اعلان
اعلان
مقالات الرأي

تازة قبل غزة..ولا جدوى من المسيرات

اعلان
اعلان

   محمد الابراهيمي

 استفزك العنوان أليس كذلك، وربما هممت بسبي و شتمي، إن كنت قد فعلت ذلك فأنت بخير و لازال ضميرك الإنساني حيا، لقد وضعت العنوان مقصودًا ليُثير فيك الفضول  والفزع، ليجعلك تتوقف للحظة وتتساءل: ماذا يعني هذا؟ هل هو انتقاد للتضامن مع غزة؟ أم أنه مجرد اختبار لمشاعرك إن هي ماتت أم لا زالت حية ترزق؟ قد تظن للوهلة الأولى أنني ضد التضامن مع القضية الفلسطينية، ضد غزة، ضد المسيرات الشعبية المحلية و الوطنية التي تمتلئ بها شوارع مدننا منذ السابع من أكتوبر، ولكن، الحقيقة على عكس ذلك تمامًا، فالحقيقة التي لا ترتفع، هي أن التضامن مع غزة جزء لا يتجزأ من قضية المغرب الكبرى، و المغرب الرسمي يعتبرها بنفس أهمية قضية وحدته الترابية، قضية الصحراء المغربية  التي يبدوا أنهت تتجه في الأشهر القادمة إلى منعطف حاسم ربما ينهي هذا النزمحمد

اعلان

     تتردد عبارة “تازة قبل غزة” على ألسنة البعض في المغرب وهم أقلية على كل حال، كلما زادت وتيرة الحملات التضامنية مع فلسطين و غزة، و هي عبارةٌ قصيرة، لكنها حبلى بالدلالات والتأويلات، تفتح النقاش مجددًا حول ترتيب الأولويات بين الشأن العام الداخلي والتضامن مع القضايا الخارجية.

    وحتى نكون منصفين، ومن باب حسن الظن، فإن أنصار هذه العبارة لا ينكرون عدالة القضية الفلسطينية و لا يؤيدون حرب الإبادة في غزة، لكنهم يدعون إلى التركيز أولاً على حل مشاكل الداخل المغربي وفي مقدمتها قضية المغرب الكبرى ـ الصحراء المغربية ـ قبل الالتفات إلى القضايا الخارجية، أما المنتقدون و أغلبهم ينتمون إلى حركات إسلامية وازنة، فيرون أن المقارنة بين الأوضاع الداخلية المحلية وقضية فلسطين تنم عن خلل في ترتيب القيم، لا في ترتيب الأولويات، فبالنسبة لهذه الحركات، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، فإن القضية الفلسطينية ليست قضية خارجية أو ثانوية، بل هي قضية مركزية ذات أبعاد دينية وتاريخية وإنسانية، ففلسطين، من منظورهم، ليست مجرد “أرض محتلة” بل “أرض مقدسة” و أنها قضية داخلية ضمن الأمة الإسلامية وليست خارجية، و بالتالي فنصرتها واجب شرعي وأخلاقي لا يُلغى بسبب الأزمات الداخلية، و يتهمون أصحاب “تازة قبل غزة” بأنهم يندرجون ضمن خطاب علماني أو تطبيعي، يسعى إلى إضعاف رمزية القضية الفلسطينية، وقطع الأواصر الثقافية والدينية التي تربط المغاربة بها منذ عقود.

   وبين من يرفع شعار “الأولوية للداخل”، ومن يرى في القضية الفلسطينية قضية لا تقبل المساومة، يظل النقاش مفتوحًا حول كيفية تحقيق التوازن بين الالتزام الوطني والواجب الإنساني والديني، دون الوقوع في فخ التناقضات المفتعلة و التي تزيد من حدة الانقسامات و الانشقاقات في الوقت الذي يعتبر فيه مطلب الوحدة ضمن القواسم المشتركة الممكنة أكبر الأولويات.

اعلان

     هذا من جهة، من جهة أخرى هل المسيرات التضامنية و إن كانت مليونية ذات جدوى فعلا؟ أم أنها مجرد النفخ في قربة مقطوعة لا تسمن و لا تغني من جوع؟ فكلما تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلا و تجددت معه في المغرب المسيرات التضامنية الكبرى، التي تجوب شوارع الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة….، رافعة شعارات الغضب و التنديد والدعم، وكما هو الحال مع كل موجة قصف، تعود المسيرات التضامنية إلى الواجهة، فيعود معها أيضًا الجدل القديم-الجديد: هل تشكل هذه التظاهرات فعلًا تضامنيًا فعالًا؟ أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد صرخة عاطفية بلا أثر ملموس؟

   في صف المؤيدين لهذه المسيرات، نجد عددًا من الفاعلين البارزين الذين يعتبرونها ضرورة أخلاقية وسياسية، حتى وإن كانت لا تغيّر الواقع الميداني، حيث يعتبرون التضامن مع غزة ليس موقفاً عاطفياً، بل هو جزء من الهوية النضالية للمغرب، و أن المغاربة ليسوا مع فلسطين،بل هم فلسطين، كما يؤكد آخرون أن التضامن مع فلسطين هو التزام أخلاقي وشعبي لا يمكن التراجع عنه، و أن التخلي عن فلسطين هو مشاركة في الجريمة.

   في المقابل، يعتقد المنتقدون أن هذه التحركات باتت طقوسًا موسمية تمارس تحت ضغط الضمير الجمعي، أكثر منها أفعالا إستراتيجية لها أهداف واضحة، ويشيرون إلى أن “إسرائيل لا تُزعجها المسيرات و الوقفات بقدر ما قد يزعجها ضغط سياسي أو اقتصادي منظم”، وهو ما يرون أنه غائب أو غير ذي تأثير، كما يرى البعض أن الأنظمة تستثمر هذه المسيرات لتلميع صورتها أمام شعوبها، خاصة في البلدان التي تتهم فيها الحكومات بالتطبيع أو الصمت، وهكذا، يصبح الشارع متنفسا محسوبا يسمح له بالهتاف، ما دام لا يتحول الهتاف إلى موقف سياسي أو فعل مؤثر.

  ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن التضامن العاطفي قد يتحول إلى عامل تخدير، يمنح الأفراد شعورا زائفًا بالإنجاز والمشاركة، ما يثنيهم عن السعي إلى بدائل أكثر تأثيرًا: كالمقاطعة الاقتصادية المنظمة، أو الضغط السياسي المدروس، أو حتى دعم المبادرات الحقوقية والإعلامية.

  ورغم هذا الطرح النقدي، لا يعني ذلك بالضرورة المطالبة بالصمت أو الانسحاب من ساحة الدعم، وإنما إعادة التفكير في أدوات التضامن وجدواها، وتحويله من مجرد فعل رمزي إلى حركة ذات أهداف واستراتيجيات قادرة على الإزعاج الحقيقي لصانع القرار، سواء كان محليًا أو دوليًا.

   وفي زمن تتسارع فيه موجات التطبيع، يبقى صوت الشارع، مهما كان محدود الأثر، خيرًا من الصمت

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى