كعادتي كل يوم اخذ اوراقي و قلمي البسيط استقل الترامبية “الباص” المخصص للفقراء امثالى، اهرب الى احد الاماكن البعيدة حيث الطبيعة، سئمت الأخبار العاجلة و اسعار النفط و سقوط اقنعة الأنظمة الديمقراطية على وقع تشبث ترامب بالكرسي، و اقتحام الكونجرس، و قبح ازدواجية العالم الحر، فأمس رفض انقلاب ميانمار بالرغم من التوابل المحشوة فيه، و أول امس رحب بحفلات الشواء البشرية على يد جنرال مصر، لم يعد لى طاقة لرؤية الجوعى ابناء اليمن بسبب الحرب العبثية، او تفجيرات بغداد التي كانت حاضرة الخلافة لقرون .
اجلس هناك اخاطب صديقي الوفي، قلمي فيكتب ما امليه عليه، دون تعقيدات كثيرة، امضي ساعات، اجد نفسي في اخر الوقت، كتبت جزء من قصة وأحيانا يكفيني هدوء المكان وبعدي عن بني الإنسان.
في احد الأيام وأنا على حالتي هكذا، اقترب مني طائر أبو فصادة بلون ريشه الأبيض الجميل ونحافة جسمه و منقاره الذي يعد رأس ماله، يسمونه في بلاد الشرق صديق الفلاح قبل ان يختفي بسبب جشع بني الانسان ومذابح المبيدات الزراعية.
سألني، كلما مررت من فوقك وأنا عائد مع رفقاء السرب رأيتك جالس بمفردك
ماذا بك؟.لا شيء من فضلك عد إلى سربك حتى لا تتأخر، لا تخاف فأنا اعرف مكان مبيتي و سأعود، إصرار غريب، طلبت منه أن يتركني و شاني، واضح انك متعب، ممكن تعتبرني صديق، ماّل برأسه إلى أسفل وحرك جناحيه بهدوء وكأنه يستسمحني في قبول طلب الصداقة ؟.
ضحكت!.برجاء لا تستهزئ بي، حاشى لله أن استهزأ بك.
اعدك أن اكون صديقاً مخلصاً و أميناً، عاليا إرتفع صوتي بالضحك وظللت اكرر مخلصاً اميناً، حتى هربت بعض الدموع من عيوني، فشر البلية ما يضحك؟.
لمح في عيوني ما لم استطيع ان اخفيه، انا متأسف ما الذي يؤلمك هكذا؟.
يا عزيزي هذه الصفات اصبحت نادرة في ايامنا، هز رأسه الصغيرة واقترب مني بخطوات زال منها الخوف، فهمت لأجل ذلك ارآك تعتزل الناس؟.
عزيزي ابو فصادة حين تموت الإنسانية في مجتمع ما يصبح الجنون رحمة لمن بقيت في قلبه ذرة من رحمة.
صديقي الإنسان أنت متشائم كثيراً، في عالمكم ما أكثر جمعيات حقوق الإنسان وبرامج الفضائيات ومواعظ خطباء الجمع، جميعها التي تتحدث عن الرحمة بين البشر و الامانة والصدق و أنها راس مال الإنسان في كل مكان، اومأت برأسي ولم اعلق، صديقي الإنسان أنت متشائم كثيراً.
مر من فوقنا سرب من اقرانه جرت إشارات بينهما فهمت انهم يطلبونه، وعدني بالعودة وقتما تتاح له الفرصة. قلت في نفسي ليته لا يعود ليبقى بعيدا عن عالم الإنسان.
في اليوم التالي العاشرة صباحا ما أن رأني جلست على الكرسي الصغير الذي احضره معي وبدأت ادون بعض الأفكار رأيته ينسلخ من سربه، اقترب مني بصوت حزين، أنت جالس ها هنا؟. الم تشم رائحة الموت وهي تفوح بالقرب منك؟. لقد ناحت الطيور في السماء حين وصلها صراخ و استغاثة المنكوبين الذين باغتتهم مياه الأمطار في قبوهم الذي يعملون فيه بعيداً عن اعين السلطات، هكذا سمعنا؟
عزاء كبير في كل بيوت المدينة هذه الليلة، ثمانية و عشرون روح من ابناء الفقراء استشهدوا غرقا صعقاً كمداً من جشع صاحب المصنع، حين تعمد إهمال كل إشتراطات السلامة و الأمن الصناعي ومعه بعض ممن يسمون زوراً بالمسؤولين!!.
هل سيأتي مسؤول كبير يواسي أهالي الضحايا؟. منذ متي و الفقراء يبكيهم احد؟.
أكيد عزيزي الإنسان القضاء سيأخذ الحق ممن تسبب في هذه الفاجعة المحزنة، نظرت اليه بإستخفاف، سألني لماذا تنظر الىّ هكذا؟. نعم نعم معك حق سيحكم عليهم القضاء بالحبس و مع اول عفو سنراهم في اعمالهم مرة اخرى وستبقى ارواح الشهداء تلعن الجميع.
حرك جناحيه وارتفع قليلا ثم عاد، نعم معك حق، صديقي، حين تغرب شمس الإنسانية يحل الظلام في كل وقت و بأي مكان.