اعلان
اعلان
ثقافة وفن

تاريخ السينما المغربية بعيون أحمد البوعناني يرصدها في كتابه « الباب السابع»

اعلان

عند بحثنا عن تاريخ السينما المغربية فإننا نقف على آخر إصدارات الكاتب والمخرج و السناريست المغربي « أحمد البوعناني» الذي قدم لنا في كتابه « الباب السابع» تاريخ السينما المغربية بطريقة ذاتية نقدية، حيث ضمنه بالعديد من المعطيات المرتبطة بالأفلام والسينمائيين وبأهم الوقائع السينيمائية منذ بدايات الأولى للسينماتوغراف إلى منتصف ثمانيات القرن الماضي مع التذكير بسياقاتها التاريخية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وضمنه أيضا ببعض أفلامه و مواقفه من بعض الوقائع والأحداث السينيمائية.

ويبدو أن البوعناني كان معجبا بفيلم أندري زوبادا الذي يحمل نفس العنوان، وهو فيلم يعود تاريخ إنجازه في نسختين بالعربية و الفرنسية إلى عام 1947. كما أن صورة الغلاف تم تزيينها بصورة زوجته السينمائية « نعيمة سعودي » مأخوذة من فيلمه « المنابع الأربعة » وفي داخل الكتاب تخلله مجموعة من الصور ورسومات بلغ عددها 40 صورة جلها من أرشيف المؤلف.

اعلان

وتتوزع مواد الكتاب، بالإضافة إلى مقدّمة بقلم المؤلف وكلمات المشرفين على الإعداد والنشر (تودة البوعناني وعمر برادة وماري بيير بوتيي)، على الأبواب التالية: كانت ذات مرة السينما (1895- 1956): التواريخ الأساسية الكبرى، الليل الكولونيالي (1907- 1956)، بلد الأميرة النائمة هذا، من مسغيش إلى حرب الريف (1907- 1926)، من “روح البلاد” إلى “ابن الغابة البيضاوية” (1927- 1943)، من لون من السينما “العربية” إلى “طبيب رغم أنفه” (1944- 1956)، مقدّمات الأفلام (تيترات الأفلام)، تاريخ صغير على هامش السينماتوغراف: محمد عصفور يبحث عن الكنز المرصود، بعد ثلاثين سنة (1956- 1986): التواريخ الأساسية الكبرى، المغرب بالأبيض والأسود: الإنتاج الوطني من 1956 إلى 1969، مجلات مصورة: الأنباء المغربية، من أجل نظرة جديدة: الإنتاج الوطني من 1970 إلى 1979، من أجل حفنة صور: الإنتاج الوطني من 1980 إلى 1982، عزلة الممثل، خاتمة: 1983- 1984، بالإضافة إلى المرفقات الأخرى ككرونولوجيا الأفلام المصوّرة بالمغرب في عهد الحماية، وكرونولوجيا الأفلام المغربية القصيرة (1956- 1985)، وكرونولوجيا الأفلام المغربية الطويلة (1957- 1986) وقاموس السينمائيين المغاربة (122 اسما).

و من الواجب الأخد بعين الاعتبار عند قراءتنا للكتاب الباب السابع أن هذا المؤلف المكون من 336 صفحة من الحجم الكبير، اشتغلت عليه ابنته « تودة البوعناني » والكاتب « عمر برادة »، بعدما توفي أحمد البوعناني (2011-1938) تاركا ورائه مجموعة من الوثائق و المخطوطات الغير مصنفة، التي قامت فيما بعد ابنته وعمر برادة بمساعدة آخرين على إخراجه في حلة تليق بمكانه صاحبه ككاتب وسينمائي.

ويعدّ الكتاب بالعودة إلى مضامينه المختلفة إضافة نوعية للكتب المهتمة بتاريخ السينما بالمغرب، نظرا لما يزخر به من معلومات ومعطيات متنوعة وغزيرة، ونظرا كذلك لكون مؤلفه أحمد البوعناني واكب جميع التجارب السينمائية المغربية الفتية منذ تخرجه من معهد الدراسات السينمائية العليا بباريس في مطلع الستينات من القرن الماضي والتحاقه كموظف بالمركز السينمائي المغربي، المؤسسة العمومية المشرفة على قطاع السينما بالمغرب، وهو الذي مكنه اشتغاله بهذا المركز من مشاهدة جل الأفلام المغربية التي يتوفر بها أرشيف، بما في ذلك نماذج من الأفلام المصوّرة في المرحلة الكولونيالية.

اعلان

ومن خلال القراءة للصفحات الأولى للكتاب لاحظت أن الكاتب اعتمد بالأساس على معلومات تاريخية و يتم تحليلها تحليلا نقديا كما تطغى فيه الذاتية من خلال التعبير عن الآراء الشخصية للكاتب و التي اعتبرها في الوقت نفسه صوت جماعي يتم التعبير عنه، مع العلم أن الوقت الذي كان فيه البوعناني يؤلف كتابه، كان النقد السينمائي مجالا مقيدا يرتاده عدد قليل من الأفراد.

استهل أحمد البوعناني كتابه بعرض مسيرته الفنية في الإنتاج و البحث والإخراج والعقبات التي واجهته في مسيرته والتي أرغمته على الانسحاب من الساحة مع الاستمرار في دعم جهود الكتاب وصانعي الأفلام الأصغر منه، ومن خلاله أعطى لمحة عن وضعية الشاشة المغربية وما تفتقده من إنتاجات خاصة خلال فترة الاستعمار، حيث سماها الكاتب بـ «نهاية استعمار الشاشة » وهو ما يفسر أن المشاهد المغربي لم يكن يتعرف على نفسه وعلى مشاكله من خلال الإنتاجات السينمائية بل كان يرى نفسه من خلال عيون المحتل، وهذا ما يغيب في تاريخنا السينمائي حيث نلاحظ أن الأعمال السينمائية المغربية أيام الاستعمار و حتى قبلها ضعيفة ومحدودة جدا، وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المخرج المغربي الراحل « محمد عصفور » حيث حاول آنذاك خلق سينما بديلة عن السينما الكولونيالية التي كانت تعتبر الإنسان المغربي، إنسانا دينيا جاهلا مقابل الإنسان الفرنسي المتحضر والواعي والمثقف.

أكثر ما ميز الكتاب هو تقديم لمحة تاريخية للسينما المغربية حتى قبل الاستعمار وهذا ما لا نجده في باقي الكتب التي تتناول نفس الموضوع، كما أنه لم يعزل الظاهرة السينمائية  عن الأحداث التاريخية التي عاشتها البلاد منذ ولادة المصور السينمائي، ولم يتجاهل أيضا الدور الذي لعبته تجربة الجزائر و تونس وخاصة مصر التي كان لها دور مهم من خلال سينماها التي تعبر عن نفسها باللغة العربية، بينما جمهور شمال إفريقيا محروم من معظم الحريات الأساسية ومحكومين فقط بالصور الخاطئة، وفي سياق آخر انتقل الكاتب ليحدثنا عن تيترات الأفلام وحاول أن يقربنا منها مع أن المشكلة التي كانت تعاني منها الأعمال السينمائية خلال منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين هي عدم قراءة الجنريك من طرف أغلب المشاهدين بسبب الأمية، واضطر البوعناني في هذا الاتجاه تقديم بعض الأعمال في كتابه والتي تم إنتاجها في تلك الفترة مع التعريف بالشخصيات المغربية التي لعبت هذه الأدوار مثل أحمد عصفور و الطيب الصديقي ..

وحاول البوعناني أيضا من خلال كتابه أن يقدم لنا مقاربة بين الإنتاج الوطني بعد الاستقلال وكيف تحولت بنيته من شاشة مستعمرة بالأفكار الأجنبية إلى شاشة وطنية تتضمن جميع المشاعر الوطنية والملحمية و البطولية، واستدل في طرحه لهذا الجانب الموضوعاتي من السينما إلى التجارب الرائدة في السينما المغربية والمغاربية من تجربة تونس و الجزائر بعد الاستعمار، لكن الإشكال الذي تم طرحه في هذا الجزء من الكتاب الذي يتحدث عن الأفلام القصيرة، هو الغياب الشبه التام للأفلام التي تم تصويرها قبل الاستقلال بالرغم من وجود المركز السينمائي آنذاك إلا إنه لم يكن يتوفر إلا على محفوظات ضئيلة ايام الاستعمار. أما بالنسبة للأفلام الطويلة فالإشكال الذي طرحه البوعناني يتمثل في ضعف الإنتاج المغربي في الستينات مقارنة بالجزائر و تونس اللتان اشتغلتا على جنس الأفلام الطويلة بعد الاستقلال وكانت أعمال في المستوى مقارنة بالمغرب الذي كان يفتقر لهذا النوع من الأفلام واكتفى فقط بالأفلام القصيرة بسبب افتقارهم لتكلفة الإنتاج آنذاك.

 

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى