اعلان
اعلان
مقالات الرأي

في مقاربات التصويت الانتخابي

اعلان
اعلان

مصطفى ايت همو – باحث في الفلسفة السياسية

نعرض في هذه المقال المقاربات المتعددة التي يتخذها الناخب المغربي تجاه فعل التصويت الانتخابي، وذلك باستعمال مصطلحات خاصة لكل مقاربة/فئة. فما هي هذه الفئات؟ وكيف تتعامل مع التصويت الانتخابي السياسي؟

اعلان

أولا؛ المُتَسَلِّبون: الذين يتخذون موقفا سلبيا من العملية الانتخابية، ويقاطعون الانتخابات ويرفضون المشاركة السياسية فيها، وذلك لأسباب متعددة؛ منها: اعتبارهم الانتخابات مجرد مسرحية هزلية لتغطية الاستبداد السياسي الفعلي، واعتبارهم الأحزاب السياسية مجرد كراكيز في يد النظام السياسي يستعملها كيف شاء ومتى شاء، واعتبارهم نتائج الانتخابات لا أثر لها في تنمية البلاد والعباد ما دام التسيير الحقيقي في يد طبقة سياسية تملك النفوذ السياسي والاقتصادي في الدولة، كما أن موقفهم السلبي مبني على استقرائهم للتاريخ السياسي الانتخابي، حيث أثبتت لهم التجربة

السياسية أن الوعود الاجتماعية في التنمية يكون مصيرها السراب بعد الانتخابات ولا يتحقق منها إلا النزر القليل.

ثانيا: المُتَكَلِّبون: الذين يقتاتون من الانتخابات، ويدلون بأصواتهم بمقابل مادي قليل أو كثير، وهم مستعدون للتصويت لمن يدفع أكثر، ولا يكترثون للبرنامج السياسي للحزب، ولا يُقَيِّمون قدرة المرشحين العلمية والأخلاقية، بل يحصلون على ما تيسر من الأموال ويدلون بصوتهم، وهؤلاء لا يمكن أن يوصفوا إلا بالكلبيين، ذلك أن جوعهم وتعطشهم للأموال يجعلهم يتبعون، دون أدنى تفكير، من يستطيع إطعامهم وإمدادهم بدريهمات لا تغني ولا تسمن من جوع.

اعلان

ثالثا: المُتَصَلِّبُون: الذين لا يمكن زعزعة معتقدهم السياسي، ويصرون على التصويت في كل مرة وحين على حزبهم المعصوم، باعتباره الحزب الناجي الذي بيده مفاتح التغيير، وهم لا يتصورون وجود حياة سياسية بدون وجود حزبهم السياسي، ولذلك فمنذ أن وعوا بالفعل الانتخابي تجدهم يصوتون على نفس الحزب،

رغم تغير الأشخاص، بل وتغير المبادئ والقيم.
والمفارقة هي أن أغلبية هذه الفئة يمارسون الفعل السياسي من داخل العمل الحزبي- و المفترض أن يتصف كل سياسي أو سياسية بالانفتاح والمرونة الفكرية ومحاربة التصلب والتحجر الدوغمائي، وبالتالي فالمتصلب غالبا ما يمارس الفعل الانتخابي من داخل حزب سياسي معين ولا يعتنق إلا إيديولوجيته باعتبارها مرجعية فكرية مطلقة لا يمكن الشك فيها، ويصر على مساندتها سواء كانت على خطأ أو صواب. إضافة إلى هؤلاء السياسيون المتصلبون، توجد نسبة بسيطة من أولئك الذين يصوتون- دون أن تكون لهم علاقة بالسياسة- إلى نفس الحزب من أجل التصويت على نفس الحزب! وإذا سألتهم لماذا تصوتون على هذا الحزب؟ يجيبونك بأنهم يصوتون عليه وكفى!

رابعا؛ المُتَقَلِّبُون: الذين يتقلبون من حزب إلى حزب، ويتبعون في ذلك وسائل الإعلام وأحاديث الرأي العام، ويتأثرون بالحوارات السياسية للأصدقاء، فلا يهدأ على رأي، ولا يساند عن وعي، ولا يصوت عن سعي، بل تجده تارة متسلبا، وحينا متكلبا، ومرة متصلبا، ولا يكاد يثبت

على مقاربة، لذلك سميته بالمتقلب، إذ يصوت كل انتخابات على لون سياسي معين، وقلما يصوت على نفس الحزب مرتان، بل أكثر من ذلك قد تجده يصوت تشريعيا على هذا، ومحليا على ذاك، وجهويا على آخر بحكم النزعة المتقلبة التي تسكنه ويسكنها. وبما أنه موقف غير جيد ويتقلب من فئة إلى فئة، إلا أني أشك في قدرتهم على التحول إلى الفئة المطلوبة، وهو الصنف الخامس الذي سميته بالمتطلب.

خامسا؛ المُتَطَلِّبُون: الذين يطلبون إصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لبلادهم ومدنهم، ويطالبون بالتغيير الحقيقي، ويعتبرون التصويت حق شخصي، وواجب وطني، وتربية سياسية، ولا يقف الأمر عندهم عند عملية التصويت كما هو شأن باقي الفئات، بل يتعداه إلى متابعة الشأن السياسي المحلي والوطني، ومحاسبة الأحزاب المصوت عليها، وتتبع وتقويم آدائها، وبالتالي فهي تطلب خدمة أفضل الأحزاب الموجودة وأكثرها نجاعة، وتصوت عليها بناء على معطيات موضوعية، وتساند التجربة السياسية بالدعم والتشجيع والنقد الايجابي، وتظل تطالب بحقوقها حتى بعد

الانتخابات، وهي الفئة التي تحمل شعار: ما ضاع حق وراءه طالب.

تلكم إذن الفئات/ المقاربات الأساسية تجاه فعل التصويت الانتخابي، ونشير في الأخير إلى أن إصلاح المجتمع ليس رهينا بوجود أحزاب سياسية قوية وأمينة تمثل الساكنة وتخدمهم فقط، وإنما أيضا رهين بوجود ناخب متطلب له من المتابعة السياسية ما يجعله قادرا على مساندة الأحزاب والانخراط فيها ونقدها وتقويمها في نفس الوقت، ورهين أيضا بتغيير عقليات كل فاعل متسلب أو متكلب أو متصلب أو متقلب.

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى