
منبر24
أكد المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، أن الديناميات الديموغرافية التي يشهدها المغرب اليوم تستدعي تعزيز الرؤية الاستباقية في وضع السياسات العمومية، وذلك خلال لقاء نظمته المندوبية السامية للتخطيط وصندوق الأمم المتحدة للسكان، اليوم الأربعاء بالرباط، لتقديم تقرير حالة سكان العالم لسنة 2025، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسكان.
وفي كلمة بالمناسبة، شدد بنموسى على أهمية قراءة التحولات الديموغرافية بجدية وواقعية، بعيدًا عن الخطابات التي توظف هذه القضايا لأغراض معينة، داعيًا إلى اعتماد معطيات دقيقة ورصينة لفهم التغيرات الجارية.
وأوضح أن الدينامية السكانية الحالية ناتجة عن مجموعة من العوامل المتشابكة، من أبرزها تحسّن جودة الحياة، ارتفاع متوسط العمر، تطور الصحة الإنجابية، إلى جانب التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
واستنادًا إلى النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى، سجل المندوب السامي بروز توجهات هيكلية متباينة بين الأوساط الاجتماعية والمجالات الترابية، كما أشار إلى التقدم المحرز في مجال التعليم، خاصة في ما يتعلق بتعليم الفتيات، وتقليص معدلات الفقر، رغم استمرار وجود تفاوتات مجالية مهمة.
وأكد بنموسى أن الانخفاض المتوقع في عدد الأطفال ضمن الفئات العمرية الصغرى ستكون له انعكاسات كبيرة على تخطيط السياسات العمومية، مستشهدًا بحالة المدارس ذات العدد المحدود من التلاميذ في العالم القروي، حيث أصبح الرهان يتمثل في ضمان الحق في تعليم جيد رغم الانكماش الديموغرافي.
كما أشار إلى التحديات التي تفرضها وتيرة التمدن المتسارعة، خاصة في مجالات السكن، والنقل، والخدمات العمومية، مؤكدًا أن غياب رؤية استباقية قد يؤدي إلى اختلالات في توازن السياسات المستقبلية.
وفي هذا السياق، تطرق بنموسى إلى انخفاض معدل الخصوبة الوطني، الذي تراجع من 5,5 سنة 1982 إلى 2,2 سنة 2025، مؤكدًا أن هذا المعطى يستدعي معالجة عميقة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عبر سياسات عمومية فعالة، تأخذ بعين الاعتبار المعايير الاجتماعية، والظروف المهنية، وتوزيع الأدوار داخل الأسرة.
وشدد على أهمية التوفر على معطيات إحصائية دقيقة ومحدثة، مبرزًا أن المندوبية السامية للتخطيط تُجري حاليًا بحثًا حول الأسرة، وتستعد لإطلاق دراسة جديدة حول “استخدام الوقت” قبل نهاية السنة الجارية، لفهم أعمق للتحولات المجتمعية.
كما دعا إلى اعتماد منهجية تجريب السياسات العمومية قبل تعميمها، معتبرًا أن اختبار “سياسات الغد” على نطاق محدود خطوة أساسية لتقييم فعاليتها في الواقع، وهو توجه ينسجم مع أهداف النموذج التنموي الجديد للمغرب.
من جهتها، أكدت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، مارييل ساندر، أن التحول الديموغرافي الراهن بالمغرب يتطلب “إجراءات جريئة وفورية”، مشددة على ضرورة الاستثمار في التعليم، وتقليص الفجوة بين الجنسين في سوق الشغل، حيث ما تزال مشاركة النساء تقل عن 17 في المائة.
ودعت ساندر إلى إدماج مفاهيم جديدة للأسرة في النموذج الاقتصادي، بما يضمن للنساء والرجال خيارات متساوية في ما يتعلق بتكوين الأسرة والحياة الأسرية، مؤكدة أن الوقت حان لإعادة النظر في حصر أدوار الرعاية والتربية على النساء فقط.
وأضافت: “عندما تتحمل النساء وحدهن عبء الرعاية، فإن المجتمع بأسره يدفع الثمن، لذا يجب تثمين دور الآباء وتعزيز مفهوم التربية المشتركة.”
كما أشارت إلى الدور المحوري للقطاع الخاص في دعم هذه الدينامية، من خلال إقرار إجراءات داعمة للأسر، من بينها إجازة أبوة مدفوعة الأجر، وساعات عمل مرنة، ودعم الحضانة، وتوفير تغطية صحية شاملة، واصفة هذه التدابير بـ”الاستثمارات في رفاه السكان واستدامة المجتمعات”.
واستند التقرير العالمي، الذي يحمل عنوان “التحديات الحقيقية في مجال الخصوبة: السعي نحو تحقيق الصحة الجنسية والإنجابية في عالم متغير”، إلى معطيات ميدانية واستطلاع رأي مشترك بين صندوق الأمم المتحدة للسكان ومؤسسة “YouGov”، شمل 14 دولة من ضمنها المغرب، وخلص إلى أن ملايين الأشخاص حول العالم غير قادرين على إنجاب العدد الذي يرغبون فيه من الأطفال، ليس بسبب العزوف عن الإنجاب، بل نتيجة عوائق اقتصادية واجتماعية قائمة.
وعرف اللقاء مشاركة ثلة من الخبراء من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، ومنظمة الإيسيسكو، والمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، وجامعة محمد الخامس بالرباط، ومركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، حيث ساهمت تدخلاتهم في تعميق النقاش وبلورة رؤى جديدة بشأن مستقبل السياسات السكانية في المغرب.
كما شهد الحدث الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، من خلال إطلاق تصميم بصري جديد يُجسد قيم الحوار بين الأجيال، والروابط الأسرية المتينة، والثراء الثقافي الذي يميز المملكة، البلد الذي راكم خلال العقود الأخيرة تحولات ديموغرافية عميقة وتقدمًا ملموسًا في مختلف المجالات.