في مشهد سياسي أقرب إلى الكوميديا السوداء، ظهر بلاغ صادر عن منسقي الأحزاب الثلاثة، والذي نُشر يوم الأربعاء قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، ليثير عاصفة من التساؤلات. فما الذي دفع هؤلاء “المنسقين” إلى إصدار بلاغ موجه إلى سبعة أشخاص فقط؟ هل هم أعضاء في لجنة سرية لاختيار مصير الانتخابات؟ أم أن هذا البلاغ هو دعوة غير مباشرة للضغط على هؤلاء المحظوظين للتصويت لصالح مرشحة حزب الأحرار، وكأن التصويت أصبح مجرد “ترويج” لاسم على طريقة الإعلانات التجارية؟
الأمر لا يتوقف هنا. البلاغ يطالب بضرورة الحفاظ على الأغلبية الحالية التي تضم أكثر من تسعة أحزاب، مع تهديدات مبطنة لكل من يخرج عن هذا الخط: “مَن لا يصوت لصالح مرشحة الأحرار، سيكون في مواجهة إجراءات قانونية”! وكأن السياسة أصبحت مجرد لعبة “من يصوت كما نريد، ومن لا يلتزم يُعاقب”. وهذا يثير تساؤلات حول مدى احترام هذا البلاغ لحرية الرأي، وحقوق المستشارين في اختيار مرشحيهم بحرية تامة، دون أن يتحولوا إلى مجرد “أرقام” في معادلات حزبية.
لكن المفاجأة الكبرى في هذا البلاغ تكمن في أولئك الذين يتحدثون عن “الانضباط الحزبي”. هؤلاء الذين يدافعون بشراسة عن ضرورة الانصياع للقرارات الحزبية هم أنفسهم، وبكل بساطة، غيروا انتماءاتهم الحزبية كما يغير الشخص ملابسه! المرشحة التي يطالبون الجميع بالتصويت لها، كانت في وقت ليس ببعيد تنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، بعدما كانت في الحزب الليبرالي والآن هي مرشحة لحزب الأحرار، وكأن السياسة مجرد رحلة سياحية بين الأحزاب!
أما منسقي حزب الأحرار، منهم الإقليمي والجهوي ” الموقع على البيان” ومعهم البرلماني لنفس الحزب فحكايتهم ليست أقل إثارة. فقد كانو في الماضي القريب من “المخلصين” لحزب الاستقلال، ولكن يبدو أن الشجاعة السياسية قادتهم إلى تغيير وجهتهم والانضمام إلى الأحرار. يبدو وكأنهم يسيروا على مبدأ “الانتماء الحزبي حسب الحاجة”! فما يثير الدهشة هنا هو أن هؤلاء الذين يطالبون الجميع بالانضباط الحزبي والولاء الأعمى، هم أنفسهم لا يكادون يعرفون معنى الاستقرار السياسي.
هذه التحولات المتسارعة في الانتماءات الحزبية تُظهر بوضوح مدى هزالة المشهد السياسي الذي نعيش فيه، حيث أصبحت السياسة مجرد لعبة مصالح شخصية، والمبادئ الحزبية ليست سوى شعارات تُرفع لحين الحاجة إليها، ثم تُرمى في أول فرصة. فما هي “الانضباط الحزبي” الذي يتحدثون عنه، إن كانوا هم أنفسهم لا يلتزمون به؟
باختصار، البلاغ الذي تم نشره هو بمثابة “إعلان” عن حالة من التناقض السياسي الصارخ. يبدو أن السياسة قد تحولت إلى مجرد لعبة موسمية تتغير فيها الولاءات بسرعة البرق، وكلما اقتربت الانتخابات، أصبح الجميع يتحدث عن “الانضباط” في حين أن مواقفهم تتغير مثل الطقس.