شكل حادث انقلاب سيارة للنقل العمومي الأحد الماضي بالطريق الرابطة بين جماعة دمنات وجماعة سيدي بولخلف، والتي تسببت في مقتل 24 شخصا من دوار اعنناس بجماعة أيت تمليل، أزمة بين مختلف الفاعلين بهياكل الدولة من المسؤولين عن قطاع النقل وسلطات محلية ومهنيين، حيث تحاول كل جهة التنصل من المسؤولية وإلقاءها في ميدان الجهة الأخرى كما تعودنا على ذلك كلما تعلق الأمر بقضية تتطلب تدخلا حاسما مع تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات ليتم فتح تحقيقات ماراطونية غالبا ما تنتهي حيث لا يمكن لأحد أن يتعرف على ما توصلت إليه ودون تحديد المسؤول الأول والمباشر.
إنه من المنصف في البداية لأن نشير لكون هذه الفئة التي تمارس النقل العمومي أو ما يطلق عليه تعسفا “النقل السري” بالمغرب العميق، رغم أنه ليس سريا حيث الجميع يعلم به وينظمه بل هناك من المسؤولين من يتلقى إتاوات ومبالغ مالة منه يوميا بدون موجب قانوني، تفك العزلة على مواطنين يصنفون من الدرجات الأخيرة من السلم الاجتماعي والتي لا يكاد يراها المسؤولون المركزيون الذين يعيشون الرفاهية ويركبون السيارات الفارهة على حساب معاناة الشعب في أدغال المغرب العميق، حيث ينعدم النقل العمومي العلني “غير السري” والذي لا يمكنه أن يضمن نقل المواطنين من مقرات سكناهم يوميا إلى المداشر والمدن المجاورة لقضاء مآربهم اليومية من تبضع وتطبيب وعلاج وغيرها حيث رقم معاملاتهم بهذه المدن المجاورة يشكل حجر الأساس في دورتها الاقتصادية.
وإذا كان المواطنون يتمتعون على قدم المساواة تبعا لمنطوق الفصل 19 من الدستور بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، وخصوصا المواد من 22 إلى 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تناولت مجموعة من الحقوق والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنزيلا مضامين الخطاب الملكي الأخير والتي نصت على ضمان عدالة اجتماعية ومجالة، فإن المسؤولية اليوم في مصرع 21 شخصا من دوار واحد في حادث مأساوي تقع بداية على منتخبي الجماعة والسلطة المحلية ورجال الدرك الملكي ورجال الأمن الوطني والمديرية الإقليمية لوزارة التجهيز وعمالة إقليم أزيلال تشاركيا كل من جانب اختصاصاته، وعطفا على ما سبق وحيث أكد الخطاب الملكي على الجدية للنهوض بالبلاد من خلال جميع المؤسسات والسلط التنفيذية والتشريعية والقضائية فأننا في الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب نطالب بالتعامل بالحزم والجدية اللازمين لكشف كل من يتحمل المسؤولية في الحادث وفي ملف النقل السري “العلني” مع ترتيب الجزاء.
وللإشارة سبق لنا كجمعية أن آزرنا احتجاجات أرباب سيارات النقل هاته وطالبنا السلطات خلال هذه الوقفات والمسيرات بإحصاء مهنيي هذا القطاع وتنظيمهم من خلال منح رخص النقل ودعمهم ماديا لتجديد الأسطول ضمانا للأرواح وتوفيرا لنقل يصون كرامة هؤلاء المواطنين مع العمل على شق المسالك والطرق في ظل جهوية متقدمة تضمن عدالة مجالية واجتماعية.