اعلان
اعلان
مقالات الرأي

الصبر على البلاء

اعلان
اعلان

إن من السنن الكونية، وقوع البلاء على المخلوقين، اختيارا لهم، وتمحيصا لذنوبهم، قال تعالى: ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين” .
فالله تعالى يختبر عباده بالمصائب والنعم، ليرى الشاكر من الكافر أو الجاحد، والصابر من القانط.
قال ابن عباس في شرح قوله تعالى: ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ” قال: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال. وبعد ذلك نجازيكم على أعمالكم يوم النشور.
فالله تعالى يبشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم.
هؤلاء الصابرون الذين إذا نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه، استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد الله تعالى يفعل بهم ما يشاء. فهؤلاء الموصوفون بهذه الخصال المحمودة، لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله تعالى وهم الموفقون المهتدون إلى طريق الخير والسعادة. قال عز وجل في هذا الشأن: ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هو المهتدون” .فالصابرون على الشدائد والبلايا في سبيل الله، هم الذين صدقوا في إيمانهم، وهم الكاملون في تقواهم. سيلاقون عند ربهم الإطمئنان والسكينة والخيرات الحسان. قال الحق سبحانه “والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون” . فالمتصفون بالصبر، ينالون الدرجات العالية عند الله سبحانه وتعالى بسبب صبرهم على أمر الله وطاعتهم له. ويتلقون بالتحية والسلام من الملائكة الكرام في جنات النعيم، وهذا هو حال عباد الرحمان، وجزاؤهم نتيجة صبرهم، ومقابل تلك الأوصاف الجليلة السامية التي اتصفوا بها. قال رب العزة في هذا الصدد: “أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما… “.
وقد قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي:
أ- صبر على الطاعات، أي: أنك تجاهد نفسك على المواظبة على الطاعات والتمسك بها، ومحاولة الإستمرار عليها مهما واجهتك المغريات والعقبات.
ب-صبر عن المحرمات، وهو:الابتعاد والإمساك ومنع النفس من الوقوع في المعاصي والمحرمات، وتجنب كل ما نهى الله عنه. فهو يحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس.
ج- صبر على الإبتلاءات، وهو الصبر على قضاء الله وقدره، وفيه اختبار وابتلاء للعبد.
وللصبر فضائل كثيرة، أذكر منها- على سبيل المثال لا الحصر- :
أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب. كما أن الصابرين في معية الله تعالى، فهو معهم بهدايته، ونصره وفتحه.
إضافة إلى محبتهم عند الله سبحانه ، فقد جمع لهم أمورا ثلاثة لم يجمعها لغيرهم، وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم ” كما جاء في الآية السالفة الذكر”
وعندنا- نحن المسلمين- شخصيات عالية القدر في قمة الصبر- من بينها: نبي الله أيوب عليه السلام- الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى: ” إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب”
– نبي الله يعقوب الذي امتحن بفراق أحب أبنائه إليه: يوسف، ومن بعده شقيقه الأصغر الذي قيل بأن اسمه “بنيامين”.ولم يكن صبر يعقوب على يوسف بالأمر الهين أو الخطب اليسير.
– نبي الله يوسف- عليه السلام – من النماذج المرموقة في عالم الصبر والصابرين.
حيث كانت حياته كلها سلسلة متلا حقة من الإبتلاءات. فلا يخرج من محنة إلا دخل في أخرى مثلها أو أشد منها. فرغ من محنة إخوته وكيدهم له، ليدخل في محنة امرأة العزيز وكيدها العظيم. بعد هذا واجه عقوبة السجن بلا جرم ولا سبب. وفي هذا المنحى حكى لنا القرآن على لسان يوسف نفسه: ” قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين” .
-صبر نبي الله اسماعيل بن ابراهيم الخليل ” عليهما السلام”. حيث يمثل أرفع أنواع الصبر على طاعة الله تعالى، رغم ما فيه من مخاطر وتضحيات جسام. فقد رأى الخليل إبراهيم (عليه السلام) في المنام، أنه يذبح ولده إسماعيل. فجاء بابنه إسماعيل وعرض عليه الأمر قائلا: ” يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى قال يا أبت افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ”
فلقد أوذي الأنبياء والمرسلون في سبيل الله وتبليغ رسالة ربهم بأشد أنواع الإذاية. فكانوا أئمة للصابرين عليهم الصلاة والسلام.
قال عز وجل: ” ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا” .والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من أوذي في سبيل هذا الدين، وثبت مجاهدا في مكة بالكلمة الطيبة والقول الحسن. وفي المدينة المنورة واجهأعداء الله بالسيف الحسام، فأيده الله بجنود لم تروها….
وما أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم في جسمه الشريف إلا من أجل أن يكون قدوة لأمته العظيمة في التضحية من أجل الدين، والدفاع عن شريعة سيد المرسلين.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قبل هجرته إلى المدينة، منعه أهل الطائف من دخول مدينتهم، وحرضوا عليه السفهاء والعبيد، يسبونه ويرمونه بالحجارة، حتى أدموا رجليه الشريفتين، ” صلى الله عليه وسلم”.فنزل الأمين جبريل، فقال: يا رسول الله، ماذا تريد أن أفعل بأهل الطائف؟؟ فأنا مأمور من قبل رب العالمين. فقال: ” اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” . وفي غزوة أحد، أدمي وجه الحبيب “صلى الله عليه وسلم”. وكسرت رباعيته، وما خرج من أحد إلا منتصرا، رغم المحنة التي وقعت وسط المعركة. فواجه الرسولصلى الله عليه وسلم المحنة بالصبر والثبات، حتى رجع النصر إلى مكانه.
وأن الصبر حركة وجهاد وثبات، وليس يأسا واستسلاما. فإن اليأس من الشيطان، والقنط ليس من صفات عباد الرحمان . فعن أبي سعيد الخدري ” رضي الله عنه” أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير، فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر” . وعن أبي يحيى صهيب بن سنان ” رضي الله عنه” قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عجبا لأمر المومن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمومن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” . وقال صلى الله عليه وسلم: ” إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط” .
وقد أعجبت بقصيدة شعرية رائعة حول: “كورونا”،للدكتور:اليزيد الراضي، رئيس المجلس العلمي المحلي لتارودانت، قال فيها:
أفرغ عليك سجال الصبر يا وطنـي فالصبر مرهم ماتلقاه من محـــــــن
واستمطر اللطف ممن لا يضن بــه وأدمن القرع في سر وفي علـــــــــن
فهو الذي أنزل الأدواء أجمعهـــــــــــــــــــــا وهو الكفيل بدرء الضروالعفــــــــــن

إلى اخر ما جاء في هذه القصيدة الراقية.
فعلى المواطن أن يتحلى بالصبر الجميل، وأن يرضى بقضاء الله وقدره، وهو صابر في الحجر الصحي الذي فرضه عليه هذا الوباء. فعليه أن يتقبل كل ذلك بطواعية واختيار، وأن يتعامل مع هذا البلاء دون تسخط أو جزع… وأن يتوجه إلى الباري تعالى بكثرة الطاعات، من حفظ الصلوات المفروضة في جماعة مع أفراد أسرته، ومن تلاوة للقرآن الكريم، والحفاظ على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأوبئة. فضلا عن فعل الخيرات، من: إطعام الفقراء والمساكين، وكل من تقطعت بهم سبل الرزق، والجود بالمال بحسب القدرة والاستطاعة في كل ما يعين على التخفيف من ﺁثار هذا الوباء… وكل ذلك من مظاهر الصبر الجميل الذي أوصى به الله تعالى في كتابه العزيز، حيث يقول: ” فاصبر صبرا جميلا” ، أي: صبرا لا جزع فيه ولا شكوى إلا لله تعالى . وقوله جلت قدرته: “فصبر جميل ”
فلا بد للمواطن أن يلتزم بالصبر ويتحلى به في مواجهة البلاء ” أو الوباء”، الذي أصاب العالم من انتشار فيروس ” كورونا المستجد”، والأخذ بالأسباب المشروعة والمناسبة. وعدم الاختلاط والإزدحام… والإلتزام في البيت حفظا للنفس، والمجتمع، والوطن.
فالحياة لا تستقيم على حال، ففيها: السعادة، والحزن، والصحة، والمرض. وعلىالإنسان المسلم أن يواجه ذلك كله بالصبر والتحمل والإلتزام. فالإبتلاء موجود في الدنيا، وأن الصبر هو المخرج من كل بلاء.فيجب أن يكون الصبر جزءا لا يتجزأ من إيماننا بالله تعالى.
فعلى المواطن أن يصبر على الحجر أو المكوث في المنزل، ويبتعد عن الكماليات، ويتجنب الإضرار بالغير، بقصد أو بغير قصد .
قال الإمام علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- في شأن الصبر:
اصبر على مضض الإدلاج في السحر وفــــــي الـــــــرواح إلــــــى الحاجــــــــــات والبكــــــــــــــــر
لا تضجـــــــــــــــرن ولا يحزنـــــــــــــــــــــــك مطلبهـــــــــــــــــــــــــا فالنجــــــــــــح يتلـــــــــــــف بيـــن العجــــز والضجــــــــر
إنــــــــــــــي رأيـــــــــــــــــت وفـــــــــــــي الأيـــــــــام تجربـــــــــــــــــــــة للصبــــــــــــر عاقبــــــــــــة محمـــــــــــــــــودة الأثـــــــــــــــــــــــر
وقـــــــــــــــل مــــــن جـــــــــــــد فــــــي أمـــــــــــــــــــر يطالبـــــــــــــه واستصحــــــــب الصـــــــبر إلا فــــاز بالظـفــــــر

اعلان

وقال الإعلامي: حسن الساعي:
إذا ما أتــــــاك الدهــــــر يومــــا بنكبــــــــــة فأفرغ لها صبرا ووسع لها صـــــــــدرا
فإن تصاريـــــــــف الزمـــــــــــان عجيبــــــــــــة فيوما ترى يسرا ويوما ترى عســـــــــرا

اللهم أفض علينا صبرا يغمرنا، وثبتنا به على دينك، وتوفنا على ملة الإسلام غير مفتونين. قال عز وجل على لسان سحرة فرعون، بعد أن ﺁمنوا بدين موسى عليه السلام : “ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين “.
اللهم اكشف عنا هذا الوباء، يا عالم كل خفية، يا صارف كل بلية، ندعوك بما اشتدت به فاقتنا، وضعفت قوتنا، وقلت حيلتنا، اللهم ارحمنا وأغثنا، والطف بنا، وتداركنا بإغاثتك، اللهم نتوسل إليك باسمك الواحد، وباسمك العظيم، فرج عنا ما أمسينا فيه، وما أصبحنا فيه.
اللهم اجعل شهر رمضان فاتحة خير لنا، وبداية أجمل الأقدار، وحقق لنا ما نتمنى، وبلغنا رمضان كل عام لافاقدين ولا مفقودين.

آمين،آمين ،آمين، ( والحمد لله رب العالمين ).
إعداد:
الدكتور: إبراهيم المعتصم
موظف بنظارة الأوقاف بتزنيت
ومنخرط في الإتحاد العام الوطني لدكاترة الإدارات والمؤسسات العامة

اعلان
اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى