اهتزت مراكش على وقع تسجيل حالتا انتحار وسط القيمين الدينيين ، الأولى تهم إمام مسجد بمراكش وضع حدا لحياته بعدما قام بشنق نفسه بحبل، والثانية لمؤذن بجماعة قروية بعمالة الإقليم، عثر عليه جثة هامدة معلقة داخل المسجد، وهو ما شكل حدثا مأساويا أثار الجدل.
و دخل أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، على خط الحادثين المؤلمين، موجها مذكرة إلى مناديب الشؤون الإسلامية يؤكد فيها أن ذلك “يسترعي الانتباه إلى أمر ينبغي التصدي له بكل الإمكانيات والوسائل الممكنة”، متابعا “لعل من أهم دوافع محاولات الانتحار نوبات اكتئاب يمكن علاجها إذا ما تم التنبه لها في الوقت المناسب”.
ليطرح السؤال ،هل يمكن للإيمان أن يحول دون دخول الإنسان في حالة السوداوية؟ وإلى أي حد يمكن إرجاع انتحار قيمين دينيين إلى عوامل اجتماعية واقتصادية؟ وبأي معنى يمكن إرجاع حالتي الانتحار إلى الاضطرابات النفسية؟و للإجابة على الأسئلة المطروحة نستحضر مذكرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تقول أن نوبات الاكتئاب تتجلى في “تباطؤ غير عادي في نشاط الشخص، وشعوره بتعب وقلق وحزن غير عادي، والسخط على الذات والشعور باليأس وفقدان المتعة، والتعرض لأفكار تشاؤمية، وبروز اضطرابات حادة غير عادية في النوم والشهية”، كما تفسر المذكرة، مطالبة مناديب الشؤون الإسلامية بضرورة الحرص على التواصل الدائم مع كافة القيمين الدينيين من أجل بسط النقاش معهم حول مختلف القضايا التي تهمهم، وعقد جلسات استماع لهم بتأطير من الأئمة المرشدين وفق برنامج محكم ومحدد يتم إشعارهم به سلفا.
وعلى خطى هذا المشكل أفاد مصطفى الشكدالي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن “الحديث عن الإيمان والسوداوية يتطلب استحضار أنهما درجات، فهناك من يلجأ إلى الإيمان من الإيمان، بمعنى أنه يؤمن ويدخل في حالات فيها نوع من التسامي الروحي عن كل ما يعترض حياته، وهناك من يدخله هروبا من المشاكل، وبذلك يصبح الاكتئاب نتيجة للإحباط، وهذه درجة أخرى، وهنا نتذكر رابعة العدوية حين قالت: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك طمعا في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فأرسلني فيها، أنـا أعبدك لأنك تستحق أن تعبد”.
وأضاف الباحث “قد يكون اللجوء إلى الإيمان ظاهريا، بمعنى أن المشاكل التي تعترض حياة الإنسان قد تكون وراء الاحتماء بالإيمان هروبا من مواجهة الحياة، لذا في الحالة الأولى تكون الوقاية منذ الوهلة الأولى لأن طقوسها شبيهة بالتصوف، وهذا يحمي من السقوط في السوداوية والاكتئاب”، مشيرا إلى أن “الحديث عن القيمين الدينيين يتطلب استحضار صفة موظف تابع لإدارة الشؤون الإسلامية، وبذلك نكون أمام أشخاص يرتبطون بالتدين وليس ضرورة بالدين”.
وأوضح الشكدالي عن إمكانية ارتباط الانتحار، كحالة المؤذن، الذي كشفت مؤشرات البحث التمهيدي أنه شيخ يبلغ من العمر 81 سنة، وأب لستة أبناء، ويعاني من اكتئاب حاد ناتج عن أزمة مالية عاشها مؤخرا، أنه “يمكن للعوامل الاجتماعية والاقتصادية أن تكون وراء ذلك، لكن على العموم فالمنتحر كيفما كان وضعه يحاول التخلص من ذاته، وبالتالي نتحدث عن حالة نفسية قد تصل الى الإبهام لأننا لا نعرف لماذا يريد الشخص الهروب من ذاته، لغياب الدافعية نحو الحياة، وبذلك فهو لا يرتبط بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي لوجود منتحرين ينتمون إلى الطبقة الميسورة”.
ومن منحى المقاربة السيكو- سوسيولوجية، ننتقل إلى البرلمان برسالة عبد الرحمان الوفا، البرلماني عن إقليم مراكش،التي و جهها إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، يؤكد فيها أن الإمام والمؤذن في المغرب ليسا فقط رمزين دينيين، بل هما أيضا جزء لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، ويتمتعان بسلطة دينية وتأثير كبير على المجتمع، ويشغلان مكانة مرموقة في القلوب والعقول.
وجاء في سؤال البرلماني “يقوم القيمون الدينيون، وبشكل خاص الأئمة، بمهمة عظيمة تتمثل في الحفاظ على السلام الروحي للمواطنين المغاربة، ويعتبر أداؤهم الجيد لهذه المهمة واجتهادهم فيها أمرا يتطلب العناية بهم ماديا ومعنويا، ومراعاة ظروفهم النفسية والاجتماعية حرصا على الصورة الاعتبارية التي يحظون بها وسط المجتمع، وتفادي كل ما من شأنه أن يؤثر عليها. وعليه نسائلكم عن الإجراءات والتدابير التي ستتخذها وزارتكم في هذا الصدد؟”.
ومن جهته خرج عمر أربيب، الناشط الحقوقي وعضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان،ليوضح أن الانتحارين يشكلان حالتين مأساويتين قد تكون لهما علاقة بالجانب الاجتماعي والاقتصادي، وقد يرجعا إلى أسباب أكثر عمقا، مشيرا إلى أن “الواقعتين حدثتا في وقت متقارب، وهذا يطرح علامة استفهام كبيرة يجب تعميق البحث فيها لأن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة معروف بأنها مأزومة ولا تضمن لهم العيش الكريم”.
وتابع أحمد التوفيق ،وصاياه بمطالبة مناديب الوزارة بالحرص على التواصل الدائم مع كافة القيمين الدينيين، من خلال تنظيم لقاءات تواصلية معهم بصفة مستمرة، وعقد جلسات استماع لهم بتأطير من الأئمة المرشدين، واستقبالهم بمقر المندوبية كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وتوجيههم بأسلوب لائق.
كما دعا إلى التنسيق الدائم مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، لاسيما فيما يتعلق بتوقيع شراكات مع أطباء واستشاريين نفسيين لعلاج ومواكبة الحالات التي بدأ يظهر عليها الاضطراب النفسي.