انتهت أشغال القمة العربية في جدة ببيان ختامي، و في أجواء دولية و عربية متوترة بدأ من الحرب في أوكرانيا و في السودان و اليمن و ليبيا و الانتهاكات الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني. و قد تميزت الدورة بحضور لافت للرئيس السوري حافظ الأسد الذي غابت بلاده أكثر من 12 سنة، و غياب الرئيس الجزائري و نظيره السوداني و غياب رئيس الإمارات محمد بن زايد. بعض التحليلات تشير إلى أن غياب عبد المجيد تبون يتجاوز الرد البروطوكولي بالمثل على غياب محمد بن سلمان لقمة الجزائر الأخيرة ، لينتقل إلى معطيات أخرى نورد من بينها :
1- التنسيق السعودي بشكل منفرد مع بعض الدول التي كانت تتحفظ على دخول سوريا إلى الجامعة العربية تحت سقف الإتفاق الإيراني السعودي و بالمظلة الصينية.كل هذا بعيدا عن الجزائر رئيسة القمة العربية السابقة التي لا ترى بعين الرضى هذا التجاوز .
2- المناورات البحرية السعودية التونسية بالقيروان التونسية و بالذخيرة الحية و هذا أقلق الجزائر التي تعتبر تونس جزءا من أمنها القومي و قاعدة خلفية لها و بدون تنسيق معها .
فبالإضافة إلى غياب الرئيس الجزائري غاب أيضا الرئيس السوداني برهان عبد الفتاح خوفا من احتمال الانقلاب عليه من طرف الجنرالات التي قد تجد الفرصة مواتية للتفاوض مع حميدتي.و نشير في هذا الصدد إلى أن الأزمة السودانية عرفت تصعيدا غير مسبوق بين طرفي الصراع متزامن مع أشغال القمة العربية، رغم أن السعودية كانت وسيطا في هدنة مؤقتة و هذا يعني أن إسرائيل تدخلت لتأجيج الوضع و بعث رسائل من السودان إلى بن سلمان بأنها هي من تمتلك عقارب الساعة في الملف السوداني، و هذا خطير جدا لأن تل أبيب تحاول تغيير عقيدة الجيش السوداني الذي رفض الانخراط في التطبيع رغم وجود اتفاقية، كما أن مصر أصبحت معزولة في أمنها المائي في نهر النيل.زد على ذلك الاغتيالات الغامضة لبعض القيادات و الكوادر في الجيش السوداني، مما يشي باختراق كبير للموساد الإسرائيلي في السودان يعكر صفو الإجماع العربي بقيادة السعودية . محمد بن زايد بدوره غاب عن أشغال القمة نظرا لأوجه الاختلاف بينه و بين بن سلمان في ملفات عدة من قبيل الحرب في اليمن و السودان و التطبيع مع إسرائيل و التقارب مع إيران و غيرها. فمحمد بن سلمان حاول بعث رسائل إلى الدول الكبرى تشير إلى أن الدول العربية جزء من النظام الدولي الذي بدأت تتشكل معالمه و ليست إحدى ضحاياه. فدعوة حضور زلنسكي كانت ذكاء سعوديا بامتياز ، فرفض الرئيس الاوكراني للاحتلال الروسي للتراب الأوكراني يضع إسرائيل على المحك لأنها أيضا تحتل أراضي فلسطينية و هنا تبرز معايير الازدواجية في التعاطي مع ملفين، و هذا يوقع إسرائيل و الولايات المتحدة في حرج أمام العالم.
لقد انتهت القمة، لكن الجروح لم تندمل و المآسي لم تنته!!!