مازالت الصورة المتداولة النمطية عن المتقاعدين في المغرب بشكل عام، في أذهان العديد من المواطنين على أنهم أناس انتهت صلاحيتهم، فأصبحوا عالة على المجتمع، بعد أن أفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن، و الدفاع عن حوزته ، يجدون أنفسهم في النهاية و هم في أرذل العمر، قد أصبحوا غير قادرين على العطاء، لا يستطيعون حتى تلبية حاجيتهم العادية اليومية، و لأسرهم الصغيرة، بعد إحالتهم على التقاعد، و كنت أعتقد، أن المواطن يعمل بجد و كد في شبابه، حتى يتمكن من الاستمتاع بتقاعد مريح، هذا الإهمال المقصود، يدفع الكثير منهم و المحظوظون الاشتغال في مهن شاقة، و على مدى 12 ساعة، كحراس الأمن الخاص أو حراس عمارات، في ظل ضعف قدرتهم الشرائية، و الارتفاع الصاروخي للمعيشة، رغم تقدمهم في السن، في الوقت الذي كانوا يمنون النفس، الخلود للراحة، و الاستجمام، و السفر، داخل المغرب و خارجه، بعد سنوات من الكفاح و العمل المضني، و في المقابل يحظى نظراؤهم في دول الغرب، التي نصنفها دوما بالمتحضرة والمتقدمة، يخرج الموظف إلى التقاعد، فيجد رعاية صحية وتأمينية، ومبلغا ماليا محترما، وراتبا تقاعديا كافيا يستطيع أن يتكئ عليه خلال ما تبقى من العمر، كما يجد معدل تضخم مقبولا وعملة مستقرة، ومواصلات عامة وحدائق للاستجمام، ولذا يعتبر معظم هؤلاء أن مرحلة ما بعد التقاعد هي بداية العمر الحقيقي وليست نهايته، وأنه حان الوقت للاستمتاع والتنزه في كل دول العالم، أما في المغرب فيغادر الموظف بصفة عامة وظيفته العمومية أو الخصوصية فيجد ظهره عاريا، فلا رعاية صحية محترمة، و لا معاش او تأمين مقبول، و لا حتى مبلغا ماليا يحميه من غدر الزمان، و لا حد أدنى للراتب التقاعدي أو المعاش يعادل الحد الأدنى للأجور، كما يجد ارتفاعا مهولا في الأسعار ووسائل نقل لا تناسب سنه.
فماهي إنتظارات وأمل المتقاعدين؟ وماهي أهم المشاكل التي تواجههم للحصول على حقوقهم المشروعة؟ بدءا من غياب تام للمزايا والخدمات وما هو دور المؤسسات الاجتماعية وغيرها من الجهات المعنية؟ التي لها علاقة بهذه الفئة المنسية، والتي من واجبها خدمتها، كالزيادة في أجور المعاشات، وتسهيل الاستفادة من السكن، والسفر… إلخ
عدد من المتقاعدين من مختلف مناطق المغرب، من طنجة إلى الكويرة، شريحة عريضة منهم، يتقاضون معاشات جد هزيلة شهريا، ومن حقهم كمغاربة، التمتع بمستوى معيشي كريم، مع ضرورة أن يكون الراتب التقاعدي مناسبا لمستوى المعيشة، ويفترض أن تحدد معاشات هذه الطبقة، بشكل يناسب غلاء المعيشة، والأكثر من هذا، أن العديد من هؤلاء، لا يمتلكون مساكن خاصة بهم.
الراتب التقاعدي الضعيف، الذي يستفيد منه المتقاعدون المغاربة، لا يمكنه بأي حال من الأحوال، أن يلبي ولو الشطر اليسير من المصاريف الشهرية، التي أصبحت تثقل كاهلهم، ما يفسر أن الحكومة المغربية، تتنكر لهؤلاء الصامتين المهمشين، وتدفع بهم، رغم تفانيهم في العمل، وخدمة هذا الوطن العزيز على قلوبنا، إلى مزبلة التاريخ، ومجاهيل النسيان، والموت البطيء، الذي يتربص بالعديد منهم.
وعليه، يجب على المسؤولين الحكوميين، الالتفات لهذه الفئة، التي يعتبر متقاعدوها، أنهم مغاربة الدرجة الثانية، على حسب تعبيرهم، رغم أن دستور المملكة المغربية، لا يفرق بين مواطنيه، لهذا لابد من التحرك، لمحو ما يدور في عقلية المتقاعد المغربي، من كونه، انتقل من مواطن منتج ونشيط، منح شبابه وعمره وصحته ووقته لبلده الكريم، إلى شخص غير مرغوب فيه، وأصبح عالة على المجتمع.
رسالة مباشرة إلى قبة البرلمان، الذي غرق في صراعات الاحزاب السياسية، من خلال الشجارات على المناصب البرلمانية والتهافت على المسؤوليات السامية والعليا، وكذلك فعل كل شيء، من أجل استفادتهم، من معاشات سمينة ومريحة، تصل إلى الملايين من السنتيمات، ونسي مهمته الأساسية، وهي الالتفات إلى مطالب جميع المواطنين المغاربة بدون استثناء، والتشريع، من أجل تحسين، أوضاعهم الاجتماعية، وخاصة فئة المتقاعدين المنسيين.
المتقاعدون المغاربة، محتاجون الان من أي وقت مضى، من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، العناية بهم، ومعاملاتهم باحترام وتقدير، ورعاية جيدة، ووضع لهم برامج اجتماعية واقتصادية، وإدماجهم في المنظومة التنموية الشاملة، وتخصيص لهم زيادة في المعاشات، للمستوى لما قدمه من تضحيات جسام، وخدمات جليلة، للنهوض ببلادهم، لأنهم أرباب أسر وعائلات، وهم مسؤولون عن بيوت مفتوحة، ونسيانهم، يعمق جراحهم، ويضعف حبهم الى الوطن.
اعلان
اعلان
اعلان