
عشية الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان والذكرى الـ76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أجمع فاعلون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون على ضرورة مراجعة النهج القانوني الذي يُعاقب به الصحافيون في المغرب. وأكد هؤلاء، خلال ندوة “أسئلة حرية التعبير في مغرب اليوم”، التي نظمها فضاء أطر الرباط بحزب التقدم والاشتراكية، أهمية “القطع مع متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر” ومراجعة آليات الدعم العمومي للمقاولات الصحافية، بحيث يتم توجيه هذا الدعم مباشرة لتطوير المقاولات بدلاً من أداء أجور الصحافيين، بما يعزز التعددية وحرية التعبير.
شدد المشاركون في الندوة على أن الصحافي، وإن لم يكن معصوماً عن الخطأ، فإن محاسبته يجب أن تتم وفق قانون الصحافة والنشر لا القانون الجنائي، انسجاماً مع التوجه الدولي الداعي إلى إلغاء العقوبات السجنية في قضايا النشر. كما اقترحوا توجيه الدعم العمومي لتقوية المقاولات الإعلامية ومنحها قروضاً بدون فوائد، بدلاً من أداء أجور الصحافيين بشكل مباشر من طرف الحكومة.
رؤية إصلاحية شاملة
استعرض كريم التاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ملامح الإصلاح الإعلامي في المغرب الذي انطلق مع بداية الألفية الجديدة، معتمداً على ثلاثة أبعاد رئيسية. أولاً، تعزيز المقاولات الصحافية عبر الدعم العمومي الذي أسس لتطوير الصحافة المكتوبة والإلكترونية، مع معايير موضوعية تشمل عدد الصحافيين وعدد النسخ المطبوعة. ثانياً، ضمان استفادة الصحافيين من الدعم العمومي لتحسين أوضاعهم المهنية، من خلال الاتفاقيات الجماعية التي أبرمت لهذا الغرض. ثالثاً، تبني الإطار القانوني الذي يحمي حرية الصحافة، مثل قانون حرية الصحافة والنشر لعام 2016، وتنظيم المهنة ذاتياً من خلال المجلس الوطني للصحافة.
غير أن التاج أشار إلى أن هذا المشروع الطموح يواجه تراجعاً، حيث أصبح بعض الصحافيين يُتابعون بالقانون الجنائي، وهو ما يعيد إنتاج أزمات قديمة تجاوزها المغرب سابقاً.
القانون الجنائي والدعم العمومي
في السياق ذاته، اعتبر المحامي محمد اشماعو، نائب رئيس جمعية عدالة، أن متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي تكشف عن عقلية عقابية تجاه حرية التعبير. وأكد أن القضاء غالباً لا يجد بديلاً عن إصدار أحكام زجرية عندما تُحاكم قضايا النشر ضمن القانون الجنائي. وأشار إلى أن هذا التوجه يتناقض مع الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي تسمو على القوانين الوطنية.
وأضاف اشماعو أن من الضروري أن يخرج الدعم العمومي من يد السلطة التنفيذية ليُشرف عليه جهاز مستقل، مثل المؤسسة الملكية، بهدف توجيهه لتقوية المقاولات الإعلامية ومنحها قروضاً بدون فوائد، بما يعزز التعددية الإعلامية وحرية التعبير.
من جانبه، أشار محمد السكتاوي، الكاتب العام لفرع منظمة العفو الدولية بالمغرب، إلى أن قانون الصحافة والنشر لعام 2016 يعاني من اختلالات جوهرية، أبرزها الغموض في تعريف الحدود بين حرية التعبير والمخالفات القانونية، واستمرار إحالة الصحافيين إلى القانون الجنائي في قضايا مثل التشهير ونشر الأخبار الزائفة، ما يتناقض مع الاتجاه الدولي لإلغاء العقوبات السجنية في قضايا النشر.
كما لفت السكتاوي إلى العراقيل التي تواجه الصحافيين في الوصول إلى المعلومة رغم وجود قانون يضمن ذلك، مشيراً إلى أن تطبيق هذا القانون يعاني من ضعف الالتزام الإداري، مما يعيق الصحافيين عن أداء دورهم الرقابي.
دعوات للتغيير
في ختام الندوة، شدد المتدخلون على أهمية إصلاح القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر، وتعزيز استقلالية الإعلام، وضمان حرية التعبير بما ينسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب. ودعوا إلى مراجعة الدعم العمومي الموجه للصحافة لضمان تأثيره الإيجابي على تطوير القطاع ودعم التعددية الإعلامية.