إن العالم الإجتماعي يبني للجسد واقعا مجنسا ، و مؤتمنا على مبادئ رؤية مجنسة ، و ينطبق هذا البرنامج الإجتماعي المستدمج للإدراك على كل الأشياء في العالم 1″ ، ف”إن البرنامج ذاته هو الذي يبني الإختلاف بين الجنسين البيولوجيين وفق مبادئ رؤية أسطورية للعالم متجذرة في العلاقة الإعتباطية لهيمنة الرجال على النساء 2 ” ، و بهذا فإن الجسد ، هو : بناء اجتماعي و ثقافي صرف ، لكن الذهن عبر طبيعة تشكليته البيولوجية / الكوسمولوجية – الكونية ، يسقط في وهم تصنيف سلوكاته الى الطبيعاتية ، متغاضيا عن أن “الجسد و حركاتها باعتبارها سجلات لمبادئ كونية تخضع لبناء إجتماعي .. فتدرك بالتالي كأنها شبه طبيعية 3 ” بمعنى أن الجزيئات السوسيو –ثقافية (الإجتماعية-الثقافية) تلتصق بالجسد البيولوجي ، و بفعل استعداداته الذهنية للتطبع ، يتم إعتبار المتطبع به جوابا مطلقا ، لذلك فمن بين أهم عوامل التطبيع الإجتماعي نجد التكرار الخطابي، ف”إن التوكيد لا يلبث بعد أن يكرر تكرارا كافيا أن يحدث رأيا ثم معتقدا 4 ” فتكرار الخطاب عبر قنوات مؤسساتية ، تؤصل الأفكار داخل الوعي العام ، من أجل غاية واحدة كما يرى ميشال فوكو* و غوستاف لوبون **، هي تكريس إستمرارية الإنسان المدجن ، ففي هذا الصدد يقول ميشال فوكو ” إن هذا الخطاب حول القمع الحديث للجنس ، خطاب قائم و رائج لأنه بدون شك سهل الإنتاج و الرواج ، فهناك ضمانة قوية ، تاريخية و سياسية تحميه 5″ ، بمعنى أن للبناء السوسيو –جسدي (الجسدي – اجتماعي) ، ركائز سياسية (السلطة الخفية) فهي من تندخل في تحديد مسار الجسد (أنثوي / ذكوري)، عبر عدة آليات تشتغل بها ، كتكرار الخطاب الذي تطبع به الذهن (أنثى / ذكر ) ، عبر تشريع الأصوات الرمزية و الأشكال التي تعيد طاقة الصور –ذهنية – إجتماعية المتطبع بها بالجسد الإجتماعي، و من بين هذه الأغذية الرمزية نجد : انتصاب اعلى بناية المسجد ، التي تعزز و تدافع رمزيا عن الهيمنة الذكورية ، زخرفة المسجد التي تشيد شعور التقديس الأعمى (الدوغما) ، صوت الآذان الذي يؤدي الى نشاط و انتعاش كل الصور – الذهنية – الإجتماعية المتطبع بها ، كأجساد تصبر لما كتبه الله – التلقين بدون نقاش و نقد ..الخ ، ثم باقي القنوات كالتلفاز / الهاتف / الراديو / الكتب المدرسية ، التي تجسد صوت السلطة الموجه الى العقول الناشئة ، و الى الجسد الانثوي بكونه ذهن مستعد للمكوث في المنزل ، و مستعد لتطبيع العقول الناشئة بالصور – ذهنية – اجتماعية ، و لهذا فحينما تسمع الأنثى من التلفاز ” حشومة / عيب / عيب عليك هادشي ليكاديري توبي لله ” يتم خلق طاقة – إعادة السلوكات المحورية / الصور – ذهنية – اجتماعية المركزية ، ببيئتها السوسيو -ثقافية (ثقافة -المجتمع)، ك(عدم الإلتقاء مع الذكور – اللاثقة في افراد المجتمع –تربية بناتها و أبنائها على الصور – ذهنية – اجتماعية / عدم ممارسة كل أصناف الجنس
4 : غوستاف لوبون – الآراء و المعتقدات – ترجمة عادل زعيتر – تبارك للنشر ص: 193
*: ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – الفصل الثاني : العقاب معمما
**: غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – الكتاب الثاني
5 : ميشال فوكو – تاريخ الجنسانية – الجزء الأول : إرادة المعرفة – ترجمة محمد هشام – ص : 7
الجسدي : الرحم = حرام – الخاصرة = حرام – الفمي = رذيلة و مس بالشرف …) و من خلال هذه المتتاليات السلوكاتية – الرمزية ، يتبين لنا ببداهة ديناميكية دور السلطة في كواليس الواقع : ما وراء الواقع السوسيولوجي ، فالغاية الأسمى كما اتضح لنا من تشريع القمع بالعصر الحديث ، هو تعطيل الذهن عبر كبت أسمى رغباته ( الرغبة العاطفية / الرغبة الجنسية )، و هذا ما يؤدي لا محالة إلى فتح أفق الإنحراف : ” الإلحاد / التعاطي للمخذرات / التوجيهات الرمزية للسلطة بالشوارع ” كثرة المساجد : التطرف / صور الأنترت : الإدمان على الأفلام + فيديوهات الجنس و القتل + موسيقى الجسد : الرقص ^التيكتوك^ ..” فهذا كله يخلق توثرا “انوميا” يفضي بالجسد الى اللاتوازن العقلاني ، و يخلق بهذا: جسدا ضد النظام له استعداد ، للدخول الى السجن أو الى الانتحار الفوضوي * بتعبير دوركهايم ، و بهذا تصبح /يصبح في منظور سلطة ما وراء الكواليس ، جسدا مخالفا للقوانين ، و بهذا يصبج مكانه القانوني و الرمزي المخطط له هو السجن ، و “معنى الحجز يستوعب داخله غاية إجتماعية ، تسمح للجماعة و السلطة بإقصاء العناصر الطفيلية و الضارة 5″ و بهذا فآن ” الفرد هو بلا ريب الذرة الوهمية لتصور أديولوجي للمجتمع ، لكنه أيضا واقع مختلف بواسطة تلك التكنلوجية السلطوية التي تسمى التأديب 6″ و لذلك فإن ما يحرك الأجساد ، هو بعد استراتيجي / لاشعوري-رمزي ، يتجسد على شكل توجيهات تمر عبر الجسد الإجتماعي بأكمله ، فتلتحم بذلك مع ماض الذهن المبني سوسيو -ثقافيا (بثفافة المجتمع) ، فيتم توجيه ذهن الجسد المستلب عبر قنوات ك ” المسجد / التلفاز / الثانويات / المدارس / الجامعات / الجمعيات الخ ..) إلى السلوكات المراد تجسيدها ، و هذا ما عززه بيار بورديو بقوله ” القضيب حاضر مجازيا على الدوام ، لكن قلما يسمى و مسمى 7″ بمعنى أن موضوع التجنيس الإجتماعي ، ليس أمرا يرتبط بالخطاب المنظم فقط ، بل ما الخطاب الثقافي إلا محتوى يتأطر ببناء إستراتيجي مخطط له ، المعروف بأنه : مجموع من الألفاظ التي تعبر عن تمثلات تجسد ثقافة بيئة مجتمع معين كما هي ، و لهذا فبداخل المحتوى المتأطر بمواضع السلطة ، نجد تكوينا مستمرا لخلق مواضيع جسدية ، فكل جسد منذ نشأته تحيط به جل مواضع السلطة (عبر القنوات و عبر الأجساد المستلبة)، و بذلك يتم حشوه بصور -ذهنية – إجتماعية “لا تكن هكذا ، افعل هكذا – يجب أن تفكر هكذا ، لا يجب ان تنظر هكذا – تكلم هكذا – لا تفتحي رجليك هكذا –اجلسي هكذا .الخ …) ، و هذا ما يؤدي بها أو به الى التطبع الإجتماعي ، الذي يخلق موضوعا للذهن بفعله يتحدد مسار الجسد ، و بفعل جزئياته المتجسدةعلى شكل صور – ذهنية – إجتماعية ، يتم الإجابة عن كل مثير بسيط سيثير الذهن بالمجتمع ، و طبعا تختلف هذه الصور السوسيو – ذهنية باختلاف الطريقة التي يروض بها الذهن و يدجن بها الجسد ، ك” عدم الإنفعال بصوت خشن و بنظرة حادة ، الموجهة الى الانثى ، فهي ذاتها : تكلمي ببطئ ، اصبحت تتكلمين كثيرا ، تجاوزت حدودك ، الأنثى افعى بفعل لسانها ، أنت كائن لطيف ..”
فهذه الصور السوسيو- ذهنية “الخارجية ” ، تكون مهادا للذهن من أجل توليد (صور -ذهنية) خاصة به ، ك( “أنا لن أخرج مساء لأن السارق سيسرقني “فكرة منعكسة تماماعن فكرة ” نامي سيأتيك الغول أو الجن …” ) ، و لهذا يمكننا القول أن الصور – ا
لذهنية الإجتماعية ، تتحول على شكل شيفرات داخل الدماغ و أمام الأعين ، و ما تسهر عليه السلطة بعد عملية تطبيع الأذهان الناشئة عبر قنواتها ، هو تكرار أشباه كل الصور – ذهنية –اجتماعية بالجسد الإجتماعي ، و بذلك تقع علاقة تجاذبية ، تؤدي الى استمرار الثقافة ، فالسلطة إذن، موجودة في كل مكان و سابقة في أي موضع يمكن للذهن أن يرى منه حقيقة الجسد الإجتماعي ، و كما يرى ميشال فوكو في عمله المراقبة و العقاب * ، لم يعد هم السلطة الآن ، هو إراقة الدماء و تقطيع اللحم و العظم ، بل همها الآن هو أن تكون داخل الأذهان عبر اختراقها منذ نشأتها ، ثم الاحاطة بالجسد ككل في مرحلة الإنتهاء من حشوه بأساسيات الثقافة ، و تكون الرقابة حسب فوكو في كل مكان “الخطاب الذي يتكون من شرطة الملفوظات : حرام / عيب ..” رقابة الاشكال التي نعتها بشرطة الفكر ” أعلى بناية المسجد التي تشبه أعلى بناية السجن ، فهي تزرع في لاشعور الذهن فكرة (أنت مراقب) و بذلك يصبح الذهن يراقب جسده من خلال ماضيه الذي اكتسبه : يراقب ذاته عبر ذهنه الماضوي ” لهذا نفهم من السلوكان المنعكسة للأفراد ، الذين يتدخلون من أجل إستبعاد السلوكات اللانمطية “كالمثليين : اناث / ذكور : في حالة اقتراب سواءالجنس الفمي او عناق .. ، مراقبة الشابات و الشباب من المنازل ، بغية ابعادهم عن ممارسة الجنس … ، ان المتحدث ليس هو المجتمع كما سلم دوركهايم، بل ان هناك قوة تحركهم كما بين بورديو و فوكو ، قوة توجد في كل سلوك بسيط و معقد ، لا تفتأ في كل ثانية تطور و تزيل كل ما يمكن للذهن ان يعيد به وعيه ، و لهذا فصوت الاجتماعي و نشاط الاستعدادات ، تتحكم فيهم السلطة عبر اعقد و ابسط التقنيات (المعرفة الحاضراتية المنعكسة عن ثقافة منظمة – التاريخ المؤدلج ) ، بمعنى آخر و حسب تعبير ميشال فوكو ” الإنسان الحديث هو كائن منزوع التاريخ 8″ ، فهو مستلب في استمرار بسبب الاكراه الذي تفرضه السلطة الملتصقة به و بالمجتمع أكمله ، و بهذا فإن غاية السلطة هي : إبعاد الذهن / الجسد ، عن الجسد الطبيعي(الحر / الناقد / المفكر ) و استبداله بالجسد الذي تريده هي أن يكون”سلوكيا / تفاعليا / فكريا/ هنداميا/ اقتصاديا …”
2 : عوامل و آليات التحكم في الأجساد :
من بين أساسيات التحكم في الجسد ، نجد الملفوظات الثقافية و الخطاب المنظم ، فهي : كلمات تاريخية ، و تمثلات ، تمخضت عن إحتكاك أفراد جماعتها بطبيعتهم ، و لهذا فهي عبارة عن تأويلات حول علاقة الإنسان (انثى / ذكر ) بالآخر و بماوراء الطبيعة ، و بهذا فحينما نستشف نظام الملفوظات بدول العالم الثالث ، فإننا نجد نظام التقسيم الجنسي المغربي، يميل الى الذكرورية بقوة ،
* : Michel Foucault – Surveiller et punir – les corps dociles -Gallimard -p : 183
9 : بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ترجمة : سلمان قعفراني – مركز الوحدة العربية – ص : 33
فنجد في نظام الأشياء مثلا ” الأعضاء الجنسية الذكورية ، مناظرة تماما لمعدات و آلات 9″ ، بمعنى أنه حينما نتفقد تقسيم الأشياء بالمنازل المغربية ، فإننا نجد “(التلفازة : أنثى => جهاز التحكم عن بعد : ذكوري / بيت الجلوس ، بيت النعاس : ذكورية =>الناموسية : أنثوية / الكوزينة ، الثلاجة : أنثوية )” هذا بالنسبة الى تقسيم الأشياء أو الموضوعات و أثرها في تقسيم الأدوار بالمنزل ، و من زاوية : تقسيم الأدوار الإجتماعية نجد “مول الدار : الذكر / عمارة الدار : أنثى )” ، بمعنى أن الأنثى في المخيال المغربي ، من خلال تقسيم الأشياء و الأدوار الماثلة أمامنا ، هي شيء ثانوي يملأ إطار “مول الدار” أي الذكر ، و ما الأنثى إلا ممتلك من الملكيات الرمزية/الخاصة ، المخصصة للذكر ، و بهذا التدخل للتاريخ الثقافي استنادا بمشروعية السلطة ، يصبح للذهن استعداد (لأنه و بكل بساطة تشتغل السلطة في استمرار ، بكواليس الإجتماعي : ماوراء المجتمع ، على جعل سيناريو استراتيجيتهم يبدوا للأذهان المستلبة و المدجنة واقعا طبيعيا ) و بذلك يصبح “اللاشعور – السوسيو – ذهني : الشعور اللامرئي الذي اكتسبه الذهن في مجتمعه ” يخلق في استمرار استعدادا يجعل من الأنثى تحسب أنها محتوى يدخل في اطار الذكر ، و ان الذكر إطار يؤطر الانثى و بناته و ابناءه و أفراد المجتمع ، و بما أن الأتثى : محتوى للإطار الذكوري ، فإن المحتوى في شروط المعرفة الكوسمولوجية / الكونية يتغير ، بتغير حجم الإطار ، و هذا ما يفسر لنا فكرة الخضوع الذي تقوم به الأنثى اتجاه الذكر المغربي ، فخطابات ” خليه هو يبدا و يوريك فليلة الدخلة ” “ديري ليه ليبغاه هو ما تقولي نتي والو ” ” حزريه راه الخيمة ديالك هداك ” .. ، يبين لنا ببداهة ، أن الإمتدادات التي تقةوم بها الأنثى (محتوى ) ، كلما اتسع إطار الذكر ، أو تقلصات الأنثى داخل الإطار حينما يحتم عليها التعدد ، هي استراتيجيات للسلطة تفتح أفقها أمام الذكر ، من أجل تلذذ الذكر بسلطة مكانه ، بدل تلذذ الجنسين بالمعرفة و الحقوق الطبيعية
3 : الجسد الأنثوي و الذكوري ، بين المجتمع و السلطة :
يرى بورديو في هذا الصدد ، أن النظام الطبيعي ، يشرع للجسد الذكوري عبر قضيبه الذي يتدلى و ينتفخ ، هيمنة تميزه عن الجسد الأنثوي ، بكون الجسد الأنثوي يفتقر إلى أجساد متحكم فيها ، و هذه المفارقة paradoxe حسب بورديو ساهمت في خلق تمثلات ، تمخضت عنها ملفوظات و خطابات منظمة ، تعرف داخل الإطار الإجتماعي بالمعتقد doxa ، و لهذا فهذه التمثلات المادية أو بتعبير فوكو “شرطة الملفوظات *” ، هي من قسمت الأدوار و الأشياء ، فجعلت بذلك في الإجتماعي نظاما و استعدادا ثقافيا ، تلعب به السلطة لعبة الهيمنة الذهنية و الجسيدية خلف الواقع الإجتماعي (بكواليس المجتمع) ، و لهذا ف”انتظامات النظام الفيزيائي : البيولوجي ، و النظام الإجتماعي : الثقافي ، تفرض و ترسخ الإستعدادات ، و تستبعد النساء عن المهمات الأكثر نبلا ، و تخصص لهن أماكن سفلية ، و تعلم كيفية التعاطي مع أجسادهن منحنيات ، و الذراعان مطويتان الى الصدر أمام الرجال المحترمين ، و تخصصن لمهمات حقيرة كنقل سماد النعام 9″
و بهذا ، فإن الغاية الأسمى من الجسد بكونه ثلة من السلوكات ، هو أن يتحد مع ذهنه المحشو بالتمثلاث / الصور – ذهنية – إجتماعية ، و مادامت السلطة تحيط بالذهن من كل المواضع في طفولته ، فإنها تصبح كما يسلم ميشال فوكو داخل ذهنه ، من أجل قيامه بدور مراقبة الأفراد و الدفاع عن الثقافة التي تخدم السلطة ، فإذا كان الذهن في طفولته يستمتع بالطقوس المخطط لها ك”الأعياد / الصلاة / الأشكال الثقافية / الروائح الثقافية / الأغذية الثقافية ” ، فإن هذه المبادئ تلف بالجسد عبر كل أبعادها ، محققة بذلك إعادة لطاقة الماضي ، فحينما يدرك الجسد عبر حواسه المثيرات الإجتماعية ، كصوت الآذان بالشارع ، أو رائحة أكلة ثقافية ك”الحريرة مثلا” ، أو يتذوق طعما “كلشاي” أو يدرك لونا كألوان الشرطة (احمر / اخضر) ، أو يرى شكل المنزل الرباعي او المستطيل ، أو الآيات القرآنية صوتا و كتابة ، فإن كل هذه المثيرات تنعش الماضي ، مما يؤدي الى تجديد طاقة الانسان الآلي أو المدجن ، فدور هذه الأجزاء هو إنعاش الصور الذهنية الإجتماعية داخل الدماغ ، و هذا ما يؤدي الى التحكم في السلوكات ، فالصور السوسيو ذهنية ، هي مبادئ نكتسبهامن الخارج و بفعلها نخلق صورا ذهنية نتوهم أنها من إبداعنا و لكنها في الأصل انقسام عن المبادئ الأولى ، و بهذا فان السلطة هي من تنقسم و تتفرع داخل الدماغ ، و لذلك فحينما تدخل الأنثى إلى منزلها ، فإن السلطة تستدير بها عبر ألفاضها الموجودة بكل جزء من المنزل ، و التي تعيد احياء الصور السوسيو ذهنية في استمرار (الكوزينة / الثلاجة / الناموسية / التفازة / الأفلام الأجنبية المدبلجة بألفاظ الثقافة العربية ، و التي تخلق أجسادا منفصمة ، بسبب دفاعها عن الحرية و اللاحرية: الممثلات = متحررات ، الممثلين : متحررين _ اللغة : ثقافية -ذكورية ) ، و بالنسبة للذكر المستعد ثقافيا للخروج الى الطبيعة ، فإن السلطة تستدير به أيضا باشكالها “(انتصاب اعلى البناية التي تدافع على ذكورته المنمطة ، و بذلك يحفز دوره على الإستمرارية (إستمرارية قهر الأنثى من أجل الإمتثال لصوت الذكر / حشو الذكر الناشئ من أجل تجسيد دور المراقب الرمزي للثقافة خارج المنزل و داخله ) و بهذا فإن الأفراد يشتغلون في استمرار مع السلطة ، فحينما تسمع الأجساد صوت الآذان ، فإن كل مكونات الماضي تتفاعل ، فتحرك بذلك سلوكات الطقوس اليومية للأجساد ( الحفظ بدون فهم / سلطوية التدريس و التلقين بالضرب : الإمام = المدرس = العصى : لا تتكلم كثيرا ) (الأشكال المحيطة بالأجساد: صور الأنترنت الموجه للشابات ، الشباب من أجل تفادي خاصية الاستعداد للنقد ، الموجودة قبليا مع شروط المعرفة * ، و لهذا فمادامت الأم لها عبر التنشئة الاجتماعية استعداد لتدجين ابنتها على الخضوع ، و الاب له استعداد لتدجين ابنه على الهيمنة ، فإن السلطة المدجنة من طرف كواليس أنظمة أخرى ، لها وجود مسبق على تدجين الجنسين معا ، فالسلطة كما ينعتها فوكو موجودة في كل مكان (بالحائط و بالذوق و بكل سلوك معقد و بسيط ) ، ففي هذا الصدد نجد أن بسنة 1964 ، ظهر علم “الحفاظ على التراث الثقافي ” بأوروبا ، و أصبح الآن من بين القوانين الأساسية بكل مجتمع ، ترعاه في استمرارية اليونيسكو و البنك الدولي و غيرها من المؤسسات العالمية ، فالغاية الأسمى منه هو ترميم البنايات القديمة داخل المجتمعات ، و الحفاظ أيضا على جل الألفاظ الثقافية التي تخص الجماعة ، و لكن كما يتضح لنا في سياق تحليلنا ، الغاية الأسمى من هذا العلم هو تطويق الإنسان المدجن و الآلي داخل درجة تفكيره
لأننا حينما نتكلم عن بناية قديمة ، فإننا نتكلم عن خطاب عاصرها ، يعبر عن درجة تفكير معينة ، و إذا ما أردما أن نقارن بين درجة الفكر العربي الذي حصرت خطاباته الثقافية ، خلف الأسوار و المعمارات المؤدلجة لعلم الحفاظ على التراث العالمي ، مع تماثيل الفلاسفة داخل المجتمعات الغربية ، فإنه سيتبين لنا الفرق الشاسع بين النظامين الإجتماعيين .
