يحتدم الصراع والاستقطاب بين المعارضين لزراعة البطيخ الأحمر الذين يتزايد ضغطهم على الرأي العام والمسؤولين، وبين المستثمرين في هذه المنتوجات التي غزت مختلف مناطق إقليم طاطا.
احتجاج مستمر ..
ساكنة طاطا خرجت أمس في وقفة احتجاجية كان من بين مطالبها منع زراعة الدلاح الذي يُهدد حسب شعاراتهم الأمن المائي للأجيال القادمة، مستنكرين غض الطرف غير المبرر للمسؤولين الإقليميين على ناهبي الفرشة المائية التي كادت ان تنضب؛ مما يهدد استقرار الساكنة التي تتميز بحرارة مرتفعة صيفا تكاد تُجهز على من يمكث بالمنطقة بسبب قلة المياه السائلة إلى منازل المواطنين، والتي أصبح العديد منهم يستفيدون منها وفق نظام الحصص في عدة جماعات قروية، وفي أخرى ينتظرون قدوم صهاريج دورية لتزويدهم بالماء مدة أيام؛ بينما آخرون يسألون من يتوفرون على آبار شخصية إلحافا لتزويدهم بقنينات تسد حاجياتهم لبضعة أيام.
ويتزايد مد المعارضين لهذه الزراعة التي يصفونها بالدخيلة وأشكالهم الاحتجاجية المستمرة تارة كما هو الحال في جماعة فم الحصن، والدورية كذلك كما هو الحال في احتجاجات عفوية ونسائية تخرج بين الفينة والأخرة كان آخرها احتجاج مواطنين من جماعة أم الكردان بقيادة أديس، أمام مجلسهم الجماعي للمطالبة بمنع استنزاف الفرشة المائية والمساهمة في الحفاظ على ما تبقى من مادة حياتهم في هذه المنطقة.
وقد وقعت جمعيات مدنية وحقوقية عرائض للمطالبة بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه المعاناة، شكلت توصيات ملتقاَ إقليمي نهاية الشهر الماضي بعمالة طاطا، أهمها وأقواها بحضور رؤساء المصالح ومختلف المسؤولين مدنيا وعسكريا.
مستثمرون: ندرة المياه من جفاف عمَّ البلاد
في مقابل ذلك يجزم المستثمرون الصغار ممن استقت الجريدة آراءهم أن ندرة المياه بإقليم طاطا مردُّه إلى توالي سنوات الجفاف التي أصابت المغرب عامة والإقليم خاصة، وبذلك يتفاقم الوضع في منطقة أصلا تعتبر صحراوية وتقل فيها نسب الأمطار السنوية. ويضيف المتحدثون أن ما يتم تداوله بكون استنزاف البطيخ الأحمر “الدلاح” للماء هو إشاعة عارية عن الصحة؛ ولا أساس علمي تعتمد عليه ولا دراسات رسمية مُعلنة في هذا الصدد.
الفلاحون الصغار بإقليم طاطا، أرجعوا هذا الجدال إلى حسابات سياسية وانتخابية تهف إلى خلق صراع واستقطاب حاد بين أبناء الإقليم، مؤكدين في الوقت ذاته انهم مع تقنين زراعة هذه الفاكهة وكبح جماح المستثمرين الكبار الذين يستثمرون في مساحة شاسعة وكبيرة.
هذا ومن المنتظر أن يعقد فلاحو إقليم طاطا جمعا عاما الأربعاء المقبل لتأسيس جمعية إقليمية لهم، تُنظمهم وتدافع عن مصالحهم وتترافع من أجل تطوير القطاع الفلاحي بطاطا؛ وهو نشاط ينظر إليه المعارضون بعين الريبة ويستعدون للرد عليه كما يتم تداوله في أروقة خاصة.
السلطات وموقف الحياد:
وأمام هذا البوليميك، تجد السلطات المحلية والإقليمية نفسها أمام طرفين متنافسين، سيؤدي الانحياز إلى احدهما إلى تبعات ونتائج هي في غنى عنها، في ظل غياب لقانون له قوة الشيء المقضي به أو صادر عن السلطة التشريعية تستند عليه للقطع مع هذه الزراعة.
وضمانا للحياد والحفاظ على السلم الاجتماعي، نهجت السلطات الإقليمية سياسة الوقوف على مسافة واحدة من الأطراف؛ فلا هي منعت الزراعة المثيرة للجدل، ولا هي تركت المجال مفتوحا لغزو المستثمرين لإقليم طاطا للاغتناء السريع منها؛ واضعة شروطا تقنينية لزراعته متمثلة في: التقنين الصارم في حفر الآبار الجديدة وردم كل الآبار فير المرخصة مهما كان عمرها، ومشترطة كذلك تركيب عدادا للماء على كل بئر محفورة ورخصة الجلب ثم ضرورة الإدلاء بما يربط المستغل للبئر بالأرض التي شيدت عليها.
وتبقى الأيام القليلة المقبلة حاسمة لتتوضح الرؤيا، وينجلي غبار هذا الاستقطاب، وتنتهي حلقات هذا المسلسل لتظهر بعدها الحقيقة وينكشف مستقبل الأرض والماء والسكان.