اعلان
اعلان
مقالات الرأي

كورونا فرصة للتدين والتعبد

اعلان
اعلان

الحمد لله مقدر الأقدار، ومدبرالكون بعلمه؛ يخلق ما يشاء ويختار، له جنود لا يعلمها إلا هو ألا هو الواحد القهار، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، ابتلانا ليذكرنا نعمه السابغة علينا بالليل والنهار، وينبهنا عن تفريطنا فنعود من بعيد ونكثر الاستغفار، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
بينما العالم يشق طريقه بسرعة البرق الخاطف، لا يلتفت إلى من هو مقعد زاحف، ولا يأبه لأي ضعيف كاسف، لا يعترف بأي قانون يقيده، ولا يتحلى بأي أخلاق ترشده، حتى عاد بنا التاريخ أدراجه لنعيش حكم الغاب، دول متشردة أصبحت للناس أحاديث الركبان، ممزقة كل ممزق غريبة الأوطان، وأخرى ترقص على جثامين ضحاياها، وتعدها وعد عرقوب بأمنها واستقرارها، حتى إذا أخذت لهم الدنيا زخرفها وازينت، وظنوا أنهم قادرون عليها أتاها أمر الله، فسلط على البشرية هذا الجندي الذي يعرفه الصغير منا قبل الكبير، أوقف عجلة الاقتصاد، وعجز أمامه طب البلاد، وأظهر لنا عجز من قالوا من أشد منا قوة، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وإلى الله ترجع الأمور.
فما يشهده العالم اليوم من مخاطر تحدق بسكانه واقتصاده، بسبب أوبئة اعتقد الكثيرون أنها أصبحت نسيا منسيا، ظنا منهم أن العلم قد تقدم، ليس إلا جندا من جنود ربنا، القائل سبحانه: وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلاذكرى للبشر.
لقد كان الأولى بالمسلمين أن يبادروا إلى الحجر الصحي، مع ما وراء الحدود منذ أول وهلة.
أولا: اقتداء بتعاليم نبينا صلى الله عليه وسلم، القائل: إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها.
ثنيا: قطعا لدابر الهلاك، الذي استشرى في بعض البلاد، ولا زالت بلدان أخرى تنتظر.
ومهما يكن الحال: فإنه من الواجب العيني على كل مسلم، أن يبذل مما عنده، للحد من انتشار هذا الوباء، والتخفيف من آثاره على من أصيب به، أو يعيش في مقدمة جيوش سخرت من أجله، نسأل الله تعالى لهم المثوبة والقبول.
وفي هذا المساق جاءت هذه السطور، فأقول مستعينا بالله:
لقد كان من جمال الإسلام؛ أن لا تعارض في ديننا بين اتخاذ الاسباب وعقيدة الانقياد الاستسلام، فإن الله أوكل للعبد اتخاذ الأسباب والابداع فيها – في حدود المشروع – وكأنها كل شيء، فإذا أنهاها خلفها وراءه ظهريا، ودخل من باب الاستسلام على الله؛ وكأنه لم يفعل شيئا، غامرا قلبه بيقين في ربه، وهو يقول: اللهم قد فعلت ما أمرتني، فأنجز لي ما وعدتني. ويكون قد حقق المعنى الحقيقي للتوكل، الذي أمرنا الله تعالى به في قوله: وتوكل على الحي الذي لا يموت.
ومن هذا القانون العقدي جاء بحث علمائنا رحمهم عن القواعد الشرعية، المنظمة لسلوك الانسان، سواء في الظروف العادية، أو الظروف الاستثنائية، هذه القواعد الجليلة، التي تكشف لنا عن رونق الإسلام وجماله، وأنه المصلح لكل زمن وكل مكان وكل حال، يا قومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا برسوله يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض.
أي لا يعجز الله طلبه.
ومن مظاهر الجمال في قواعد الإسلام، جمال قاعدة: سد الذرائع، فإن هذه الاحترازات المتخذة، من إلزام للبيوت، ومنع للمصافحة، وتوقف عن نشر العلم، وعجلة الاقتصاد، وإغلاق بيوت الله،…. يتنافى مع مصلحة الانسان الآجلة والعاجلة، إلا أن هذه التصرفات لما أصبحت وسيلة إلى مفسدة عامة محققة، أصبح من التدين منعها، والتعبد لله بتركها، يقول الشاطبي رحمه الله: سد الذرائع: التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة.
فالمراد بقولهم: سد الذرائع، أي سد الطرق المؤدية إلى الفساد والإفساد، ومنع الأسباب الموصلة إليه، بل وحسم مادته من أصلها.
وانتبه أيها القارئ الكريم؛ إلى معنى: حسم مادة الفساد، وما تحمله من دلالة على أهمية الوقاية في ديننا، حتى اعتبر بعض العلماء هذه القاعدة ربع الدين.
فالمسلم اليوم ومعه العالم يعيش مقتضيات هذه القاعدة، ويخضع كرها لمدلولها، حرصا منه على حياة، أيا كانت هذه الحياة، ثم بعد حين سينساها، وهو يكيل بمكيالين، حيث يؤمن بهذه القاعدة في فساد حياته ودنياه، ولا يتبعها فيما يتعلق بفساد دينه وأخراه، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.
ومن مظاهر الجمال في قواعد الإسلام، مراعاة الحكمة المترتبة، فالشارع الحكيم له في كل حكم حكمة مترتبة، على المسلم أن يحرص على معرفتها وتحقيقها، زيادة على أصل التعبد لله، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يورد مصح على معد، له حكمة، هي حماية الخلق من الأمراض المعدية المنتقلة عن طريق الورود، فلما كان الورود وسيلة لنقل الأمراض نهي عنه الشارع، فإذا اعتبرنا هذه الحكمة نقول: إن الشرع نهى عن لمس الأزراز في الشبابيك البنكية وغيرها من غير واق؛ لأنها مظنة حمل الأمراض المعدية، في هذه الظرفية، فالغالب يقدم على الأصل في هذه الحالة.
ومن مظاهر الجمال في قواعد الاسلام، جمال عقيدته.
هذه العقيدة التي ظل القرآن الكريم يربي بها المسلمين أكثر من عشر سنين، ليغرس في نفوسهم قيمتي التضحية والإيثار، تضحية بما يحبون، وإيثارا لمرضاة ربهم وخدمة غيرهم، فأي جمال يداني هذا الجمال.
إن المسلم اليوم وهو يسمع بالآلف يموتون، يكون في أمس حاجة إلى النهل من معين مفردات هذه العقيدة التربوية، لتثبيت فؤاده، واستعادة حيويته ونشاطه.
فالعقيدة الإسلامية تتضمن من المعاني التربوية ما يعالج ما حل بالعالم اليوم، صحيا ونفسيا واقتصاديا.
إذ هي:
– عقيدة مبنية على الإستجابة لما فيه حياة الفرد والمجتمع: قال تعالى: ياأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.
فالعبرة بعموم اللفظ ، أي انقادوا لما يحيي دينكم ويعلمكم، وحياة الأبدان هي حياة للدين وحياة للتدين.
فالمومن وهم ملتزم بالحجر الصحي؛ هو في عبادة وطاعة، لأنه مستجيب لله ورسوله، إذ العزل الصحي منهج وقائي؛ سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سبق ذكره.
والاستجابة لولي الأمر إذا دعانا لما يحيينا استجابة لله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني.
– عقيدة مبنية على التفاؤل والسكينة: فما يملكه المؤمن؛ إنما هو أمانة لواحد هو الله، لا ينوب عنه أحد في أخذه منك، لا مرض ولا إنسان ولا حيوان، قال سبحانه: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم.
كم خالفت الأسباب عادتها، ليكون ما أراده مسببها، تحولت النار إلى برد وسلام، بقول الله تعالى: يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، وتحول البحر إلى يبس، بقول الله تعالى: اضرب بعصاك البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم.
فالله تعالى عند ظن عبده به، فمن ظن خيرا وجده، ومن ظن غير ذلك وجده، سيدنا إبراهيم قال لجبريل عليه السلام: – وقد سأله هل لك من حاجة – ، فقال أما إليك فلا، وأما إلى الله فحسبي الله ونعم الوكيل، سيدنا موسى، قال له قومه: إنا لمدركون، قال: كلا إن معي ربي سيهدين.
والعالم اليوم يقول: إنا لمدركون، فعلى المسلم أن يقول: كلا إن معي ربي سينجيني.
– عقيدة مبنية على أن المسلم لا يعيش لذاته، بل لغيره، وا أمتاه، تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ستجد أن بين المسلمين وبين كمال الإيمان سنوات من العمل، لتزكية النفس، وطهارتها من الأنانية، وتصبح مكانا قابلا لمعنى الأخوة، فيترقى المؤمن حينها إلى بلوغ ذروة الإيمان.
هذه حقا هي العبادة الاجتماعية التي ضيعها المسلمون، واكتفوا بالعبادة الذاتية، التي لا يتعدى نفعها فاعلها، فاتشر الفساد، وفسدت على إثره الجماعات و الأفراد.
وها هي ذي الفرصة اليوم قد عرضت علينا بجمالها، وجميل ما سيبقى في النفس من ذكرياتها، عما قريب إن شاء الله، فعلى المسلم أن يشمر على ساعد الجد ليبني صرح العبادة الاجتماعية، وفي مقدمتها:
الزم بيتك، لتنقذ نفسك وتنقذ غيرك.
لا تنس من فقدوا أعمالهم ولزموا بيوتهم، مما أفاء الله عليك من راتبك الشهري، وإياك من تلبيس إبليس عليك: -أن على الدولة أن تتولاهم -، بل انظر إلى ما عند الله من مثوبة، خصوصا في هذه الظرفية العصيبة، فإن من المعهود شرعا المفاضلة عند الله، بالشدة والرخاء، واليسر والعسر قال تعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا.
إلى الطبيب والممرض، إلى الساهر على الأمن والوقاية، إلى رجال التعليم والإدارات، عش من أجل غيرك، فإن الله سيجعل بعد عسر يسرا، ثم تجزى كل نفس بما تسعى.
وهنا يمكننا أن نطرح سؤالا:
لماذا المحتكر يحتكر أقوات الناس وضرورياتهم، متجاهلا لعن الله له وطرده من رحمته؟، إنه شخص يعيش لذاته، ولا تهمه حاجة الغير.
– عقيدة مبنية على توحيد القصد لله: نحن في هذه المحنة نحتاج إلى توحيد التعلق بالله على وجه لا يقبل الشركة، حتى يعمل كل منا عمله وليس في قلبه شيء سوى ثواب الله، قال الله تعالى: في الحديث القدسي، أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.
فهذا مبدأ يجب أن تقوم على أساسه جميع الأعمال التطوعية وغيرها، والأجر مقابل الوظيفة؛ لا يتنافى مع توحيد القصد لله، وتحقيق ذلك يكون باستحضار مراقبته، فتنشط للعمل والإبداع، حيث لم يرك أحد إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيث ما كنت.
فتوحيد القصد يشحن قلب المومن بطاقة إيمانية في مثل هذه النوازل المؤلمة، فالأطباء والممرضون المثابرون، ورجال الأمن المشمرون، ورجال التعليم العاكفون وغيرهم في حاجة إلى تجديد القصد في عملهم، حتى يتزودوا بطاقة الإيمان، فينطلقون ولسان حالهم يقول: وعجلت إليك رب لترضى، همه أن ينقذ حياة إنسان جاءه بمرض عضال، مترسما بين عينيه، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
وختاما:
فجميع التدابير التي يخضع المواطن لسلطانها، هي عبادة لله تعالى، نابعة من نصوص الشرع وأصوله، لأن الحكمة منها؛ الحفاظ على النفس من الهلاك، والمحافظة على النفس حفظ للدين وحفظ للمال.
نسأل الله أن يرفع عنا الوباء بمنه وكرمه

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى