
منبر 24
أكد سمير الدهر، السفير الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى منظمة اليونسكو، أن مفهوم الأصالة في التراث الثقافي يحتاج إلى إعادة تفكير عميقة تنطلق من الواقع الإفريقي وتراعي تحولاته الاجتماعية والثقافية، بدل الاعتماد على مفاهيم ومعايير جمالية ومادية موروثة من التجربة الغربية. جاء ذلك خلال مداخلة له في المؤتمر الدولي حول التراث الثقافي بإفريقيا المنعقد في نيروبي، حيث دعا إلى تبني مقاربة تعددية تُشرك المجتمعات المحلية وتُعطي الأولوية للوظيفة الحية للتراث.
الدهر، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجموعة إفريقيا لدى اليونسكو، اعتبر أن التمسك الحرفي بالحالة الأصلية للتراث لا يعكس الخصوصية الإفريقية، التي تتجلى فيها الأصالة في التقاليد الشفوية، والارتباط الروحي بالمكان، والقدرة على التكيف مع الزمن. وأضاف أن مراجع عالمية مثل “ميثاق البندقية” و”وثيقة نارا حول الأصالة” رغم أهميتها، إلا أنها تنطلق من خلفيات ثقافية غربية ويجب أن تُغنى بمساهمات إفريقية تعكس تنوع التجارب الإنسانية.
وفي سياق متصل، شدد الدبلوماسي المغربي على ضرورة مراجعة المعايير المعتمدة لإدراج المواقع في قائمة التراث العالمي، موضحا أن إفريقيا لا تمثل سوى 12 في المائة من هذه المواقع، رغم غناها الثقافي والروحي. ودعا إلى منح أهمية أكبر للتراث غير المادي، وللمواقع المقدسة والمعارف التقليدية التي تمثل العمق الثقافي للقارة.
كما أبرز الدهر أهمية وضع المجتمعات المحلية في صلب السياسات التراثية، لأن التراث يكتسب قيمته ومعناه الحقيقي من خلال ارتباطه بالناس الذين يصونونه ويعيشونه يوميا. وأكد على ضرورة إعادة النظر في التسلسلات الهرمية للقيم الثقافية التي تكرّسها المعاهدات الدولية، واقتراح بدائل أكثر شمولية تتلاءم مع الواقع الإفريقي.
ويُرتقب أن يصدر عن المؤتمر، الذي تنظمه اليونسكو وحكومة كينيا وصندوق التراث الإفريقي، “إعلان نيروبي” ليشكل نقطة تحول في المفاهيم المرتبطة بتثمين وحماية التراث الثقافي في إفريقيا، وذلك عبر مقاربة جديدة تراعي الخصوصيات المحلية وتسعى إلى إدماج شامل لوجهات نظر الفاعلين الميدانيين.