزان كانت خاضعة عمليا لنفوذ الشرفاء الوزانيين، فإن ما كان يسري على الساكنة المسلمة سرى كذلك على الساكنة اليهودية، بل إن هذه الأخيرة تمتعت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر بامتيازات أكبر مما تمتعت به نظيرتها المسلمة، تدل على ذلك شهادات عدد من الرّحالة الأوروبيين الذين رغم تحاملهم الكبير على يهود وزان في مناسبات كثيرة، منطلقين من مجموعة من الصور والأساطير المعقدة التي التصقت طويلا بالمغرب الأقصى في الذهنية الأوروبية مستوحاة أساسا من أدب الرحلات القديم، ومن الدراسات الشائعة آنذاك، فإنهم لم يجدوا في بعض الأحيان مندوحة عن الإفصاح عن جزء من الحقيقة التاريخية.