اعلان
اعلان
مقالات الرأي

العلاقات الرضائية بين الدين و الفرد و المجتمع

اعلان
اعلان

 

يقصد بالحريات الفردية ، تلك الحريات التي تثبت للفرد بوصفه فرداً، و يكون التمتع بها و ممارستها بصورة فردية دون إشراك الغير كحرية الإعتقاد و الحق في حياة خاصة و حرية الرأي و التنقل و غيرها .
و قد إعترفت المرجعيات الدينية و الفلسفية و الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان بالحريات بصنفيها الفردية و الجماعية، بإعتبارها لصيقة بالإنسان و ترتبط ممارستها بالقيام بالمسؤولية و تخضع لضوابط و حدود ينبغي مراعاتها في التشريع و الممارسة ، و إختلفت الأمم في رسم حدود الحريات و تحديد مجالاتها ، بإختلاف القيم المجتمعية المؤطرة لسلوكيات الأفراد داخل المجتمع .

اعلان

و إذ جعل الله عز و جل الحرية حق أصيل بالإنسان ، مصداقاً لقوله تعالى :” و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ” ، أي أن الله تعالى لم يحجر على الإنسان في التعبير عن إيمانه و أمهل جزاؤه الى يوم الدين ، فأما الثواب او العقاب ، كما ان الحرية في الإختيار جعلها أساس الإرادة التي يتحقق بها الإيمان .

تبعاً لذلك ، فإن الحرية في الإسلام قيمة كبرى تحتل درجة عليا في المقاصد الدينية و هي من صميم أصول الدين و ليس من فروعه ، بل جوهر عقيدة التوحيد ، و لهذا إعتبر فقهاء أن الأصل في الإنسان هو الحرية ، كما أن الأصل في الأشياء هو الإباحة ، و بذلك إعتبروا ان الحرية ملازمة للحياة ، و هكذا أكدت المنظومة المرجعية لحقوق الإنسان أن مبدأ الحرية قيمة عليا كما جاء ذلك في ديباجة الإعلام العالمي لحقوق الانسان و أيضا المادة الأولى منه ، و كذلك ما جاء في العهدين الدولين الخاصين بالحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز و اتفاقية حقوق الطفل و غيرها .

غير أن نطاق ممارسة الحرية كان دائما مرتبطاً بالقيود التي تضعها الدول حفاظاً على تماسكها الإجتماعي و العيش المشترك و مبادئها التي نشأت عليها و القيم التي تعيش عليها ، و للتوضيح فإن بعض الدول الأكثر جنوحاً نحو الحرية تمنع لبس النساء للحجاب في المؤسسات التعليمية ، او البوريكيني في المسابح و الشواطئ بدعوى انها ملابس تمييزية و دخيلة على مجتمعاتهم ، بينما بعض الدول الإسلامية تفرض لبس النساء للحجاب بمستويات مختلفة في الفضاءات العامة ، بغض النظر عن دينمهم و قناعاتهم ، و يجرع هذا التفاوت في فهم طبيعة الحريات الى كون المنظومة الكونية لحقوق الإنسان إعترفت بمبدأ الحرية كقيمة إنسانية مشتركة مع الإقرار بالاختلافات القيمية و المرجعية للدول ، بل إنها دعت لحمايتها و الحفاظ عليها بإعتبارها جزء من حقوق الإنسان ، كما جاء مثلاً في المادة 29 من الأعلان العالمي لحقوق الانسان .

اعلان

و هكذا فإن الكثير من الحريات و الحقوق ليست شاملة و غير مقننة في المواثيق الدولية ، بل أن كل هذه المواثيق أشارت إليها مع تقنينها بالقانون كحرية التنقل و حرية المعتقد و الحق في تكوين النقابات و حرية الرأي و التعبير و الحق في التجمع السلمي و حرية تكوين الجمعيات و غيرها ، و تم تبرير هذه القيود بإعتبارها تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن و السلامة العامة أو حماية الصحة العامة أو الاداب العامة أو حماية حقوق الأخرين و حرياتهم .

و اما بالنسبة للمغرب فقد تبنى الدستور المغربي الاخير في ديباجته التشبث بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها و أقر بسمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في نطاق احكام الدستور و قوانين المملكة و ” هويتها الرائحة “.

و بالرجوع الى موضوع مطالبة بعض الفاعلين المدنيين و السياسين بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يعاقب على العلاقات الرضائية بين الأفراد ، و ما تلى ذلك من جدل على مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية و الصحف و حتى المؤسسات السياسية و الحزبية التي مازالت حبيسة الخوف من أثار الموضوع على اختيار الناخبين ، فإن هذا الموضوع يمكن مقاربته في سياق الفضاء العام و الفضاء الخاص.

فعلى على مستوى الفضاء الخاص فالله عز وجل نهى عن إساءة الظن بالناس و التجسس عليهم لإثبات معاصيهم في قوله تعالى :” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم و لا تجسسوا” ، سورة الحجرات الآية 12 .
كما أن احاديث عديدة أكدت على التستر و عدم تحريض الناس للفضح و الإساءة و في ذلك ورد قول النبي (ص) : ” لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ” ، لذلك فإن الأحكام التي تنظم الفضاءات الخاصة ( المستورة) تختلف عن تلك التي تنظم الفضاءات العام ( غير المستورة) ، ذلك ان الفضاء الخاص يبقى شأنا خاصاً بصاحبه يهم علاقته بربه ، و بالتالي لا شأن للدولة به ، ما لم يتحول إلى ممارسة ضارة بالغير .

و اما الفضاء العام ، فبإعتباره فضاء مشترك و الذي تكون فيه الحرية مرتبطة بإحترام حريات و حقوق الأخرين التي تنظمها القوانين فإن الحرية تصبح مقيدة بالمسؤولية و تخضع لقوانين المجتمع المتفق عليها و خاصة في الشارع العام ، إذ أنها قد تفضي إلى إستفزاز مشاعر الناس أو إثارة الفتنة ، كالمشي عارياً في الشارع ، أو ممارسة الجنس امام الناس ، و غيرها من الحريات التي لا تشكل مشكل في الفضاء الخاص ، و تصبح غير مرغوبة في الفضاء العام ، لذلك يتدخل القانون ليبيح ما يسمح به المجتمع و يرفض ما يرفضه المجتمع و بواسطة القانون .

و حيث ان بعض المدافعين على الإبقاء على المادة 490 من القانون الجنائي ، يحاولون ربطها بالدين و الشريعة ، يمكن التأكيد على أن ذلك غير صحيح ، و ان الدولة لم تطبق ما نصت عليه الشريعة الإسلامية في إثبات جريمة الزنى بل عوضت ذلك بمحضر رسمي يحرره ضابط شرطة في حالة التلبس او بناءاً على إعتراف تضمنته أوراق صادرة عن المتهم او اعتراف قضائي ، و هو عكس ما تنص عليه الشريعة التي تشترط شهادة أربعة أشخاص على حصول الواقعة امام أعينهم أو بالإقرار بمجلس القضاء بشكل لا لبس فيه و لا شبهة .

و في كلتا الحالتين أي ممارسة العلاقات الرضائية داخل الفضاء العام او الخاص فإن المنظومة الشرعية تؤكدان على وجوب التستر و تجرمان الممارسة المستفزة او الإستعراضية للحريات ، و بذلك لا يجوز للدولة بأي حال من الأحوال التجسس على أحوال الناس أو تكسير الأبواب او التفتيش القسري فيما وقع او لم يقع ، حيث لنا في سيرة عمر ابن الخطاب عبرة و عظة ، حيث ورد أنه في احد الليالي سمع صوت رجل ببيت يتغنى فتسور عليه فقال : يا عدو الله ! اظننت ان الله يسترك و انت في معصيته ؟ فقال :” و انت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي ، ان كنت عصيت الله ، فقد عصيت الله في ثلاث قال :” و لا تجسسوا” ، و قد تجسست , و قال :” و أتوا البيوت من أبوابها” ، و قد تسورت علي و دخلت علي بغير إذن و قال : ” لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ، حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها “.

كما أنه حتى بالنسبة للفضاء العام لا يجوز بأي حال التدقيق في علاقات الناس الخاصة و في حقيقة الارتباطات ما دام أصحابها لم يأتوا ما يدعو الى لي مساءلة وفق القانون الذي يحتكم اليه الجميع و يمثل إرادة المجتمع و قيمه المحمية .

و في الختام ، فإن موضوع بمثل هذا ، يحتاج الى نقاش كبير و تحييد الخوف و عدم الإرتكان لصمت القبور ، فكم من طفل رمته أمه في الأزبال مخافةً قسوة المجتمع ، و تهرب الناس من النقاش و الحوار و إيجاد الحلول و الإجتهاد .

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى