اعلان
اعلان
مجتمع

” تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم” عن المائدة المستديرة التي أقيمت بين المحامين والفنانين

اعلان

 

عرف تاريخ الفن منذ العهد اليوناني حوارا فكريا ومفاهيميا بين الفكر الإبداعي والفكر الحقوقي أو قل القانوني، مع العلم أن العقل القانوني استند ويستند على الفكر والمعرفة ويمارس إبداعا تشريعيا، غايته تنظيم العلاقات بين الناس وتقنينها وهي الأهداف التي يرمي إليها الفن في علاقته بالناس والقيم.
للفن والقانون تكاملا مشهودا وخدمة تفاعلية لبعضهما البعض، إذ يلاحظ تأثير الفن في القانون، بمعنى؛ أنه يمكن أن يكون للفن رسالة مجتمعية للسلطة التشريعية حينما تود بناء قاعدة قانونية معينة فيقوم المشرع على أثر تلقي الرسالة بالاستجابة للمطلب المجتمعي سواء كان بسن قاعدة غير موجودة أو بتعديل قاعدة سبق سنها ومعمول بها، نموذج ما وقع في دستور المملكة المغربية لسنة 2011، حيث استجاب المشرع لحركية المجتمع واستمع لكل الأطراف ومنها الفاعل الفني والثقافي والإبداعي كما القانوني والحقوقي والدليل الإشارة في بنوده إلى حرية التعبير ورعايتها.
وهنا نشهد على تأثير القانون على الفن، وذلك عندما يشار إلى القانون بوصفه تشريعا لتنظيم سير الفن والفنانين؛ إذ يحمي القانون الفنانين من التعسف على حريتهم، لكون حرية التعبير شرط لازم للإبداع
ويعتز الفنان المغربي بالترسانة القانونية الكبيرة التي حققت له حضورا فاعلا ومنها ميلاد قانون الفنان والمهن الفنية لسنة 2016، وهو تعديل وتطوير لقانون الفنان لسنة 2013، كما يعتز الفنان المغربي بقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي بفضل النسخة الخاصة توصل لحقوق مادية، وما زال يطمح لحقوق أخرى يزكيها القانون وتنزيل النصوص التنظيمية.
لذا فأي صراع بين الفن والقانون نراه وهميا وغير صحي، سيما وسيرة المجالين تؤكد أن هناك تكامل وخدمات متبادلة ويوجد في صف الفنانين المغاربة رجال ونساء قانون وفي صف القانونيين المغاربة رجال ونساء فن، والأدلة كثيرة على المستوى الدولي والعربي والمغربي على مدى العصور ويسجل على العصور الوسطى محاكم التفتيش التي أنشئت في أوائل القرن الثالث عشر بقرار من البابا جرينوار التاسع وذلك عام 1233. وكان هدفها محاربة الهرطقة في كل أنحاء العالم المسيحي. والمقصود بالهرطقة هنا أي انحراف ولو بسيط، عن العقائد المسيحية الرسمية. وقد كلف بها رجال الدين في مختلف المحافظات والأمصار. فكل واحد منهم كان مسؤولا عن ملاحقة المشبوهين في أبرشيته. وكان الناس تساق سوقا إلى محكمة التفتيش عن طريق الشبهة فقط، أو عن طريق وشاية أحد الجيران. كانوا يعرضون المشبوه به للاستجواب حتى يعترف بذنبه، فإذا لم يعترف انتقلوا إلى مرحلة أعلى فهددوه بالتعذيب وعندئذ كان الكثيرون ينهارون ويعترفون بذنوبهم ويطلبون التوبة. وأحيانًا كانت تعطى لهم ويبرأون. ولكن إذا شّكوا بأن توبتهم ليست صادقة عرضوهم للتعذيب الجسدي حتى ينهاروا كليا. وإذا أصر المذنب على أفكاره ورفض التراجع عنها فإنه يحرق. وكان ضحية هذه المحاكم كاليلو وفولتير وكثير من أهل الفكر والفسلفة التنويرية.
لهذا السبب نستحضر محاكم التفتيش كلما اتهم إبداع ما، ولم يخل أي عصر من هذا النوع من المحاكم، ونعود إلى سنة 1668 مع مسرحية “المتقاضون” لراسين الملهاة الشعرية التي قدمت في ثلاثة فصول ومحورها نقد صريح موجه للقضاء الفرنسي الذي مارس انحرافا ملحوظا في تلك الإبان، في مقدمة المسرحية أشار راسين بأنه كان قد شغف بمسرحية “الزنانبير” لأريستوفان التي يدور موضوعها حول شخصية فيلوكليون المولع بحب المحاكمة إلى درجة الهوس ويعمل مع ابنه بديليكيون جاهداً بمساعدة العبد أكزاتياس على أن يحول بينه وبين نزوته الشديدة فلا يستطيع إلى ذلك سبيلاً وحين تضيق الحيل بالابن يقدم لأبيه الكلب لابيس ليحاكمه بتهمة سرقة قطعة من الجبن، ولم ينج حتى موليير من هذه المحاكمات وقساوتها وإلغائياتها وتدميرها.
في العصر الحديث لزاما أن نذكر ما وقع لعلي عبد الرزاق في منجزه “الإسلام وأصول الفكر”، إذ حوكم من طرف الأزهر وعزل من منصبه كقاض، وفي نفس المرحلة أواخر العشرينات من القرن 19 كانت محاكمة عميد الأدب العربي طه حسين عن منجزه “في الأدب الجاهلي”.
ومؤخرا في سنة 1988 كانت رجة عالمية عن رواية آيات شيطانية، وهي رواية من تأليف الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي؛ إذ بعد 9 أيام من إصدار هذا الكتاب تلقى دار النشر الذي طبع الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب. حصلت خلال عمليات الاحتجاج هذه حادثتين لفتتا أنظار العالم وهي حادثة حرق أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 يناير 1989 والحادثة الثانية هي صدور فتوى من الخميني في 14 فبراير 1989 بإباحة دم سلمان رشدي وهاتان الحادثتان لفتتا نظر وسائل الإعلام الغربية بشدة.
وهذا ما وقع لحامد أبو زيد، الذي هجًر إلى هولندا وطلقت منه زوجته، ومحاكمات أدبية كبرى وفق نظام الحسبة في القانون المصري والتي مست معظم الفنانين، وبالمغرب لا ننسى “الخبز الحافي” لمحمد شكري، ومسرحيات وأعمال درامية مغربية منذ السبعينات إلى الآن.
ناهيك عن كتب مغربية منعت لكونها سياسية أو إلحادية، كما منعت جرائد ومجلات مغربية في سنوات الرصاص، ولدينا في الفن المغربي تجربة مع مرحلة الرقابة في عهد الاستعمار، حينما كان تضايق النصوص المسرحية ويشطب على بعض الفصول أو المشاهد أو الحوارات وتتابع المسرحية ومن لم يلتزم بحكم الرقابة مصيره السجن.
كل هذا التاريخ ظننا أنه ربما خلقنا قطيعة معه، سيما والمبدع المغربي أصبحت له رقابة ذاتية من كثرة ما مورست عليه رقابات متعددة ومن كثرة ما حاصرته سلسلة من القوانين، ومن خلال الإلزامية الإبداعية المرتبطة بدعم الأعمال الدرامية وشروط ذلك الدعم، لكن بقيت أشياء خفية لم تع حرية الإبداع، وبعث الموضوع من جديد، والذي خلق تماسا بين أهل القانون والفن، نذكر آخر تماس الذي حصل من خلال السلسلة الرمضانية، لرضمان 1442 هـ، عنوانها “قهوة نص نص”، التي تحملت فيها ممثلة مغربية بديعة الصنهاجي شخصية محامية تستغل مقهى كمكتب وهناك تبحث عن القضايا بين الزبائن عن طريق عمال المقهى، ذلك العمل الذي اعتبره محام من الرباط أنه يمس بقداسة المحامي، من تم رفع دعوة قضائية تدخلت فيها عدة أطراف ومنها الهاكا التي ساندة الإبداع، وكان الحكم هو الآخر لصالح الإبداع، وواصل العمل بته، لكن الخلاف بقي بين الجسمين الفني والقانوني، فئة من جراء العمل الدرامي وفئة مسها بلاغ الهاكا الذي كان أحادي الوجهة.
في هذا الإطار تنبه نادي المحامين بالغرب في شخص رئيسه السيد النقيب بالدار البيضاء والنقابة المغربية المهنيي الفنون الدرامية في شخص رئيسه السيد مسعود بوحسين، لهذا الاختلاف المفبرك والذي لن يخدم أي طرف، من تم نظمت مائدة مستديرة يومه الخميس 20 ماي 2021 في الساعة الرابعة بعد الزوال في فضاء له رمزيته نادي المحامين بالبيضاء، حضرته فئة من أهل القانون ومن المحامين وفئة من أهل الفن خصوصا الذين تمحور الخلاف معهم في “مقهى نص نص” المحور العام للمائدة المستديرة استهل بفتح نقاش بين الفاعلين في المجالين لتوضيح وجهة النظر، والمختزلة في الترافع المعتاد في جسم المحامين حول قداسة مجالهم وفي نفس الوقت علاقة هذه القداسة بالحريات عموما وضمنها حرية الإبداع، تم الاستماع إلى ترافع الفنانين حول قداسة حرية الإبداع ارتباطا بقداسة القانون.
غير أن المداخلات التي كانت موجهة وليس حرة في تدخلها، ترافعت وهي تحمل قبعتين، قبعة ذاتية تقدم من خلالها الأدوار المركزية للمجال الذي تمثله وبالتالي وعيها الديبلوماسي بتفهم المجال الآخر وإعلان الاحترام بشروطه وأدبياته ومن خلال المداخلات تبين أن هناك رغبة أكيدة في الحوار وشرح وجهات النظر، وهنا أشير إلى مداخلة أشارت أن الجسم القانوني يعرف محامين يشتغلون في الظلام وفي شروط ضد القانون وعبر التحايل لكون الفاسدين يتواجدون في جل المجالات، ومن جانب الطرف الآخر هناك من اعتبر أن هناك نوع من الفن يهدم أكثر مما يبني وقد أساء لتاريخ الأمم ولأخلاقها، وخلال هذا الدفاع والدفاع المضاد حضر ويحضر الاستثناء لا التعميم وتبين أن هناك لغة تلطيف الجو، تقبض على الإشكال ولا تعمم وتدعو إلى التكامل وخدمة المجالين لبعضهما البعض، كأن يلجأ المبدع إلى القانوني ليسترشد به وأن يلجأ القانوني إلى المبدع ليمرر الثقافة القانونية، وبهذا اتخذت المائدة المستديرة توصيفا وتيمة توافقية ” تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم” وقد أول البلاغيون والنحويون كلمة “سواء” التي تعني الكلمة أي العدل، وحكمت “سواء” بين الفنان والمحامي في جلسة تكاد أن تسمى جلسة صلح وهدنة.
وهذا ما حصل فعلا، إذ في عمق اللقاء المائدة المستديرة التي كانت حاضرة وجاهزة شكلا ولكنها تناظرية عمقا من خلال الجدل وتوزيع الكلمات بين فئتين فئة الحامي وفئة المبدع،إذ استمعنا لوجهات نظر إحداها تضع الإبداع في الرأس والأخرى تضع القانون، وفئة توافقية تضعهما معا في الصفوف الأولى إلى جانب باقي المهن.
وخلاصة اللقاء الذي بقي في أفق الانتظار، كعنوان حاضر في الملصق وغائب في التداول: “حرية الإبداع الفني بين إشكاليات الرقابة والتقنين وهاجس تحرير المبادرات والإبداع”، والتي من الأكيد ستكون موضوع مائدة مستديرة قادمة.

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى