يعتبر التأمين من أهم الأسس التي تسمح بتحقيق الأمن و الاستقرار سواء للفرد أو المشروعات، و يعتبر أيضا جزءاً مكملاً للنظام المصرفي، و يساهم في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكن رغم كل هذا فقد أقر الفقهاء بتحريم هذا النظام ” النظام التجاري” و أوصوا بالبديل الشرعي ألا و هو نظام التأمين التكافلي، هذا الأخير يتميز بشكل كبير و هو الأجدر بديلا عن التأمين التجاري.
انبتقت فكرة التأمين التكافلي من نظام التأمين التجاري ، ذلك أنه أشمل وأعم بحيث يلبي حاجة المجتمع من أفراد وشركات وغير ذلك، فهو لا يقتصر على أصحاب مهنة معينة أو شريحة معينة من المجتمع ، كما أنه ينسجم مع أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية بالنظر لحداثة التأمين التكافلي .
هذا ويمكن أن نعطي تعريفا موضحا لهذا النظام، فهو نظام بمقتضاه يقوم مجموعة من الأشخاص بالتعاون في تحمل الضرر الواقع من خلال ما يتبرعون به من أقساط ، ذلك أن الهدف الحقيقي للتأمين التكافلي بين المشتركين هو التعاون على تحمل الأخطار وتوزيعها بينهم، وعلى المؤمِّن تنظيم هذا التعاون وإدارة أعمال التأمين التكافلي و استثمار أموال التأمين وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
هذه الأخيرة أكدت مشروعيته من خلال أدلة شرعية مستندة من القرآن الكريم و السنة النبوية.
و نستعرض بعض هذه الأدلة من خلال ما يلي: قال الله تعالى: ” وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونواْ على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ” سورة المائدة، الآية 02.
من خلال الآية يتبين لنا أن التعاون يكون في جميع المجالات وأن الإسلام دين التعاون والتراحم، فالخالق سبحانه أمرنا بالتعاون على الخير،وأوجب على الناس أن يعين بعضهم بعضاً في ميادين الحق والخير والبِر.
روى البخاري عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة ، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ،فهم مني و أنا منهم “.
نريد أن نوضح للقارئ أوجه المقارنة بين نظام التأمين التكافلي و نظام التأمين التجاري حتى يتمكن من فهم و استيعاب الفرق بينهما.
إن محفظة التأمين ليست مستقلة عن أموال الشركة في التأمين التقليدي وجميع ما يدفعه المستأمنون من أقساط التأمين تكون مملوكة للشركة بخلاف شركات التكافل، فإن محفظة التأمين فيها منفصلة تماما عن أموال الشركة، و ليست مملوكة لها.
و عقد التأمين التقليدي عقد معاوضة بين المستأمن والشركة، يدفع حامل الوثيقة بموجبه الاشتراكات التأمين على الشركة ،وتدفع الشركة إليه مبالغ التأمين ،عند توافر الشروط ،من أموالها المملوكة لها. أما شركات التكافل، فإن المستأمنين فيها يتبرعون بالأقساط إلى محفظة التأمين وهي تتبرع إليهم بالتعويضات حسب شروطها.
والأرباح الحاصلة من استثمار الأقساط كلها مملوكة في التأمين التقليدي للشركة بحكم كون الأقساط مملوكة لها، ولا حق للمستأمنين في هذه الأرباح . أما ما يستحقونه بحكم عقد التأمين أو التعويضات عند وقوع الأضرار المؤمن عليها فإنما يستحقونه بحكم عقد التأمين، لا من حيث إنهم مساهمون في الاستثمار، بخلاف شركات التكافل، فإن أرباح الاشتراكات فيها ليست مملوكة للشركة، وإنما هي مملوكة لمحفظة التأمين المملوكة للمستأمنين .
لا يستحق المستأمنون في التأمين التقليدي أي حصة في الفائض التأميني فإنه بأسره مملوك للشركة، وهو الربح المقصود لها من وراء عمليات التأمين أما في شركات التكافل فالفائض كله مملوك للمحفظة، ويوزع كله أو جزء منه على المستأمنين.
المؤمنون هم المستأمنون في التأمين التكافلي ولا تستغل اشتراكاتهم المدفوعة لشركة التأمين التعاوني إلا بما يعود عليهم بالخير جميعا. أما في شركة التأمين التجاري فالمستأمن هو عنصر خارجي بالنسبة للشركة، لأن شركة التأمين التجاري تقوم باستغلال أموال المستأمنين فيما يعود عليها بالنفع وحدها، ففيها طرفان بينهما تعارض مصالح، أما في التكافل فالمشتركون بمثابة طرف واحد ( مستأمن مؤمن ).
ثم إن شركة التأمين التعاوني هدفها هو تحقيق التعاون بين أعضائها المستأمنين، وذلك بتوزيع الأخطار فيما بينهم، أي بمعنى ما يشتكي منه أحدهم يشتكون منه جميعا وهي أيضا لا ترجو ربحا وإنما الذي ترجوه تغطية المصاريف الإدارية والحصول على المقابل عند خدماتها.وعلى العكس من ذلك فإن شركة التأمين التجاري هدفها هو التجارة بالتأمين والحصول على الأرباح الطائلة على حساب المستأمنين. و لا يتنافى هذا مع حصول المعونة للمستأمن لكنها ليست هي الهدف بل قد تكون نتيجة، وهي ليست تعاونا لأنه لا يتحقق إلا بالمشاركة التي تحصل بين مجموع المستأمنين بالمساهمات التي بها يساعد بعضهم بعضا.
و إن المستأمن في شركات التأمين التكافلي هو المالك للاشتراكات ملكية شائعة مع حملة الوثائق مما يؤهله للحصول على الفائض والتغطية.و أما في شركات التأمين التجاري فالصورة مختلفة تماما لأن المؤمن له ليس بالشريك، وذلك يحرمه من الحصول على أي فائض، وتنفرد الشركة التجارية بالحصول على كل الأرباح.
يختلف الأساس الذي يقوم عليها التأمين التجاري ، وهو المعاوضة، عن الأساس الذي يقوم عليها نظام التأمين التكافلي، إذ يقوم هذا النظام على أساس التزام التبرع من حملة الوثائق بالاشتراكات كليا أو جزئيا ( بقدر الحاجة ) مع الاستفادة من حيث المبدأ لجميعهم من الحصيلة بالتغطية عن الأضرار، واستحقاقاتهم طبقا لطريقة محددة بحصة من الفائض التأميني بعد حسم المصاريف واقتطاع الاحتياطات اللازمة لاستمرار قيام هذا النشاط