
بعد الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك الى رئيس الحكومة يحث فيها الحكومة الى اتخاذ المبادرة التشريعية في أجل ستة أشهر بناء على الفصل 78 من الظستور ، حول اصلاح مدونة الأسرة المتبناة منذ سنة 2004 . فقد ظهر جليا من خلال هذه الرسالة التأطير الواضح لعملية الاصلاح و التي تروم تصحيح و تجاوز اختلالات التطبيق الفعلي للمدونة طيلة عشرين سنة استنادا الى المرجعيات القائمة و انفتاحا على التغييرات الكونية .و بمقابل الوضوح الكامل لقيادة إمارة المؤمتين لعملية التغيير و مدى منسوبه ، نلاحظ على الساحة الاعلامية مناكفات حادة بين التيار الليبرالي و الحداثي من جهة، و التيار المحافظ من جهة أخرى وذلك حول المرجعيات الفكرية و المذهبية المؤطرة لكل طرف دون مراعاة لواقع المجتمع المغربي و تشعباته و السرعات المختلفة بين التجمعات المتمدنة و المغرب العميق المجسد في بعض مناطق العالم القروي و التحولات التي عرفها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة .فحسب احصائيات المندوبية السامية للتخطيط فإن 19./. من االاسر المغربية تسيرها نساء و65 ./. من الأسر المغربية يسيرها بشكل مشترك النساء و الرجال ، و هذا يطرح أكثر من تساؤل و إعادة النظر حول القوامة الذي يطرحه التيار المحافظ في واقع متحرك ومتغير لم يعد يناسب الواقع الباطريركي البدوي الذي عرفته الجزيرة العربية منذ أكثر من 14 قرنا و ما تلاه من اجتهادات لم تعد موائمة لعصرنا. زد على ذلك تشبثهم المستميت بالنصوص القطعية و هم يتناسون أنهم تغاضوا عن مطالبة النساء بأن يقرن في بيوتهن تاركين نساءهم يحتلون كراسي البرلمان و المتاصب العليا ، وبقطع يد السارق و المساواة في الشهادة بين المرأة و الرجل رغم ورود نصوص قطعية . فالعقلية المحافظة تخشى من احتلال المرأة الفضاء العام ليس حفاظا على الدين كما توحي لنا بل خوفا من فقدان امتيازاتها و بسلطاتها التي ستتقلص إن وصلنا الى المساوة بين الجنسين . فالأديان جاءت للمصلحة الفضلى للشعوب و الواقع لم يعد ثابتا.التيار الليبرالي و الحداثي بدوره و إن كان يطالب بالاصلاحات بناء على المرجعيات الحقوقية الكونية و اتفاقية سيداو و غيرها ، فإن التيار المتطرف منه لم يع حقيفة المجتمع المغربي الذي ما زال يحتاج الى التحديث و الرفع من المستوى المعيشي و دعم تمدرس الفتاة و تغيير الذهنيات كي نصل الى تنزيل سليم . فالتيار الليبرالي المتطرف ultraliberalisme يدعو الى الفردانية و هذا يضرب التماسك الاجتماعي و الأسري في مقتل الذي يعتبر خزانا للأمة المغربية و لهويتها, وهذا التيار تقف وراءه شركات عالمية و ما فوق دولاتية عبر أذرعها الجمعوية و المدنية و التي تدعو الى المقاربة الجندرية GENDER. وهذا ما لاحظناه من صراع حول الصورة خلال مونديال قطر الأخير ، فالفريق الوطتي كان يسوق لاعتبار الاسرة نواة للمجتمع بينما الاعلام الليبرالي المتطرف كان يدعو الى ضربها من خلال دعم المثلية . فالرهانات كبيرة و التحديات أكبر . لقد لوحظ أن التيار الدحافظ الذي نعم بحلاوة التدبير الحكومي يعرف تمام المعرفة حرص المؤسسة الملكية على القيم الروحية التي يتبناها المغاربة ، لكنه الآن يحاول التهويل حول ملف اصلاح المدونة و هي مناورة مكشوفة لإعادة التموقع السياسي من خلال انتاج الخطاب الهوياتي بعدما فقد بكارته السياسية خلال التدبير الحكومي لمدة عشر سنوات.
فالمغاربة محتاجون الى مدونة للاسرة حداثية تراعي التحولات القيمية الكونية و الوطنية و تستحضر المصلحة الفضلى للاسرة في انسحام تام مع المرجعية الروحية و الهوياتية.و النقاش يجب أن يكون صحيا و غير متشنج حتى يجد كل الأطراف مساحات للتفاهم تكون المصلحة الفضلى للاسرة هي الغاية في إطار مشروع وطني ديمقراطي يساهم في تقدم البلد و تشحذ فيه كل الطاقات نساء و رجالا .