تناول الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، خلال مشاركته في الليلة الرقمية السادسة والأربعين من ليالي الوصال، التي نظمتها مؤسسة الملتقى ومشيخة الطريقة القادرية البودشيشية مساء السبت 27 مارس الجاري، موضوع: ” ثمرات التقوى واثرها في حياة المسلم “.
استهلها بإيراد مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة عن التقوى، ومعرفا بها لغة واصطلاحا، مشيرا الى أن المرء إذا تَحَلَّى بالتقوى اتَّصَف بالإِخلاص لله في كلِّ عمل، وصِدْقٍ في اتِّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، و استطرد أنه بذلك يصير جميل الخلق، طيِّب القول، حَسَنَ المعاشرة، سبَّاقًا إلى الخيرات، حريصا على كلِّ فضيلةٍ.
وأوضح أن إقامة الفرائض واجتناب الكبائر أساسان ضروريان جامعان للتقوى، وأنه لا يَبلُغُ العَبدُ أَن يَكُونَ مِـنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَـدَعَ مَـا لا بَأسَ بِـهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ البَأسُ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلٌّهُ وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلٌّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ).
وأضاف أن الاجتناب يتطلب قبل كل شيء معرفة شرعية بالحلال والحرام و معرفة ربانية قوية وتربية روحية ووجدانية قوامها شيء وقر في القلب وصدقه عمل الجوارح، مستشهدا بالحديث النبوي الشريف: “إذا أحبَّ الله عبدًا جعل له واعظًا من نفسِه، وزاجرًا من قلبِه، يأمره وينهاه “، وزاد أنه بهذا تتحقق خشية الله المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [سورة فاطر: 28]، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى} [سورة الحجرات: 3]”.
وأشار الى أن التقوى هي قطب العبادة والطاعة، وأنها براق القلوب إلى حضرة علام الغيوب، وأن من ادّعى التقوى وكان فعله يناقض قوله فقد كذب ونافق.
و لفت الى أن مقدارها فيما فرض الله على عباده “بحسب الإستطاعة”، لقوله تعالى: ”فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”(سورة التغابن،الآية 16)، وأضاف أن السبيل إلى التقوى مراقبة النفس ومنعها عن إتباع أهوائها، وزاد أنها الضابط لجميع السلوك الإنساني في مضمار هذه الحياة، مذكرا بقوله تعالى في محكم تنزيله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف، 201].
وفي نفس السياق أكد الدكتور القادري أن التقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد، مصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف {يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ} [الآية62].
وذكر مجموعة من الأسباب التي تؤدي الى حصولها، منها تعظيم شعائر الله، مستشهدا بقوله عز وجل : {وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ} [الحج،32]، واستطرد موضحا بأن هذا السبب مرتبط بمعرفة الله -سبحانه – والإيمان به والتوسع في طلب العلم الشرعي، وامتثال أحكام الدين والمحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل ومجاهدة النفس واجتناب الشبهات، وأشار الى سبب آخر يؤدي الى تحصيلها، يتمثل في التواضع ومعرفة حقيقة النفس واليقظة تجاه الحظوظ النفسانية، و تجديد الحياة الروحية والقلبية بالمعية الصادقة و بدوام الذكر وباستمرار التفكر في الآيات الكونية وتدبّرها، وزاد أن من أسبابها كذلك نبذ العنف والتطرف وعدم العدوان وإيذاء الخلق، لقوله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ} [المائدة: 2]
ونبه رئيس مؤسسة الملتقى الى أن التقوى هي مجمع الفضائل والبرهان على قيمة الإنسان وكرامته، في الدنيا والآخرة، مستدلا بقوله تعالى: {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم} [سورة الحجرات، 13].
ولفت الى أن الله أمر عباده بالتقوى مائتين وثماني وخمسين مرة في آيات القرآن الكريم ، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة).
وأشار الى أن للتقوى فوائد لا تعد ولا تحصى، مبرزا مجموعة من هذه الفوائد، منها جلب مرضاة الله سبحانه، و أن الله يرحم صاحبها في الدنيا والآخر، وينصره ويؤيده في الخير، إضافة إلى نيل الأجر العظيم، والتوسيع في الرزق والتفريج عن الكرب والأمن من الأهوال والصلاح في أحواله، ونيل الفوز في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ).
وأضاف أن التقوى هي ميزان الكرم عند الله تعالى فالمتقي هو أكرم الناس عند الله، مصداقا لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وجرد آثارا للتقوى منها، أن المسلم يكظم الغيظ ويعفو عن الناس ويحسن إليهم، و يصبر دائما ويقوم بما أمره الله ويجتنب عما نهاه الله، ومع ذلك يتوب إليه ويستغفره، وأضاف أن من آثار التقوى أن الأنسان يجتنب أفعال السوء و الباطل ولا يتبع خطوات الشيطان، وأنه يصاحب الصالحين ويبتعد عن جلساء السوء، ويشغل نفسَه في الأعمال الصالحات.
وأكد رئيس مؤسسة الملتقى أن “السادة الصوفية السالكين طريق التربية الإحسانية العرفانية، من تَّوجِهُوا إِلى رَبِّهِم وَخَالِقِهِم وَمَن بِيَدِهِ الأَمرُ كُلُّهُ، فَسَبِّحُوا بِحَمدِهِ وَذكُرُوهُ عَلَى كُلِّ أَوقَاتِهِم وَفي جَمِيعِ أَحوَالِهِم، وَلم يَغفَلُوا عَنهُ وَلم يَنسَوهُ، وَلم تَشغَلَهُم عَنهُ أَعرَاضُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا وَمَتَاعُهَا، حتى نالوا مرتبة و مقام التَّقوَى و نالوا رضاه و معرفته، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة282 )”.
و أختتم مداخلته بالتأكيد على أن التراث الصوفي المغربي باعتباره مقوما من مقومات الهوية الدينية للمملكة المغربية، له دور فاعل في ما حققته وما ستحققه الأمة المغربية من نجاح و تَمَيُّزْ في بعدها الديني والحضاري و نهضتها الشاملة التي تشهدها جميع القطاعات بفضل السياسة الرشيدة والقيادة الحكيمة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عمادها واعتمادها في ذلك سواعد ابناءها من رجال و نساء برهنوا للعالم أجمع وفي جميع المياديين عن قيمهم الأخلاقية والإنسانية العالية وأصالة معدنهم وعلو كعبهم.