
منبر 24 – محمد ابراهيمي
يعيش المواطن المغربي ومنذ مدة ـ ليست بالقصيرة ـ على وقع ارتفاع متواصل في الأسعار، باتت معه القدرة الشرائية تتآكل أمام موجات غلاء لا تتوقف تشمل مختلف المواد الغذائية، المحروقات، وحتى الخدمات الأساسية، وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية، يطرح تساؤل ملح: هل تأقلم المغاربة مع هذا الواقع أم أنهم استسلموا له؟
بحسب تقارير رسمية، شهدت الأسواق المغربية ولازالت ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، حيث زادت أسعار بعض المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 30% خلال الأشهر الماضية، ويعزو الخبراء هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها تداعيات الأزمات العالمية كالحرب الروسية الأوكرانية، ارتفاع تكاليف النقل، وتأثيرات التغيرات المناخية على الإنتاج الفلاحي
( جفاف للسنة السابعة تواليا)، فقد أضحى المواطن المغربي كلما دخل السوق إلا و يفاجأ بأسعار جديدة، مما يفقده القدرة على شراء بعض المنتجات كما كان يفعل سابقًا، وبالتالي يصبح مضطرًا لتغيير عاداته الاستهلاكية.
ومع استمرار موجة الغلاء، بدأ المغاربة في البحث عن حلول فردية تخفف عنهم عبء هذا البلاء، حيث بات الكثيرون يتجهون إلى الأسواق الشعبية بدل المتاجر الكبرى، ويقللون من استهلاك اللحوم والأسماك والنقل…، بينما تعتمد الأسر على تقنين المصاريف والبحث عن مصادر دخل إضافية، وفي هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي د. نجيب أقصبي في الكثير من تحليلاته إلى أن المجتمع المغربي مضطر للتأقلم مع الأسعار المرتفعة أمام غياب حلول حكومية ناجعة لضبط الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
لكن في المقابل، هناك من يرى أن المغاربة لا يتأقلمون بقدر ما يستسلمون للوضع القائم، حيث أن الغلاء أحكم قبضته على مختلف المواد الأساسية حتى صار معطى بنيويا خاصة في ظل غياب احتجاجات واسعة و مؤثرة، أو تحركات منظمة و مستدامة للمطالبة بتدخل حكومي فعال، و بالرغم من وجود بعض الحملات الرقمية للمقاطعة ظهرت بين الحين والآخر، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة، بل على العكس فالنتيجة الأوضح هي استسلام و تطبيع المستهلك المغربي مع ارتفاع الأسعار، فالناس يشتكون، لكنهم في النهاية يشترون، لا أحد يستطيع العيش دون الحاجيات الأساسية.
أمام هذا الوضع، يرى مراقبون أن الحل لا يكمن فقط في انتظار تدخلات الدولة التي لم تستطع تحقيق أهدافها بسبب سيادة الريع و الفساد و تضخم القطاع غير المهيكل وتعدد المتدخلين و الوسطاء (الشناقة)، بل في تعزيز ثقافة الاستهلاك الذكي بغاية جعل الأفراد يتخذون قرارات مدروسة عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على السلع والخدمات، الهدف منها هو التحكم في النفقات بذكاء، مع الحفاظ على نوعية الحياة، والحد من الإفراط في الاستهلاك الذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور مالي و بالتالي الدخول في ما يسمى “ضنك العيش”.
وقد كان من اللافت للانتباه أن تخرج الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة في الآونة الأخيرة، بتصريحات تدعو فيها إلى مواجهة غلاء الأسعار، وتعليق هذا الغلاء في المواد الأساسية على شماعة “المضاربين” أو ما يصطلح عليه في الدارجة المغربية ” الشناقة ” مما يشير إلى عجز حكومي واضح في مواجهة غول الغلاء، تصريحات بدت فيها الحكومة و كأنها ارتدت ثوب المعارضة و نسيت أنها هي المسؤولة المباشرة عن التصدي لهذه الأزمة و إيجاد الحلول الناجعة لها.
وفي انتظار تحسن الأوضاع، يبقى المواطن المغربي في رحلة بحث دائمة عن التوازن بين التأقلم مع الواقع المرير ومحاولة تغييره، فبالرغم من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، لابد أن يبقى الأمل حاضرًا في قدرة الأفراد والمجتمع ككل على تجاوز المحن المختلفة، سواء عبر الإبداع في إيجاد حلول بديلة أو من خلال الدفع بكل الوسائل السلمية المتاحة نحو إصلاحات حقيقية ومستدامة.