
يشهد سكان مدينة بوجدور أزمة صحية حادة تهدد حياة العديد من المواطنين، حيث تفشى مرض نقص المناعة المكتسبة (السيدا) بشكل مقلق، مما جعل الإقليم يحتل مراتب متقدمة على المستوى الوطني من حيث عدد الإصابات. وقد كشفت حملات تحسيسية الأخيرة التي نظمتها جمعية محاربة السيدا في حي العودة، الذي بات يُعرف بـ “النقطة السوداء” في المدينة، عن حجم هذه الأزمة الصحية المتفاقمة. هذا الوضع يُظهر معاناة حقيقية تتجاوز حدود المرض ذاته، لتكشف عن أزمة صحية معقدة تتطلب تدخلاً عاجلاً من جميع الجهات المعنية.
وراء هذه الأزمة الصحية المخيفة، تكمن ظاهرة مقلقة: تفشي العيادات الخاصة بصناعة الأسنان التي تعمل في الخفاء بعيدًا عن أي إشراف طبي أو رقابة صحية. هذه العيادات، التي لا تلتزم بأي شروط قانونية أو صحية، تُعتبر بيئة خصبة لانتقال العدوى، إذ تعمل باستخدام أدوات غير معقمة أو يتم إعادة استخدامها بشكل غير آمن. من بين الأدوات التي يتم تداولها بشكل مريب، مرايا الفحص وأنابيب شفط اللعاب، التي تعتبر ناقلًا مثاليًا للأمراض المعدية، من بينها فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) والتهاب الكبد الفيروسي بأنواعه.
وفقًا لأحد المتخصصين في مجال صحة الفم، فإن العديد من صانعي الأسنان يلجؤون إلى استخدام مواد تعقيم رخيصة أو يقومون بتخفيفها بالماء لتوفير التكاليف. هذا الأمر يؤدي إلى فقدان فعالية هذه المواد في القضاء على الفيروسات الخطيرة، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة المواطنين. والكارثة الحقيقية تكمن في أن العديد من هذه العيادات تزاول نشاطها يوميًا داخل أحياء المدينة دون أدنى رقابة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
لا يخفى على الخبراء أن الأدوات التي تتلامس مع الدم أو اللعاب هي وسيلة مباشرة لانتقال الأمراض الخطيرة، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية، والتهاب الكبد الفيروسي، بالإضافة إلى العديد من الأمراض البكتيرية الأخرى. الوضع في بوجدور أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى، إذ يساهم غياب الرقابة الرسمية في تفاقم هذه الأزمة الصحية الصامتة.
إن غياب الرقابة الصحية وضعف تفعيل القوانين المتعلقة بترخيص العيادات والممارسين الطبيين يساهمان بشكل غير مباشر في تفشي هذا الوضع الكارثي. ومن المؤسف أن العديد من هذه العيادات تواصل عملها دون توقف، في غياب تام للحسيب أو الرقيب. وعلى الرغم من الجهود التوعوية المبذولة، لا تزال هناك الكثير من العوامل التي تدفع نحو استمرار تفشي العدوى وانتشار الأمراض.