اعلن الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، الجمعة 6 نونبر الجاري، عن انطلاق فعاليات الدورة الثامنة للقرية التضامنية التي تنظم هذه السنة افتراضيا، انسجاما مع التدابير الاحترازية في ظل جائحة كورونا، وذلك في الفترة من 6 الى 8 نونبر 2020، والتي اختير لها كعنوان “التصوف وتدبير الأزمات: دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة”، وذلك تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وسيتم بث فقراتها مباشرة عبر المنصات الالكترونية لمؤسسة الملتقى.
في بداية كلمته، أكد الدكتور القادري أن تنظيم القرية التضامنية لهذه السنة يأتي في ظل ظرفية استثنائية يعيشها العالم اجمع، بفعل انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وما نجم عنه من آثار سلبية على حياة الناس في جميع جوانبها، خاصة الاجتماعية والاقتصادية منها، نتيجة حالة الركود والانكماش التي أصبح يعيشها الاقتصاد العالمي.
وأوضح أنه في ظل هذه الأزمة وتداعياتها السلبية برزت بشكل واضح أهمية الفكر التضامني والحس الاجتماعي في تدبيرها والتقليل من آثارها الاقتصادية خاصة بالنسبة للفئات الاجتماعية الهشة.
وأشار الى أن اختيار عنوان هذه الدورة يروم تسليط الضوء على هذا النوع من الاقتصاد وإبراز عناصر قوته التي تجعله مؤهلا للمساهمة في عملية البناء الاقتصادي والتخفيف من الأزمات الاقتصادية، وتداعياتها السلبية بما فيها الأزمة الحالية.
وأضاف أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يلعب دورا محوريا في تقوية اللحمة الاجتماعية وتحقيق السلم الاجتماعي وخلق الطمأنينة في المجتمع، وهو ما يوفر المناخ المناسب لأي اقلاع اقتصادي على أسس صلبة ومتينة، وتابع بأن هذا الاقتصاد يحقق التوفيق المنشود بين مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية وبين التطوّر الاقتصادي.
وبين أن الممارسات التضامنية والتعاضديّة مترسخة في الثقافة الوطنية والدينية خاصة عند وقوع الأزمات، وأن الإسلام دين يدعوا إلى البذل والعطاء والتضامن، مستدلا بمجموعة من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة الواردة في هذا الباب كقوله: “الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون”، وما روي عن موسى بن أنسٍ عن أبيه، قال : “ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلَّا أعطاه، قال : فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال : يا قوم أسلموا، فإنَّ محمَّدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة”، [رواه مسلم].
وأشار الى أن الإسلام شرع مجموعة من الشرائع والمبادئ التي تروم تحقيق التضامن والتكافل الإجتماعي منها واجب الزّكاة، ورغب في الوقف، الى غير ذلك من التشريعات والرغائب الإسلامية ذات الطابع الاجتماعي والتضامني.
وذكر بأن أمة الإسلام الأولى في المدينة، اعتمدت العمل التضامني في تأسيسها، وذلك على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قسم الأنصار أموالهم مع المهاجرين، وهو عمل المشاطرة، وأنه استلهاما من هذا العمل، عقد أبو العباس السبتي، أحد رجالات مراكش السبعة، النية مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطر فيه إخوانه المؤمنين الفقراء، وعلى ذلك قام مذهبه الذي اشتهر به في المغرب والأندلس، حتى قال فيه الفقيه الفيلسوف ابن رشد الحفيد “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”.
وبين أن الصوفية أسسوا منهجهم التربوي إلى جانب الذكر والعلم على البذل والتضامن، وأنه على نفس المنوال تسير الطريقة القادرية البودشيشية الى اليوم مع شيخها فضيلة الدكتور مولاي جمال الدين القادري، تحت القيادة الراشدة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يعد مثالا يحتذى في دعم المجال التضامني والاجتماعي والنهوض به، مذكرا بما جاء في رسالته السامية إلى المشاركين في ملتقى سيدي شيكر: “وعلى هذا الصعيد المتين من الإقبال على الخالق، دعا الصوفية إلى التعاون في خدمة الخلق، فحملتهم ملاحظتهم لأخوتهم الإنسانية على حب الخير للناس، والإشفاق عليهم، والعمل على إرشادهم ودلالتهم على الخير. والأخذ بيدهم في الملمات، وحثهم على التضامن والتكافل فيما بينهم عند الحاجات”.
واعتبر أن قيمة التضامن تعد من بين القيم الحضارية المتجذرة في المجتمع المغربي من خلال ممارسات وأنشطة تدل على هذا النوع من الوعي التضامني والممارسة الاقتصادية الجماعية ك “التّويزة” وغيرها من الممارسات الجماعية التي تختلف حسب المناطق.
واختتم كلمته بالتذكير بالهدف المتوخى من طرح موضوع هذه الدورة المتمثل في ابراز الدور الذي يمكن ان يضطلع به الاقتصاد التضامني في التخفيف من اختلالات التدبير الاقتصادي التقليدي في قطاعيه العام والخاص، وإبراز دور البعد الروحي في الدفع بالاقتصاد التضامني وتقويته، وضرورة تطوير الإطار القانوني المنظم له بما يمكن من تحقيق أهدافه المنشودة.