45 سنة مرت على المسيرة الخضراء، و في كل يوم من كل سنة يتذكر الشعب المغربي تلك اللحظات التاريخية التي كانت عبارة عن هجرة جماعية اختيارية نحو سياق تاريخي وطني تحكم فيه هاجس استكمال الوحدة الترابية، بعد أن ظلت المناطق الجنوبية تحت رحمة الإستعمار الإسباني، وما يميز هذه المسيرة ويجعلها من أقوى اللحظات الوطنية التي عاشها مغرب الإستقلال هو مشاركة حوالي 350 ألف متطوع ومتطوع من طنجة إلى الكويرة، شاركو فيها بنظام وانتظام بدون سلاح وكان سلاحهم الوحيد لطرد المستعمر هو القرآن والإيمان الراسخ بالقضية الوطنية.
ومن بين الـ 350 مشارك استطاع « منبر24 » التواصل مع اثنان منهم واستذكرنا معهم أهم الأحداث الراسخة في أذهانهم واستلهام ماتجسده قصصهم من قيم الإلتزام والوفاء والصدق والتضحية ونكران الذات والتحلي بروح المسؤولية والتفاني في خدمة الوطن والدفاع عن الثوابت الوطنية.
حكاية عزيمة وإصرار
استقبلنا السيد شعال التهامي البالغ من العمر 75 سنة بوجه بشوش وباعتزاز كبير في بيته بالدار البيضاء وسرد لنا قصته حينما قرر الذهاب في المسيرة، يقول التهامي لـ « منبر24 »: كنت آنذاك أقطن بمدينة آسفي وحينما جاء الأمر الملكي للمسيرة عرجنا أنا وبعض من أصدقائي إلى الدار البيضاء قصد التسجيل مع المتطوعين، لكن فوجئنا عندما أخبرونا أنه يجب أن نتسجل بجماعتنا، أي بآسفي، وبعد أخد ورد بيننا وبين اللجنة قررت هذه الأخيرة أن تضمنا نحن أيضا مع قافلتهم الخاصة بمشاركي الدار البيضاء، وهكذا أخذنا رحالنا وبعد ساعات قليلة انطلقت المسيرة في جو احتفالي مرددين الأغاني الوطنية الحماسية”.
ويتابع قائلا بنفس الحماس والفخر النابع من عينيه وهو يحكي لنا: « رحلتنا كانت جد منظمة حيث جرى تقسيمنا إلى مجموعات مكونة من 25 فرد، وكل مجموعة من هذه المجموعات اتخذت شاحنة لها، كما تم تحديد مسير و مقرر لها ومن يتكلف بأمورهم في الرحلة، حتى أن الأمن الوطني كان حاضرا معنا في كل لحظة، فقد كانو يركبون الدرجات النارية ويسيرون جنب الشاحنات على طول الطريق ».
واسترسل السيد التهامي قائلا بلهجة بالغة الرضا: « أثناء وصولنا لطرفاية وجدنا الخيام منصوبة على شكل مجموعات حيث تم تقسيمها وفقا للمدن ولا يجوز الاختلاط بين هذه المجموعات، كما تم مدنا بالمواد الغذائية والماء ولم ينقصنا أي شيء، وبقينا في طرفاية لمدة 21 يوما تقريبا، كنا نتسامر مع بعض ومنا من يذهب للصيد أو إلى المدينة، كانت أيام جد رائعة.”
وتابع حديثه: « هكذا قضينا أيامنا، إلى أن جاء الأمر الملكي من الملك الحسن الثاني في خطابه الذي استمعنا له، يأمرنا بالعودة إلى ديارنا، وقد حاول البعض من المتطوعين إكمال مسيرته إلى العيون بدافع الوطنية والحماس، لكن تم توقيفهم وعدنا أدراجنا بنفس الوتيرة التي جئنا بها، وحناجرنا تصدع بالأغاني الحماسية التي حفظناها ظهرا عن قلب.»
القصة بالفيديو
تحقيق حلم الأم
وجود العنصر النسوي لم يكن غائبا في المسيرة الذي كان حاضرا بنسبة عشرة في المئة، وكان ذلك بمثابة خروج عن التقاليد المحافظة للأسر المغربية آنذاك، وفي تصريح لـناجية الوناس، 58 سنة، قاطنة بمدينة الدار البيضاء، رئيسة فرع المجلس الوطني السامي لمتطوعي المسيرة الخضراء بالدار البيضاء.
تقول ناجية لـ « منبر24 »، « كان الأمر بتلقائية كبيرة حتى وجدت نفسي منخرطة في عملية التسجيل على لوائح المتطوعين، وعمري أنذاك لا يتجازو 13 سنة، واعتبرت نفسي جد محظوظة لانتقائي أنا وصديقتي من بين آلاف المغاربة والمغربيات الذين انخرطوا، فالأعداد تفوق أضعاف الأعداد التي كانت مسجلة في الإحصاء. »
وتتابع كلامها قائلة: « ليست جميع النساء المغربيات لديهن هذه الإمكانية التي توفرت لدي، فقد كانت أمي تقول لي دائما: حلمي أن أراك مناضلة قوية، فكلامها وأملها بي شجعاني لاتخاذ قرار الإنخراط في المسيرة الخضراء، هذا على خلاف « أمي زبيدة »، المرأة الطيبة التي شاركت معنا في المسيرة، أنها فوجئت بعد عودتها بزواج زوجها عليها، وتشردت المسكينة في الشارع. »
وتحكي « ناجية » بشوق كبير وحسرة على ذكريات المسيرة والرحلة إلى طرفاية: « كان الإحترام والتقدير يسود رحلتنا، وبمخيماتنا التي نصبت، وكوني امرأة مناضلة، لا يمكنني وأنا أتحدث عن المسيرة إلا أن أستحضر ايضا مبادرة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الذي خصص للنساء نسبة للمشاركة في أفواج المتطوعين للمسيرة، وقد كان ذلك بمثابة « كوطا » نسائية ساهمت في إبراز دور المرأة وأهمية إشراكها في تلك المسيرة الوطنية النضالية التاريخية. »
واسترسلت المشاركة بحماس في حديثها وبريق متوهج في عينيها وكأنها تحيي تلك المسيرة من جديد: « وبعد رجوعنا، أحسست بافتخار كبير لتلبية الوطن الحبيب والملك، ولأمنية أمي الحبيبة، واحتفل بنا المرحوم بنجلون حيث أقام لنا عند قدومنا حفلا كبيرا، وظل حب الوطن في قلبي قائما، وبعد ذلك مع المجلس الوطني السامي ».