4 : البناء الإجتماعي للأجساد
تختلف كما نعلم ، الطريقة التي بها يجنس الذهن و يبنى بها الجسد ، فإذا كان الذكر كما يسلم بورديو ، يتم إخراجه من العالم الأنثوي “المنزل ” منذ طفولته ، و يتم ادماجه في العالم الذكوري (السوق) (المقهى ) (الحرية في التجوال بين كل أحياء المدينة ) ، فإن الأنثى ، يفرض عليها منذ طفولتها عدم الإبتعاد عن عتبة المنزل ، ثم “تعلم اللبس و اختيار مختلف الألبسة المناسبة لمختلف حالاتها المتعاقبة : طفلة صغيرة ، عذراء ، بالغة ، زوجة ثم ربة بيت ، فتكتسب شيئا فشيئا بالمحاكاة اللاواعية بقدر الطاعة العلنية ، الطريقة الأفضل لربط حزامها (اللباس الطويل ) ، تغطية شعرها ، تحريك او تثبيت هذا الجزء او ذاك من جسدها في السير أو عرض الوجه أو تصويب النظر 10 ” ، فلكل منطقة من الجسد ، صورة سوسيو ذهنية مهيأة لتتحكم في سلوكاتها ، و بفعل اتحاد هذه الصور – الذهنية – اجتماعية يتكون منتوج الانسان الثقافي ، الذي يتميز بنمط من اللباس و طريقة في العيش ، فحينما نتكلم على اللباس الطويل المخصص للأنثى ، فإننا نتكلم عن رموز ثقافية و غايات تشرعها السلطة ، كالأنثى كائن سلبي و كسول – يحمل كنزا ثقافيا : الرحم و يصاب بالدورة الشهرية ، زد على ذلك أنواع السراويل المعاصرة ، كالسروال المخصص للأنثى الذي يفوق البطن ، فهذا السروال في بعده الرمزي / المغربي ، تم تأويله بأنه سروال لإظهار الخاصرة رغم ان السروال الذكوري المغربي منذ ظهوره كان يظهر أيضا الخاصرة ، و بهذا فإن المعنى الرمزي الذي تم اسقاطه على شكل السروال الانثوي المعاصر يتمثل على النحو الاتي (الحزام: الوعي الاجتماعي للانثى المغربية = مبتعد كليا عن التحكم في عضوه التناسلي (الرحم ) ، و يعتبر حمل السروال في استمرار بالشارع “ذكور / اناث ” ، تعبيرا عن فقدان الذهن حقه الطبيعي في تلبية رغبته العاطفية و الجنسية ، و يعبر ايضا السروال الممزق و السروال الفضفاض و السروال اللامحكم او السروال الضيق ، عن تجاوز النظام بسبب تدخل هذا النظام في إبعاده عن الجسد الذي يجب ان يكونه
أ : تصميم أدوار النوع الجسدي :
كما سلمنا آنفا ، الانثى تعتبر في المخيال النمطي الاجتماعي : كائن سلبي ، “لأن النساء لكونهن يقعن في تصنيفات (الداخل / الرطب / الأسفل / المنحني / المتصل – يعهد اليهن بكل الأعمال المنزلية أي الخاصة و المختبئة ، لا بل اللامرئية أو المخجلة ، كرعاية الأطفال و الحيوانات ، و كذلك كل الأعمال الخارجية التي أعطاها لهن العقل الأسطوري 11 ” ، فهي ثانوية بالمعنى الإستلابي للذهن ، لأنه حينما نتكلم عن الفرق بين الجلباب الأنثوي و الجلباب الذكوري ، يتضح لنا قوة المفارقة بين الجسد الانثوي و الذكوري ، فالأول : أنثى = يفرض عليها لا شعوريا عدم حمل الجلباب أعلى الركبتين ، أما الجسد الذكوري فكثيرا ما نلمح جلبابه الذي يحمل اعلى الركبتين في استمرار ، فالثاني يقابل بابتسامة و شعور بالرضى الثقافي على سلوكه الثقافي ، أما الجسد الانثوي فيقابل بالرضى الثقافي كلما طأطأت رأسها خلف الذكر ، و
مما لا شك فيه أن هذه الأبعاد لازالت حية داخل الأذهان التي تدعي الحداثة الجسدية و الفكرية ، فمادامت السلطة خلف أسوار الأدوار المرئية للسلوكات ، تدافع عن القوانين ذاتها التي كانت ، فإن الصور السوسيو ثقافية ، ستظل تتكاثر عبر الزمن الاجتماعي ، لأنه حينما نلاحظ تحركات أعين الشابات و المراهقات بالشارع ، فإننا نلاحظ صورة العبودية التي كانت ، مصطبغة بلون العصرية و الحداثية ، كعدم القدرة على التعبير سواء من ناحية نسج الجمل ، أو من ناحية إيقاع الصوت ، فما نسمعه في استمرار بالشارع من أصوات أنثوية ، صوت عال يعبر عن عدم الثقة و عدم الرضى بما يتم التلفظ به ، أو صوت خافت بدون تحركات اليدين و الجسد و بمعزل عن نظرة حادة تحيل على الوعي بما يتم التفوه به ، و كذلك الذكر فمعظم الجمل بناؤها يكون متقطعا ، و منطوي تحت لواء بعد رمزي واحد هو ممارسة الجنس ، و لهذا نفهم من كل ما تطرقنا له انفا ، أنه لا يوجد سلوك أو خطاب لا توجد فيه السلطة ، فنشاط الذهن الطبيعي لا يكتمل بسبب اختراقه من طرف أجهزة السلطة ، لأن استدارة الوعي حوله من اجل توجيه شرارة النقد ، تتعطل في كل ادراك يقوم به الذهن ، فالذهن كما سلمنا يتكون أساسه من كل الصور الذهنية الاجتماعية التي مررتها السلطة باحكام مما يصبح له ماض مخطط له، و بذلك يصبح للذماغ ماض ميغناطيسي ينجذب لكل اشارة تضعها السلطة في الشارع او داخل المنزل ، و هذا بالضبط ما يؤدي إلى إعادةإنتاج طاقة الانسان المدجن صباحا و مساء ، و لذلك فحينما يتقابل الجسد الانثوي المغربي بالجسد الذكوري ، فإن الجزيىات التي تحيط بهم تتداخل مع أجسادهم “نظرة حادة من الأغيار ، تؤدي الى طأطأت رأس الأنثى ” ، خوف الذكر من الشرطة تؤدي الى لاتوازنه العقلي ، فقبل خروج الذهن الانثوي الى الشارع ، يكون هنالك استعداد تخلقه الصور الذهنية اجتماعية كصورة الإقصاء من الوجود المتطبعة بها ، و بذلك يكون لها علم بأن بالشارع يقع تحرش جنسي / الاغتصاب / السب / الشتم ، و بذلك يصبح دورها خارج المنزل هو تلقي السلوكات، على عكس الذكر الذي له استعداد اجتماعي للاندفاع الى الانثى
، فهنا يحضر رمزيا “القضيب المنتصب ” و بذلك فمع أول إثارة للبيدو المكبوت (القوة الجنسية المكبوتة ) ، تشتغل اول صورة ذهنية اجتماعية تطبع بها حول الهيمنة الذكورية(الرجل فأس يحفر في كل مكان / أنت قوي …) ، فيتمخض بذلك تسلسل من السلوكات ،(قد يصل الى العنف او القتل ) و هذه الإستدارة السلوكاتية التي يعاد إنتاجها صباحا مساء ، تتداخل فيها كل المؤسسات الإجتماعية و السياسية من اجل الحفاظ على ابتعاد الأجساد عن المواضع الطبيعية للاذهان ، و بما أن قوة تكرار التوجيهات الجسدية ، يعاد إنتاجها في استمرار ، فإنه يقع كما يسلم بورديو “إشباع ” ، فيصبح بذلك الذهن غير مستعد لفقدان الصور الذهنية الإجتماعية ، لأنه بفعلها يرى الذهن الوجود ، و بفعلها يجيب على كل مثير يثار في الواقع الاجتماعي ، و بفعل التوافق بين السلطة و الماضي و الحاضر داخل ذهن الجسد ، تفتح عوالم البناء الداخلي ، بهذا يقوم الذهن بدمج كل محتويات الصور الذهنية اجتماعية مع كل اطار حاضراتي ” طعم اكل جديد / لباس معاصر / ايقاع موسيقي / كتاب ..” و بذلك تكون الدلالات الجسدية الرمزية ، قد هيمنة على صوت العولمة ، فمادامت السلطة بماوراء كواليس الاجتماعي ، تشتغل على خلق الجسد الماضوي المدجن ، فان الذهن يسقط ماضيه بكل ما هو جديد ، و في هذا الصدد سلم بورديو استنادا بميشال بوزون ، انه بعد تطبع
الأذهان ثقافيا (الاشباع) ، يبتعد بذلك الذهن عن كل سلوك معقد ، فحينما سنعطي للمجتمع الذكوري ” الإنطباع بأن المرأة هي التي ستهيمن ، فهذا سيحط منها إجتماعيا ، و بذلك ستشعر أنها منقوصة أمام رجل منقوص 12 ” ، و لهذا يمكننا القول أن الحدود المفروضة سوسيو – ثقافيا ، بفعل تفاعلها مع الصور ذهنية اجتماعية ، تبعد الجسد الذي يجب ان يكون عن اطاره الاجتماعي الذي يجب ان يتموضع فيه ، و لذلك فإن التفاعل الإجتماعي الذي يدور بين الجسد المهيمن ، و الجسد المهيمن عليه ، هو في الاصل تسلسل من السلوكات المنظمة ، المنعكسة عن الصور السوسيو ذهنية ، فهذه الأخيرة تتحكم في نسق الصور الذهنية التي تتحكم في كل عضو من الجسد ( عدم تقبيل الذكر زميلته أو جارته ، هذه صورة ذهنية متمخضة عن صورة ذهنية اجتماعية ، كالتقاء الذكر بالانثى حرام ، عدم إطالة الإمساك باليدين : صورة ذهنية تتحكم فيها صورة سوسيوذهنية : كالاقتراب بين الاجساد عيب و “حشومة” ، و لهذا فكل صورة سوسيو- ذهنية تضم تسلسلا من الصور الذهنية ، فالأولى هي نتاج بناء ثقافي / اجتماعي تشرعه السلطة ، أما الثامنية “الصور الذهنية ” فهي فردية بامتياز ، تتمخض على شكل الصورة الذهنية الاجتماعية ، و بذلك فالأولى هي من تتحكم في ديناميكية الباقي ، فحينما تثار رغبة جسدية ، فإن الذهن يطابق الصورة – الذهنية الاجتماعية مع دائرة المحيط ، و حينما تتطابق أجزاء الصورة السوسيو ذهنية ، مع اجزاء دائرة المحيط ، فان الصور الذهنية تتتابع فتتمخض بذلك سلوكات إجتماعية بامتياز ، فقبل ان تمارس شابة و شاب الجنس الفمي بالشوارع المغربية ، فإنهم يبحثون عن مكان يتطابق مع صورتهم الإجتماعية “ابتعد عنا و مارس ما تريد” ، و بمجرد توافق الصورة الاولى مع محيط معين ، تتسلسل الصور الذهنية ” الاقتراب اكثر ” / ” عدم وضع اليد على الرحم ” … ، و بهذا فإن الصورة الذهنية الإجتماعية ، هي : ثقافية و ليست طبيعية ، فبفعلها يخلق الانسان الآلي و المدجن ، و بتكرارها الرمزي ، يمارس على الجسد عنفا رمزيا ، كما سلم بورديو ، ف”العنف الرمزي لا يتحقق إلا من خلال فعل معرفة و جهل عملي يمارس من جانب الوعي و الإرادة و يمنح سلطته المنومة إلى كل تظاهراته و إيعازاته و إغراءاته و تهديداته و مآخذه و أوامر دعوته إلى الإنضباط 13″ ، فهنا يعزز بورديو بقوة ، ما صرحنا به حول العلاقة الرمزية بين الصور السوسيو ذهنية و الصور الذهنية ، و علاقتها بالسلطة و الجسد ، فهناك ، إذن : انفصال و تسلسل ، تحققه السلطة باستراتيجياتها القبلية حول استثمار الاذهان ، و إعادة إنتاج أجساد آلية / مدجنة في استمرار ، و كما سلم فوكو * ، يتحمس دائما الذهن ، للحديث عن مستقبل الجنس ، بكونه من أساسيات توازننا العاطفي و البيولوجي ، و بكونه نقطة مركزية للسلطة ، فهذا يعبر في استمرار على أننا مخربون ** ، لأن التوازن العاطفي و الجنسي و الابستيميه ، يصيب لا محالة أجهزة السلطة بالخوف من الانهيار ، لهذا كانت و لازالت لعبة السلطة تتمحور كليا حول الجسد ، محاولة بأقوى خططها فرض السيطرة و الهيمنة على نظام الوعي ، من أجل أن لا يعي وجود جسده الطبيعي المسجون بكواليس السلطة ، أي بما ورراء الاجتماعي