لا حديث اليوم بين الناس وفي كل مكان، إلا عن هذا الفيروس التاجي الذي عمّ الدّنيا وشغل النّاس وجعلهم رهائن منازلهم. والحق أن الأمر يستحق كل هذا التفكير والانشغال لكن ليس كل طرق التفكير فيه ناجعة وجيدة. فأن يتحول الأمر إلى خوف وهلع يسيطران على الشخص فهذا من شأنه أن يحول مسار الفيروس – أو الحمة كما تسميته الحقيقية باللغة العربية – بنفسه ويهيئ له المكان المناسب ليستقر مطمئنا في جسده.
كثيرة هي المواضيع التي أثيرت حول علاقة فيروس كورونا بالخوف والقلق، لكننا في هذا المقال سنتطرق لتحديد العلاقة العلمية بالضبط بينه وبين هرمونات الخوف والقلق (stress hormones)، وكيف يساهم الخوف من المرض بزيادة احتمالية الإصابة به، ولماذا يشفى أشخاص بسرعة دون حتى أن يعلموا بوجود الفيروس فيهم بينما آخرون تكون نهايتهم المأساوية في أكياس سوداء ترش بالمعقمات قبل أن تدفن في الأرض، وما علاقة الخوف والقلق بضعف المناعة وبالتالي توفير الجو المناسب لفيروس كورونا في الجسم. ثم سنعرج في الأخير على بعض الخطوات العملية التي من شأنها أن تقي الجسم من فيروس كورونا وحتى من غيره من الأمراض التي لم تخل من زمان ولا مكان.
كوفيد 19 (Covid 19)هو اختصار لثلاث كلمات هي بالتتابع Co وتعني كورونا وVi أي فيروس وD تعني diseas أي مرض بالانجليزية، وكورونا هي مجموعة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء، حيث تسبب أمراض الجهاز التنفسي، سواء التي تكون خفيفة مثل نزلات البرد أو شديدة مثل الالتهاب الرئوي حسب تعريف منظمة الصحة العالمية. أصاب إلى حدود كتابة هذه الأسطر 491000 شخصا في العالم وتسبب في وفاة أزيد من 22000 شخصا ولم تتجاوز المغرب حيث بلغ عدد المصابين إلى حدود اليوم 275 حالة مع تسجيل عشر وفيات.
هذه الأرقام المهولة والمشاهد الصادمة التي نراها كل يوم وكل دقيقة لأناس يتقاطرون على المستشفيات وقد لا يجدون مكانا ينعشهم بتنفس اصطناعي فيسقطون مودعين هذه الدنيا في مشهد درامي تفيض له العيون دمعا ويعتصر له القلب خوفا وألما. هذه المشاعر، نعم مشاعر الخوف والألم والقلق والترقب هي أكبر محفز لارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا. فقد ثبت علميا أن أكثر من ينال منهم هذا الفيروس هم ذوو المناعة الضعيفة، وثبت منذ سنين طويلة أن الخوف والقلق والتوتر هي أهم مسببات نقص المناعة عند الإنسان. فبتذكير بسيط يمكن أن نمثل الجسم كدولة قوية لها حدودها وجهازها العسكري الذي يتكون من جنود تسمى اللمفاويات وهي درجات كما درجات أي جهاز عسكري في أي بلد. تنتشر في كل أنحاء الجسم وتراقب عن كثب كل ما هو ذاتي (the self) أو غير ذاتي (no self) عن طريق فحص هوية كل خلية أو ما يسمى علميا بواسمات الذاتي (Self marker). جهازنا المناعي قوي جدا يضم إضافة إلى اللمفاويات وطرق عملها خلايا أخرى ومركبات لا يسع الحديث عنها في هذا المقال، غير أنه كأي جهاز قابل لأن يزيد قوته وسطوته فلا يقهره شيء على وجه الأرض إلا الموت، كما يمكن أن يضعف ويستكين فيغلبه أي وافد غريب (Antigen). لكن الغريب فعلا هو أن يأتيه الضعف من الداخل، وقد يكون هذا الضعف حالة نفسية تسمى بالقلق يمكن أن يترتب عنها إفراز هرمونات من بينها هرمون “الكورتيزول” الذي يعتبر مهدئا لجهاز المناعة عند الإنسان كما ويزيد من نسبة السكر في الدم والسكريات هي المصدر الأول الذي يمد الجسم بالطاقة والمدهش في الأمر أنها هي التي تمد الفيروس بالطاقة كذلك لينتشر في الجسم.
يؤثر هذا الهرمون كذلك على الجهاز الهضمي، ومعلوم أن أنزيمات الهضم وحمضية المعدية تساهم بشكل كبير في قتل الفيروسات والأجسام الغريبة التي تدخل الجسم، لكن لنتخيل أن فيروس كورونا يدخل جسما ما فيجد جهازه الهضمي وَهِنا غير قادر على قتله فيتجاوزه إلى داخل الجسم، لكن هناك سيجد جهازا آخر أقوى وأعتى من الجهاز الهضمي ألا وهو جهاز المناعة بكل عدته وعتاده. ولنتخيل أن هذا الشخص هو ذاك الذي تحدثنا عنه سابقا ووصفناه بالخوف والقلق والتوتر الذي قد يصل عند بعض الأشخاص إلى وسواس قهري، فكيف سيجد فيروس كورونا جهازه المناعي؟ حتما سيجده ضعيفا ويتغلب عليه ثم يتوجه الفيروس فرحا نشيطا إلى الرئتين ليطبق عليهما قبضته فتكون نهاية الشخص ليس بالفيروس ولكن بخوفه الذي جعله ضعيفا فاشلا أمام الفيروس.
من أغرب ما درسناه في علم الغدد (endocrinology) أن الانسان بكل سطوته وعبقريته وجبروته خاضع لتأثير الهرمونات، فهي التي تقوي مناعته وتضعفها، هي التي توقظه أو تجعل النوم يتسلل إليه، تسعده أو تحزنه… لكن الخبر الجميل والمفرح هو أنه بنفسه قادر على التأثير بهذه الهرمونات ويمكنه أن يزيد من إفرازها أو ينقص حسب إرادته. نعم حسب إرادته هو. فقوة العامل النفسي لها قدرة على الشفاء قد تفوق أحيانا قدرة الدواء نفسه. فلكي نجعل أجسامنا قوية قاهرة لفيروس كورونا أو غيره، أول شيء علينا القيام به هو التخلص من التوتر والقلق مع الالتزام التام بالتوصيات المعتمدة من عدم مصافحة ومخالطة، والحرص على النظافة التامة والالتزام بالبقاء في المنازل. إذا قمنا بهذه الاحتياطات فلا حاجة للقلق ولا التوتر ولا الخوف من أن نصاب بالمرض.
إذا كان التهييئ النفسي عامل أساسي من عوامل الوقاية والشفاء فإنه لا يمكن إغفال عوامل أخرى خارجية لا تقل أهمية عنه وهي غذائية بالأساس نسرد من بينها شرب الماء، تجنب السكر المكرر، التقليل من الملح تجنبا لارتفاع ضغط الدم، عدم الافراط في تناول مصادر الكافيين (القهوة والشاي والمشروبات الغازية والطاقية…) التي تزيد من ارتفاع دقات القلب وضغط الدم وعسر الهضم وكذلك تجنب الكحول والمضافات الغذائية.
يتبين في الأخير أن سبل الوقاية من فيروس كورونا يكون بتظافر جهود كثيرة منها ما هو خارجي (النظافة، تجنب الاختلاط، المكوث بالمنزل طيلة فترة الحجر الصحي…) وكذا داخلي (تجنب الخوف من المجهول، ترك القلق والتوتر…) ويمكن لكل ذلك أن يتم بمساعدة عوامل غذائية تزيد من توازن الجسم وقوته وتجعله مؤهلا لأن يقضي على فيروس كورونا بدل أن يقضي الفيروس عليه.
اعلان
اعلان
اعلان