أكد الدكتور مولاي سعيد عفيف أن المواطنين في حاجة إلى حملات تحسيسية لطمأنتهم وتبديد مخاوفهم التي ولّدها فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى إحجام الكثيرين عن التوجه إلى المستشفيات العمومية والمصحات لمتابعة وضعهم الصحي والعلاج من أمراض أخرى، تعتبر أشدّ ضراوة وخطورة، وتحتاج إلى الاهتمام الكبير والرعاية تفاديا للمضاعفات الصحية . وأوضح رئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية، أن الحديث اليوم عن القطاع الصحي يشمل المنظومة بكل مكوناتها دون استثناء أو تمييز أو فصل، بالنظر إلى أن جميع مهنيي الصحة بالقطاع المدني، العام والخاص، وبالقطاع العسكري، مجندون لمواجهة الجائحة الوبائية وللإجابة عن الاحتياجات الصحية للمواطنين من مختلف الأعمار، المرتبطة بأمراض أخرى، التي تواصل حضورها ولا يجب أن يحجب واقعها وحقيقتها فيروس كوفيد 19.
الدكتور عفيف، الذي كان يتحدث بمناسبة تنظيم الجمعية لندوة افتراضية موجهة للعموم مساء الخميس، بشراكة مع وزارة الصحة والجمعية المغربية لطب الأطفال والجمعية المغربية لطب المواليد والجمعية المغربية للطب النفسي للطفل والمهن المساهمة والجمعية المغربية للطب النفسي، حول صحة الأم والطفل والصحة العقلية والنفسية خلال الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، أبرز أن العمل الجبار الذي تم القيام به بتنسيق بين وزارة الصحة والجمعيات المختصة في طب الأطفال، مكّن من رفع معدل تغطية التلقيح من 63 إلى 93 في المئة، إذ تبدّد التخوف الذي كان يرخي بظلاله على الآباء والأمهات في بداية الجائحة الذي كان قد دفعهم إلى تأجيل خطوة التلقيح بالرغم من خطورة أي تأخير فيها، التي قد تتسبب في مضاعفات صحية وخيمة، مشددا على أن التواصل الجاد والمسؤول كفيل برفع كل لبس وغموض ويمكّن من تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة، ومن بينها الحفاظ على صحة الرضع أقل من 18 شهرا، وحتى الذين تتجاوز أعمارهم هذا السن، مؤكدا على أن الحوامل والمصابين بأمراض مزمنة هم أيضا يجب عليهم مراقبة وضعهم الصحي والاهتمام به تفاديا لكل تبعات سلبية غير مرغوب فيها.
من جهتها، أكدت أمينة بركات، رئيسة مصلحة طب وإنعاش المواليد الخدج بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، أنه جرى تسجيل إصابة أربعة مواليد جدد مصابين بفيروس كورونا المستجد، لم تكن تظهر عليهم أية أعراض، وتأكدت إصابتهم بناء على نتائج الاختبارات التي خضعوا لها الذين تعافوا ويوجدون في صحة جيدة. وأوضحت المتحدثة أنه تم استقبال العديد من النساء الحوامل اللواتي يوشكن على الوضع وهنّ في مراحل متقدمة، اللواتي حال الخوف من الإصابة بالعدوى دون توجّهن إلى المستشفى باكرا، مما عرّض صحتهن وصحة أجنّتهن للخطر، مشددة على أنه تم إحداث مسالك ومسارات خاصة بالنساء الحوامل في كل البنيات الصحية، ويتم التمييز بين الحالات المشكوك في إصابتها بالفيروس أو المؤكدة وبين باقي المرضى، تفاديا لانتقال العدوى، مؤكدة أيضا على أن مهنيي الصحة على وعي تام بكيفية التعامل مع كل حالة، وبالتالي فلا يجب أن يبقى الخوف يشكل هاجسا للحوامل اللواتي ينبغي أن يتابعن حملهن بكيفية عادية وطبيعية دون وجل.
وشدّدت بركات على أن حليب الأم ليس بناقل للعدوى في حالة ما إذا كانت مصابة بالفيروس، وبأنه لاتوجد أية دراسة علمية تؤكد خلاف ذلك لحدّ الساعة، وهو ما يشجع على إرضاع الأم لمولودها، مع اتخاذ التدابير الوقائية المتعارف عليها التي أصبحت اليوم اعتيادية، من قبيل التباعد ووضع الكمامة وغسل اليدين والتعقيم وغيرها من الإجراءات الحاجزية، مبرزة أن الرضيع يجب أن يخضع للتلقيح بعد ولادته وفقا للبرنامج الوطني للتمنيع لما يشكله له من حماية في مواجهة الأمراض المختلفة، مؤكدة على أن الرضع والأطفال لا يجب أن يكون ضحايا للكوفيد ولا وجها من أوجهه.
وفي السياق ذاته، أكد رشيد بزاد مدير مستشفى الولادة الليمون على أن علاج الأمهات والمواليد الجدد يعتبر أولوية ولا يجب أن تعترضهم أية صعوبات لتحقيق ذلك، مشددا على أن المؤسسات الصحية والاستشفائية عموما، قد عملت على إعادة تنظيم عملها من أجل تأمين الخدمات الصحية وضمان مواصلة كل البرامج الصحية للحيلولة دون توقفها. وأبرز المتحدث أنه خلال الفترة ما بين 20 مارس و 20 أبريل ومقارنة بنفس الفترة من سنة 2019، وصلت 26 في المئة من النساء الحوامل إلى المستشفى في وضعية متقدمة تهدد وضعهن الصحي ووضع أجنّتهن، وهو معدّل مرتفع مقارنة بالحالات المسجلة سابقا، مؤكدا على ضرورة مغادرة المساء للمنازل من أجل المتابعة الطبية، رغم الحجر الصحي والخوف من العدوى وصعوبات التنقل لان الولوج إلى العلاجات يعتبر أولوية وضرورة قصوى.
بدوره أوضح الطيب حمضي، رئيس نقابة الطب العام في المغرب، أن امرأة من بين 4 حوامل تأتي متأخرة إلى المستشفى أو المصحة من أجل الولادة، خلال فترة الحجر الصحي، وبأن الخوف من فيروس كورونا المستجد حال دون توجّه 50 في المئة من المصابين بجلطات دماغية إلى المؤسسات الصحية، مؤكدا على أنه من غير المنطقي تقبل وضع مماثل، لأن حياة العديد من المواطنين هي على المحكّ، وهم عرضة لمضاعفات صحية وخيمة ومفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها القاتمة. وأبرز حمضي أن الفيروس لا ينتقل بطريقة عمودية من الأم إلى الطفل، في حين أنه يمكن أن ينتقل عن طريق الأيدي والتنفس مما يحتم ضرورة التقيد بالإجراءات الوقائية، مشددا على أنه لحدّ الساعة لم تتأكد إمكانية أن تتعرض الحامل المصابة بالفيروس للإجهاض أو أن تلد قبل الأوان، أو أن يتسبب الكوفيد في تشوّه الجنين، لأنه لا تتوفر معطيات ثابتة في هذا الباب.
وشدّد حمضي على أن نسبة 10 في المئة من حالات الحمل في الوضع الطبيعي تعرف بعض المشاكل، لهذا يجب ضرورة مراقبة الحامل لحملها، ومراجعة الطبيب واستشارته تفاديا لكل الاحتمالات، وأن يتم تلقيحها ضد الأنفلونزا الموسمية لحمايتها وحماية جنينها، مستعرضا التدابير الوقائية التي تم اتخاذها في العيادات وبالمصحات والمؤسسات الصحية لحماية الحوامل من أي احتمال لإمكانية انتقال العدوى.
وارتباطا بنفس الموضوع، أكد الدكتور سعد أكومي، الرئيس المؤسس للتجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين بالقطاع الخاص، أن المرأة الحامل بشكل عام تعاني من نقص في المناعة مما يمكن أن يعرضها لأمراض مختلفة مقارنة بنساء أخريات، وهو ما يقع في الأنفلونزا وفي غيرها، لهذا يوصى بتلقيحها وتتم متابعة وضعها الصحي حماية لها ولجنينها، مشددا على أن المرأة الحامل يجب أن تتابع حملها بصفة منتظمة وفقا للمواعيد المسطّرة، أو كلما كان هناك أي مستجد، وأن تزور الطبيب من أجل الكشف السريري أو الفحص بالصدى، مع اتخاذ كل السبل الوقائية الموصى بها، ومن بينها ألا تكون مرافقة بأكثر من شخص، وأن تضع الكمامة الواقية، وأن يكون موعد عيادة الطبيب متفق بشأنه سلفا، ضمانا للتباعد بين زيارات الحوامل، للحيلولة دون أي اتصال إذا أمكن، لتعزيز وسائل الحماية الفردية والجماعية من الفيروس وعدواه.
وأشار أكومي، أن هناك دراسة أمريكية تتحدث عن بعض المضاعفات التي قد تحدث كالوضع قبل الأوان، والإجهاض أو وفاة الجنين، بسبب إصابة الأم بفيروس كوفيد 19، إلا أنها تبقى دراسة غير موسعة وتفتقد للتدقيق، مشددا على أنه لا يجب أن يكون هناك أي تخوف من أية مضاعفات، وأن تحرص الحامل على متابعة حملها.
وفي موضوع آخر، أكدت رجاء الصبيحي، الرئيسة المؤسسة للجمعية المغربية للطب النفسي عند الأطفال، أنه لا صحة بدون صحة نفسية، وممارسة سيكولوجية جيدة واندماج فعلي في المجتمع، مشيرة إلى أن الحجر الصحي أثر على الأطفال، إذ لا يتم إعارة هذه الفئة الانتباه الكافي ويتم تهميشها، وهي عرضة للعنف سواء المباشر أو غير المباشر، باعتبارها شاهدة على وقائعه بين الأزواج مثلا، مبرزة أن الأطفال بشكل عام يكونون عرضة للعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو للتهميش والإقصاء والحرمان، حيث أوضحت دراسة سابقة لليونيسيف على أن المغرب احتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي شملتها دراسة حول ما يسمى بالعنف “التربوي”، وتأكدت معاناة 90 في المئة من الأطفال الذين شملتهم الدراسة من هذا النوع من العنف الذي يتم التسامح معه والتطبيع معه، علما بأنه قد يتسبب في أحداث درامية وفي شرخ في حياة الطفل، مضيفة أن دراسة أخرى أكدت أن طفلا من بين 6 يتعرضون لاعتداء جنسي في الوسط الأسري الذي يجب أن يكون مبعثا على الاطمئنان والأمان، مما يفقدهم الثقة في أنفسهم وفي الإنسانية ككل.
وأوضحت الصبيحي، أن الطفل بات جنبا إلى جنب مع المعتدي بسبب الحجر الصحي، مشيرة إلى أن أكثر من 7 في المئة من الأسر التي شملتها دراسة حول تأثيرات وضعية الطوارئ الصحية، أكدت أنها تعاني من القلق، وهو ما قد يترجم إلى عنف مادي أو معنوي على الأطفال، مبرزة أنه في العالم بأسره ارتفعت نسب القلق وتبعاته عند الأسر بفعل الجائحة، إذ ازداد في فرنسا بنسبة 30 في المئة وفي أوروبا بشكل عام ما بين 20 و 25 في المئة، مبرزة أن العنف على الأطفال له تعبات على حياتهم وعلى صحتهم الجسدية والسلوك والنتائج الدراسية وعلى كرامتهم وحياتهم وتقديرهم للذات، مؤكدة أنه بعد رفع الحجر الصحي سترتفع طلبات الفحص بسبب ارتفاع التداعيات والاضطرابات النفسية، وهو ما يتطلب الدعم النفسي للآباء والأمهات في هذه الظرفية لتجاوزها بأقل الخسائر.
من جهتها، وقفت سريا الدغمي، الكاتبة العامة للجمعية المغربية للطب النفسي عند الأطفال، عند تبعات الحجر الصحي عند المصابين بالتوحد والذين يعانون من فرط الحركة، مبرزة أن إغلاق المؤسسات التعليمية والجمعيات والفضاءات الخاصة بهذه الفئة، ساهم في رفع منسوب الضغط والقلق عليها وعلى الأسر داخل المنازل، بفعل ابتعاد هؤلاء الأطفال عن الأصدقاء والأجواء التي ألقوها والتي تخفف من الضغط عليهم، مؤكدة إشارة عدد من الدراسات إلى هذه التداعيات المختلفة النفسية، والتسبب في الأرق وفقدان الشهية ومستوى النظافة الشخصية، إلى جانب الإحساس بآلام عضوية وصداع في الرأس وتبعات صحية أخرى، تتفاوت باختلاف الفئات العمرية من الصغار إلى المراهقين.
واستعرضت الاختصاصية في الطب النفسي عند الأطفال، جملة من الخطوات والتوصيات التي يجب التقيد بها لتدبير القلق عند هذه الفئة خلال فترة الجائحة الوبائية، والحرص على التواصل وأمين روتين مضبوط وواضح، والحفاظ على الروابط ولو عن بعد، وتدبير الخصوصيات المرتبطة بالزمان والمكان، مع توضيح طبيعة الوباء وأعراضه وكيفية الوقاية منه، واستثمار الألعاب البيداغوجية واعتماد التسجيلات والصور وغيرها من أجل التبسيط والشرح والاستيعاب.
وعرف هذا اللقاء كذلك تقديم نورالدين ملموز، رئيس مصلحة صحة الأم والطفل بمديرية السكان بوزارة الصحة، لمداخلة حول التكفل بالحمل والولادة في المؤسسات الصحية، بيّن من خلالها الأهمية التي توليها وزارة الصحة في استراتيجياتها لصحة الأم والطفل، مستعرضا عددا من المعطيات الرقمية التي توضح تراجع الوفيات في صفوفهما، مؤكدا أهمية متابعة جيدة للحمل من أجل ولادة جيدة، وبأن وزارة الصحة تؤمن استمرارية الخدمات الصحية بشكل آمن من خلال اتخاذ التدابير الوقائية لحماية الحوامل في كل المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، للحدّ من انتشار العدوى وتأمين الولادة في فضاء صحي آمن، مع ضمان مواصلة البرامج الصحية. ووقف المتحدث عند الخطوات التحسيسية والتواصلية التي سطرتها الوزارة، مشيرا إلى أنها بصدد إعداد كبسولات للتوعية بأهمية صحة الأم والطفل، إلى جانب تكوين المهنيين، مشددا على أن كل الخدمات الصحية للحوامل والأمهات والمواليد الجدد والأطفال متوفرة في الوسط الحضري والوسط القروي على حدّ سواء، بتنسيق مع المصالح المختصة المختلفة لتمكين هذه الفئات من الخدمات الصحية الضرورية، مع تعبئة الموارد البشرية وتوفير المخزون الكافي من الأدوية واللقاحات، وتأمين الفحوصات قبل الولادة، واتخاذ التدابير اللازمة للولادة، طبيعيا أو قيصريا، حسب كل حالة، وجاهزية المستعجلات في كل المؤسسات الصحية وفقا للبروتوكول المسطر وتخصيص مسار خاص بالحوامل.
وفي نفس السياق، استعرضت لطيفة بلكحل، رئيسة مصلحة الأمراض غير المعدية بمديرية الأوبئة بوزارة الصحة، التدابير التي اتخذتها الوزارة لدعم الصحة العقلية وتوفير الدعم النفسي للمواطنين والمواطنات في سياق الجائحة الوبائية لكوفيد 19، مشيرة إلى جملة الخطوات الإجرائية التي تم القيام بها في هذا الصدد بعدد من المدن المغربية، مستدلة بنماذج وأمثلة في هذا الباب، مشددة على حرص الوزارة على إيلاء هذا الجانب أهمية بالغة. وأكدت المتحدثة على أن أبواب مؤسسات وزارة الصحة مفتوحة في وجه كل المواطنين ولم تغلق يوما، وبأن البرامج المعمول بها متواصلة، والمسارات الخاصة بالحالات المشكوك فيها واضحة، وبالتالي فليس هناك ما يدعو للتخوف أو القلق، ويب على المواطنين عرض أنفسهم على المختصين عند أي طارئ صحي