
تطوان: محمد السوسي
يُعد ميناء طنجة المتوسط واحدًا من أكبر المشاريع البحرية والاقتصادية في المغرب وإفريقيا، وواجهة وطنية مشرّفة تجمع بين البنية التحتية الحديثة والموقع الإستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وإفريقيا. لكن، ورغم هذا الرصيد المهم من الإنجازات، فإن تجربة العديد من المسافرين، خاصة من مغاربة العالم، تكشف عن اختلالات وخدمات لا ترقى إلى مستوى هذا الصرح الضخم.
- إجراء يثير الاستياء
خلال الفترة الأخيرة، فرضت سلطات الميناء على المسافرين القادمين من الجالية المغربية بالخارج تحديد تاريخ السفر مسبقًا، حتى بالنسبة لمن يتوفرون على تذاكر مفتوحة صالحة لمدة سنة. هذا القرار شكّل صدمة للكثير من أفراد الجالية الذين تعودوا على مرونة السفر وتغيير المواعيد وفق ظروفهم، خاصة في موسم الصيف حيث تكون زياراتهم للوطن مرتبطة بظروف عائلية أو مهنية متغيرة.
هذه الخطوة اعتبرها كثيرون مساسًا بحقوقهم كمستهلكين، وإلغاءً فعليًا لميزة التذاكر المفتوحة التي دفعوا ثمنها مقابل حرية اختيار موعد العودة. كما ولّدت لديهم شعورًا بعدم التقدير، وكأنهم غرباء في بلدهم الأم، بدل أن يحظوا بالترحيب والتسهيلات التي تليق بدورهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات والاستثمارات.
- الأثر النفسي والاقتصادي
الأثر النفسي لهذه الإجراءات كان واضحًا؛ فقد عبّر عدد من أفراد الجالية عن استيائهم العميق وإحباطهم من طريقة التعامل معهم في الميناء، معتبرين أن ذلك يعكس بيروقراطية لا تراعي ظروفهم ولا تحترم التزاماتهم مع شركات النقل البحري. من الناحية الاقتصادية، فإن هذه التجربة السلبية قد تدفع بعض المسافرين إلى إعادة النظر في ميناء طنجة المتوسط كخيار أول، ما يفتح المجال أمام منافسين يقدمون خدمات أكثر مرونة.
- ميناء سبتة… منافس بخدمات مرنة
في المقابل، يبرز ميناء سبتة كمثال على الخدمات الجيدة والتسهيلات التي يبحث عنها المسافرون. هذا الميناء يوفر إمكانية تغيير مواعيد السفر بسهولة، دون تعقيدات أو قيود صارمة، ما يمنح المسافرين حرية أكبر في التخطيط والتنقل. إضافة إلى ذلك، فإن مرونة الإجراءات والسرعة في تقديم الخدمات تشجع الكثيرين على اختيار هذا المعبر، حتى وإن كان ذلك يعني تغيير مسار رحلتهم أو قطع مسافات أطول للوصول إليه.
إن استمرار هذه السياسة في ميناء طنجة المتوسط قد يؤدي إلى إفراغ المشروع من أحد أهدافه الأساسية، وهو استقطاب حركة نقل المسافرين وتوفير خدمات تنافسية تعزز من مكانة المغرب كمحور بحري عالمي. فالقرارات التي لا تضع في الحسبان مصلحة المسافرين، خاصة الجالية المغربية التي تُعد شريكًا اقتصاديًا مهمًا، لن تؤدي إلا إلى تقوية المنافسة لصالح موانئ أخرى مثل سبتة، وهو ما يشكل تهديدًا لمردودية المشروع على المدى البعيد.
ميناء طنجة المتوسط معلمة وطنية كبرى، لكن نجاح أي مشروع لا يقاس فقط بحجمه أو بموقعه الجغرافي، بل أيضًا برضا المستفيدين منه. إن إعادة النظر في القرارات والإجراءات التي تُفرض على المسافرين، واعتماد سياسات مرنة تستجيب لاحتياجات الجالية المغربية، هو السبيل للحفاظ على مكانة هذا الميناء كمفخرة وطنية، وضمان أن يبقى الخيار الأول لكل من يزور المغرب عبر البحر.