عالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه آجمعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد، فقد يتساءل البعض عن سبب عنونة هذا المقال بفقه الوباء، وهل للوباء فقه كما للصلاة والزكاة والحج، فإذا كان لهذه العبادات فقه وفهم وشروط وقواعد وضوابط حتى تؤدى صحيحة، وليس للمسلم إلا أن يدركها بقصد تصحيح عبادته ودفع البطلان عنها، فإن للوباء هو الآخر فقها يجهله كثير من الناس.
والمقصود بفقه الوباء، ما الواجب على المسلم معرفته والقيام به حين تجتاحه جائحة من الجوائح كالأوبئة والطواعين، فربنا سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يترك المومن عبثا لا يدري ما يفعل، وإنما علمنا كل شيء نحتاجه في زمن الرخاء والشدة ضمن قواعد كلية ترك للمسلم حق الاجتهاد فيها، واستخراج أحكامها، وبلوغ غاياتها ومقاصدها، لقوله تعالى: ” مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ” الأنعام 38، ولقول سلمان رضي الله تعالى عنه موضحا ومبينا للأمة أن رسول الله لم يدع شاردة ولا واردة إلا علّم أصحابه والأمة من بعدهم علما منها، فقال رضي الله عنه حين قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به: ((إني لأرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة، قال سلمان: أجل! أمرنا أن لا نستقبل القبلة ولا نستنجي بأيماننا ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم)).
فانظر أيها القارئ الكريم، حتى دخول الخلاء فيه فقه وفيه آداب يجب أن يعلمها المومن ويعمل بها توخيا لصلاح نفسه وبدنه أولا، ثم لصلاح دينه وآخرته ثانيا، فكيف إذا كان الأمر جللا، يتعلق بالطاعون والأوبئة التي تعم البلاد، وتأخذ العباد، فهي أولى بالفهم والفقه وأخذ الدروس والعبر من التوجيهات النبوية باعتبارها تشريعا يجب الأخذ بها وامتثالها والعمل بها.
وما يزيد الأمر تأكيدا على ضرورة الفقه في هذه النازلة –وباء كورونا- أن أئمة الحديث ضمنوا مصنفاتهم هذه القضية.
وسأتطرق في هذا المقال إلى استنباط فقه الوباء من كتب الحديث وغيرها مبتدئا بما جاء في صحيح البخاري، ومثنيا بما جاء عند غيره من المحدثين والفقهاء وغيرهم.
أولا: أحاديث البخاري وهي متفرقة في كتبه، فمن كتاب الطب:
باب ما يذكر في الطاعون –الوباء- وفيه من الفقه:
– أن الوباء لا يستثني المؤمن من غير المؤمن، ولا البلاد الإسلامية من غيرها فإذا نزل فإنه يعم.
– أنه إذا نزل فلا بد من استشارة أهل الحل والعقد من العلماء والمتخصصين والولاة والأمراء وأولي الخبرة والفهم، للنظر في أمره وكيفية التعامل معه.
– أن ولي الأمر يأخذ من الاحتياطات والتدابير ما يراه مناسبا قصد الحفاظ على حياة الرعية.
– أن الوباء من قدر الله تعالى، وأنه لا ينفع حذر من قدر فإذا قضى الله أمرا كان.
– أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته منه وأمرهم بعدم الاختلاط بمن أصيبوا به، أو مخالطة من لم يصب به.
– أن ترك مجالسة أهل هذا الوباء لا تعد فرارا من قدر الله، كما لا تعد تقززا من الناس وتشفيا من حالهم، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، وليس فيه أدنى تطير، لأن العدوى لا تكون إلا بإذن الله.
– أن الطاعون لا يدخل المدينة المنورة كما لا يدخلها الدجال، وأنها محروسة بالأملاك.
– أن حكم من أصابه هذا البلاء فمات به، فله أجر شهيد.
باب أجر الصابر في الطاعون
– أن الوباء حينما يحل فهو بين أمرين إما أن يكون عذابا يعذب الله به أقواما، أو رحمة يرحم به عباده.
ومن كتاب الدعوات باب الدعاء برفع الوباء والوجع:
– أن المسلم متعبد بدعاء الله تعالى برفع الوباء لدعائه عليه السلام أن يرفع وباء الحمى عن المدينة حينما هاجر إليها إلى الجحفة.
ثانيا: أحاديث مسلم وجاءت متفرقة في صحيحه وفيها من الفقه
فمن كتاب السلام: باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها
– أن الوباء رجز والرجز كما في معاجم اللغة تطلق على معان متعددة منها: الذَّنْب، أي أن هذا الوباء لم يحل إلا بسبب تعاظم ذنوب بني آدم.
ومنها العذابُ بيانا لقهر الله لعباده وأن الناس مقهورون لا قاهرون مهما علوا وطغوا وتجبروا، لقوله تعالى:” لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ”،
– أن أي وباء يظهر فإنما هو بقية من بقايا عذاب عذب به أقوام سابقون، وليس كل العذاب، مما يدل على أن الوباء وإن حل لا يكون مبيدا للأقوام والشعوب وإنما يأخذ البعض دون الآخر.
– أن الوباء مرض الكثير من الناس في جهة من الأرض دون سائر الجهات، ويكون مخالفا للمعتاد من الأمراض في الكثرة وغيرها، ويكون مرضهم نوعا واحدا بخلاف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة.
باب لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح
– أن العدوى لا تكون بسبب الوباء ومخالطة أهله، وإنما تكون بأمر من الله إذا قدر انتقال المرض إلى الصحيح، وأن الإنسان قد يحمل هذا الداء وهذا الوباء لكن لا تظهر عليه أية أعراض، بل يبقى صحيحا سليما معافى.
– أن الموت منه بأمر الله تعالى، وليس كل من أصيب به سيموت، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
ثالثا: أحاديث الإمام مالك في الموطأ وما فيها من الفقه
باب فَضْلُ صَلاَةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلاَةِ الْقَاعِدِ:
– أن الصلاة لا تسقط على المكلفين زمن الأوبئة والطواعين، بل إن المسلم يرخص له فيها بالقعود، فإن لم يستطع فبالاضطجاع، فإن لم يستطع فبالإيماء، وأن أجر صلاة القاعد تعدل نصف أجر صلاة القائم.
باب مَا جَاءَ فِي الطَّاعُونِ
– أن من الأماكن ما لا يدخلها الوباء لصحة هوائها، وقلة الأمراض فيها.
رابعا: أحاديث النسائي في سننه الكبرى وفيها من الفقه
كتاب الطب، باب الدعاء بنقل الوباء
– أن القيام بشؤون المرضى واجب على الصحيح، تسلية للمريض وتقوية لجانبه النفسي، ودفعا لمزيد انتشار المرض بتقديم الإسعافات والعلاجات الضرورية.
– جواز اشتكاء المريض للصحيح حاله، والتفاؤل بحياة رغيدة بعد زوال الوباء.
باب الخروج من الأرض التي لا تلائمه
– أن ولي الأمر مأمور بالتكفل باحتياجات الموبوئين من علاج ونفقة وأكل وشرب.
– أن المصاب بالوباء، يجب عليه الصبر واحتساب الثواب عند الله، وأنه كفارة للذنوب ورفعة للدرجة.
– أن المكوث في البيوت وعدم الخروج منها أسلم للمصابين ولغيرهم.
باب في المرأة ترقي الرجل
– أن المرأة تداوي الرجل وتقوم على علاجه إن كان مصابا، ولم يوجد من الرجال من يقوم بذلك
خامسا: أحاديث البيهقي في سننه الكبرى وما فيها من الفقه
باب ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه من الأمراض والأوجاع والأحزان لما فيها من الكفارات والدرجات
– أن كل وباء يصيب الإنسان فيمرض به إلا كان له كفارة يحط عنه الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها.
– أن الوباء بلاء يرحم الله به المومنين ويضاعف له بهم أجورهم، وأن البلايا لا تبرح على العبد حتى تدعه يمشي على الأرض ليس عليه خطيئة.
– أن الوباء بلاء يصيب الإنسان في نفسه وماله وولده.
– أن مَثَل المومن حينما يصاب بالوباء كَمِثل حديدة تدخل النار يَذهبُ خبثُها ويبقى طيبُها.
– أن الوباء بلاء من الله للعباد إذا سبقت لهم منه منزلةٌ لم ينالوها بعملهم ابتلاهم في أجسادهم وأموالهم وأولادهم.
– أن أعمال العباد زمن الوباء، تكتب كما لو كانوا زمن الصحة لا ينقص منها شيء.
– أن أهل الوباء والبلاء، يحسدهم أهل العافية غدا يوم القيامة مما يروا من عظيم أجورهم.
باب المريض لا يسب الحمى، ولا يتمنى الموت لضر نزل به، وليصبر، وليحتسب
– أن الموبوء لا يجوز له سب الوباء أو لعنه أو الدعاء عليه، كقوله لا بارك الله فيه، لأنه من قدر الله.
– أن المريض بالوباء لا يجوز له تمني الموت من جراء ما أصيب به منه، وأن المؤمن لا يزيده طول عمره إلا خيرا.
– أن يترفق المريض بالوباء في الدعاء على نفسه بالموت بقوله اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
باب المريض يحسن ظنه بالله عز وجل ويرجو رحمته
– أن يحسن المريض زمن الوباء ظنه بالله، لأنه – أي الوباء- مظنة الموت، وأن يكون فرحا للقاء الله عز وجل.
– أن المؤمن إذا قبض زمن الوباء فهو يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، وأن الفاجر إذا قبض يستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب.
– أن الوباء لا خوف من العدوى منه على الوجه الذي كانوا في الجاهلية يعتقدونه من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى.
باب إباحة الرقية بكتاب الله عز وجل وبما يعرف من ذكر الله
– أن الرقية والتداوي من الوباء والمرض إذا حل بالإنسان جائز، بل مأمور به شرعا، وفيه نفع المؤمن أخاه.
– أن الرقى والتداوي من الأسباب التي يدفع الله بها الوباء والمرض، وأنها من قدر الله.
– أن طلب الدواء والشفاء من الوباء من غير المسلم لا بأس به لفعل الصحابة ذلك، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فقد كانت عائشة رضي الله عنها تداويها يهودية، وكان عبد الله بن مسعود يختلف إلى يهودي فيداويه.
– أفضل الرقى بقصد الاستشفاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( اللهم رب الناس، أذهب البأس, اشف أنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يغادر سقما )).
– أنه لا بأس بالتداوي والاستشفاء بالرقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى.
سادسا: أحاديث متفرقة من كتب ومصنفات شتى وما فيها من الفقه.
ففي المستدرك على الصحيحين للحاكم:
– أن المؤمن زمن الوباء وجب عليه تجديد التوبة إلى الله، والرجوع إليه، فإن العبد لا يلقى الله تائبا من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له.
– أن المسلم يسارع إلى رد المظالم، وطلب العفو ممن ظلمهم واعتدى على حقوقهم حتى لا يكثر خصومه يوم القيامة، ويتأكد ذلك زمن الوباء.
– أن المؤمن ينبغي له أن يكون عفوا عمن ظلمه، مسامحا لمن أساء إليه.
– أن يكثر العبد من الذكر، والتسبيح والتهليل، والاستغفار.
– أن الموت جراء الوباء، هو دعوةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمةً بهذه الأمة بقوله: (( اللَّهمَّ اجعَلْ فَناءَ أمَّتي قتلًا في سبيلِك بالطَّعنِ والطَّاعونِ)). وقد يستريب آحاد الناس فيقول كيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بالوباء والطاعون وهو الرحمة المهداة، وتوجيه الأمر أن دعاء النبي ليس من أجل هَلَكَة أمته، بل مقصوده أن لا يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، وأن الآفات السماوية النازلة من الله كافية في الإفناء مع دوام العز للمسلمين، فليس الوباء والطاعون مقصودان لذاتهما لا بالقصد الأول ولا بالقصد الثاني، بل المقصود دوام العز ورد الذين كفروا بغيظهم، وتطهير المؤمنين من دماء إخوانهم. كما أنه لا يستلزم دعاؤه عليه السلام أمته بالطعن والطاعون منْعَه من طلب الله الدعاءَ لرفعه والاستعاذة بالله من شروره كما في دعائه عليه السلام: (( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجذام وسيء الأسقام)).
وفي كتاب مساوئ الأخلاق ومذمومها للخرائطي
– أن سبب الوباء فشو الزنا، لقوله عليه السلام: (( خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)).
وفي شرح أصول السنة للالكائي:
– أن من التكذيب بالله ورسوله الفرار من أرض الوباء.
وفي مستخرج أبي عوانة
– أن العبد زمن الوباء عليه أن يكثر من الفأل والتفاؤل والكلام الطيب الذي يبعث في النفس النظرة الايجابية المبشرة، ويدع اليأس والقنوط من رحمة الله فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.
وفي مصنف أبي شيبة
– أن من أصابته جراح زمن الأوبئة والطواعين فإنه يكتفي بالمسح دون غسل العضو، إذا كان قادرا على الوضوء، وإلا فإنه يكتفى بالتيمم للصلاة.
– وأن صلاة الجنازة تسوى فيها رؤوس الرجال والنساء، ويكون صفان بين الإمام والقبلة ويُجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة.
وفي شعب الإيمان للبيهقي
– يستحسن للحي الدعاء للأموات من الوباء بقول : آنس الله وحشتكم و رحم الله غربتكم و تجاوز الله عن سيئاتكم و قَبِل الله حسناتكم.
– وأن الحاكم المسلم إذا أمر بأمر مباح يصير ذلك الأمر واجباً ، شريطة أن يكون في هذا الأمر مصلحة.
وفي كتب متفرقة من شروح الحديث والعقيدة وغيرها
– يشرع زمن الوباء كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بقصد رفْعِه، لقوله عليه السلام لأبي بن كعب حينما قال له: أجعل لك صلاتي كلها، فقال : إذا تُكفى همك ويُغفر ذنبك. وقوله للرجل الذي جعل صلاته كلها على النبي صلى الله عليه وسلم: إذا يكفيك الله ما همك من أمر دنياك وآخرتك. وهل هناك من همٍّ يَقُضّ مضجع الناس من الوباء زمن الوباء.
– ويشرع للمسلم زمن الوباء التصدق والإنفاق قصد التداوي لقوله عليه السلام : “داوو مرضاكم بالصدقة”، كما يشرع فيه الإكثار من الصلوات لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يشغله أمر ويَحْزُبه، كان يفزع إلى الصلاة.
– ويندب للعبد كثرة تلاوة القرآن استجلابا للشفاء والرحمة لقوله تعالى: ” وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين”.
– من أَعظمِ علاجات الوباء فعل الخيرِ والإِحسان، والذّكـر، والدعاء، والتَّـضَرُّع، والابتهال إلى الله، والتَّوبة، ولهذه الأمور تأثير في دَفْعِ العِلَل، وحُصُول الشّفاء أعظم من الأدوية الطّبيعية، ولكن بحسب استعدادِ النَّـفس، وقـبُولها، وعقيدتها في ذلك ونفعه.
– الشعور بالتفريط في حق الله تعالى واتهام النفس ولومها .
– فتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله تعالى، وتقوية صلة العبد بربه، وزيادة القرب منه.
– تذكر أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بالآمهم.
– قوة الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأنه لاينفع ولا يضر الا الله .
– تذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
– الاستسلام والخضوع لله الواحد القهار الذي يقهر عباده بأخس مخلوقاته.
– أن السخط بالقضاء حرام إجماعاً والرّضا بالقضاء واجب إجماعاً.
– أن التألم من المرض بمقتضى الطبيعة البشرية ليس فيه أي عدم رضا بالقضاء بل عدم رضا بالمقضيّ، والمُسلم لم يؤمر بأن تطيب له البلايا والرزايا ومؤلمات الحوادث، ولم ترد الشريعة بتكليف أحد بما ليس في طبعه.
– أن الله ذم الله قوماً لا يتألمون ولا يجدون للبأساء وقعا بقوله: “وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ”.
– أن من لم يستكن ولم يذل للمؤلمات ويظهر الجزع منها، ويسأل ربه إقالة العثرة منها فهو جبار عنيد بعيد عن طرق الخير.
– أن العبد إذا علم أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة فَحَرِيٌ به أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك.
– أن يشهد العبد في الوباء مقام المنة، فيعلم أنه وإن أُعسر شهراً فقد أيسر دهراً، وإن مارس الشدة أياماً، فقد لابس النعمة أعواماً، على ثقة منه أن ساعة الضراء تزول، كما أن مدة السراء قد تحول، وكما لم تثبت نوبة المنحة، فلن تلبث نوبة المحنة، فما أعظم طمأنينة قلبِ من كان هذه حاله، وهنيئاً له الفوز بالدرجات العلى يوم القيامة.
وختاما، اللهم إنا نسألك توبة صادقة، وأوبة خالصة، ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اكشف عنا العذاب إنا موقنون، سبحانك لا إله إلا أنت ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، سبحانك لا إله إلا أنت إنا كنا من الظالمين، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين.
اعلان
اعلان
اعلان