يوما بعد يوم تزداد معاناة الشعب اليمني بسبب استمرار الحرب التي اسهمت بتدمير هذا البلد الفقيروتفاقم العديد من المشكلات والازمات الحادة خصوصاً بعد انتشار الامراض والاوبئة منها الكوليرا وفيروس كورونا القاتل وقلة المساعدات الطبية والانسانية. حيث جددت العديد من المنظمات ومنها منظمة الصحة العالمية في وقت سابق، تحذيراتها من احتمال أن يخرج الوباء عن السيطرة في اليمن.
وفي اليمن الذي يعاني من حرب أهلية منذ مارس 2015 يعاني العمال العاملون في القطاع الخاص من البطالة والفقر المدقع حيث تشير تقارير صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن الحرب الدائرة في البلاد منذ 2015 تسببت في فقدان خمسة ملايين عامل وعاملة وظائفهم وأعمالهم، أي بنسبة 65% من القوى العاملة. يضاف على ذلك مؤخراً فقدان الآف من المواطنين اليمنين وظائفهم نتيجة تفشي الفيروس التاجي كورونا مؤخراً للبلاد.
وفي ظل هذه العوامل المجتمعة، يبدو أن الأشهر المقبلة ستكون أليمة وعواقبها كارثية، فهل ستدرك السلطات المعنية والمنظمات حقوقية بتلك الكارثة الخطيرة ووضع حدود وقوانين لحماية وحفظ العاملة اليمنية من الأنهيار ، أم أن البلد بوضعه السياسي الراهن لن يتمكن من التعافي مجددا بعد انحسار جائحة كورونا؟
انهيار العمالة
الخوض عن جائحة كورونا وانتشرها المخيف في العالم جعل العالم يغير العديد من مسارته واتجاهته الاقتصادية والتنموية. حيث اتجهت العديد من البلدان المتطورة اقتصادياً الى وضع حلول ومعالجات تقلل من نسبة الفشل والخسارة التي تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات الخدمية والتجارية بعد ما هبت جائحة كورونا التي اعتبرها الجميع بمثابة ضربة قاضية وفيروس لا يستاهن به على مدى التاريخ والسنوات. فبعد غزو الفيروس معظم دول العالم اتجهت العديد من الشركات التجارية التابعة للقطاع الخاص الى تقليص عدد افرادها وتخفيض الاجور الى نسبة كبيرة نتيجة الانخفاض الشديد في القوة الشرائية في الاسواق والمعاملات التجارية.
أما عن اليمن زادت تلك الجائحة الطين بله, رغم تدهور السوق الاقتصادي اثناء اندلاع الحرب الأهلية. وحسب مصادر متدوالة على لسان المحللين الأقتصاديين انه تم اقصاء الكثير في الآونة الأخيرة من الموظفين العاملين في القطاع الخاص من مختلف القطاعات التجارية, ناهيك عن اقصاء وخروج المئات من الموظفين العاملين في قطاع المنظمات الانسانية المحلية والدولية. أما بالنسبة للمنشئات التجارية الكبيرة فقد اضطرت الى تخفيض أجور عامليها نظراً لضعف الطلب مقارنة بالعرض الهائل في السوق المحلي.
ولا يمكننا إغفال كيف واجه أكثر من مليون ونصف يمني يعملون في السعودية مزيداً من الإجراءات القاسية التي طالت سوق العمالة بسبب الجائحة، فتوقفت أعمالهم وتأثر نفس العدد في الداخل بسبب توقف حوالاتهم النقدية.ونستطيع القول أن العمالة اليمنية بناءً على هذه المعطيات قد تأثرت بشكل كبير جداً، وهو ما دعا جميع المنظمات الدولية إلى التحذير من كارثة إنسانية غير مسبوقة. حيث قدرت خسائر الإقتصاد اليمني في إنخفاض الناتج القومي بـ 94 مليار دولار.
إحصائيات دولية
تقول منظمة العمل الدولية في بيانها الأخير إن الأزمة الاقتصادية وأزمة الوظائف التي أحدثها انتشار وباء كورونا يمكن أن تؤدي إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 25 مليون شخص. حيث يتوقع أن تترجم العواقب الاقتصادية لتفشي الفيروس إلى تخفيضات في ساعات العمل وفي الأجور. حيث إن العمل الحر في البلدان النامية، الذي يعمل في كثير من الأحيان على تخفيف الأثر السلبي التغييرات، قد لا ينجح هذه المرة في ذلك بسبب القيود المفروضة على حركة الأشخاص (مثل مقدمي الخدمات) وعلى السلع.
وتشير منظمة العمل الدولية أن تراجع التوظيف يعني أيضاً خسائر كبيرة في دخل العاملين. وتقدر الدراسة هذه الخسائر بين 860 مليار دولار أمريكي و3.4 تريليون دولار مع نهاية عام 2020. وسيترجم هذا ايضاُ إلى انخفاض في استهلاك السلع والخدمات، وهذا بدوره يؤثر على قطاع التجاري ككل. لهذا من المتوقع أن يزداد عدد العاملين الفقراء زيادة كبيرة أيضاً، لأن “الضغوط على الدخل بسبب تراجع النشاط الاقتصادي ستترك أثراً مدمراً على العمال الذين يعيشون على خط الفقر أو تحته“. حيث يقول غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية: ” أن جائحة كورونا ليست مجرد أزمة صحية عالمية فحسب، بل أيضاً أزمة سوق عمل وأزمة اقتصادية كبرى لها أثر هائل على البشر“. ويضيف: “في عام 2008، وقف العالم جبهة موحدة لمعالجة عواقب الأزمة المالية العالمية، وتم تجنب الأسوأ. ونحن اليوم بحاجة إلى هذا النوع من القيادة والعزيمة“.
وتحذر دراسة منظمة العمل الدولية من أن بعض الفئات ستتأثر بأزمة الوظائف أكثر بكثير من فئات أخرى، مما يفاقم عدم المساواة. ومن هذه الفئات العاملون في وظائف أقل حماية وأدنى أجراً، ولا سيما الشباب والعاملين الأكبر سناً. والنساء والمهاجرون أيضاً. فهاتان الفئتان مهددتان بسبب ضعف الحماية والحقوق القانونية، وبسبب زيادة الكم الكبير من النساء بنسب كبيرة في الوظائف متدنية الأجر.
اقصاء وتهميش
سامي مطيع, القاطن في مدينة صنعاء عاصمة اليمن والبالغ من العمر (28) عاماً, متزوجا ولديه عائلة عائلة صغيرة مكونة من طفلين. يعمل كمحاسب من بين ثلاثة محاسبين في شركة صناعية مرتبطة بمجال الاغذية الخفيفة. سامي أردف بماساة ان الشركة تعتزم نهاية الربع الرابع والاخير من العام السنوي 2020 من اقصاءه هو ومجمومة من الموظفين في الادارات الاخرى بسبب النقص الكبير في الايردات المعتمدة كلياً على طلب الأفراد في السوق الخارجي. سامي كما يقول لنا انه منذ تفشي فيروس كورونا قامت الشركة بتقليص عدد موظفينها في بداية الجائحة وحتى الان بشكل تدريجي ومخفف حتى تتفادى الخروج بقرار واحد والذي يقضي أجمالاً بفصل 50% من الموظفين واستبعادهم بشكل كامل. أما الشركات الصغيرة والناشئة، فقد سرحت عمالها بشكل كامل بسبب ضعف رأس المال، واعتمادها في الغالب على حركة العمل اليومية أو الاسبوعية في سداد مصروفاتها ونفقاتها، وعلى رأسها نفقات العاملين، ونفقات المدخلات. (سامي) اليوم وسط حيره وتوهان عصيب بمصير اسرته ومن يعولها وينفق عليها. حيث يعبر سامي بكل وجع ان تلك الجائحة لم ترحم لا صغيراً ولا كبيراً من العمل وأكل لقمة العيش الحلال سائلاً نفسه: ” من أين أطعم أطفالي بعد الآن ؟!”
” الي معاك خير وبركة “
صاحب الدراجة النارية )عدنان الصلوي( والمشهور ” بالطائرة” نظراً لسرعته خلال الطرقات لم يعد يعمل كما السابق نتيجة تفشي فيروس كورنا وانقطاع المشتقات النفطية لأشهر عديدة. عدنان نزح من مدينة تعز الى مدينة إب الواقعة في شمال اليوم بسبب الصراع الحالي المحتدم بين الاطراف السياسية اليمنية.
منذ تفشي كورونا عدنان اليوم يعمل بنصف الأجر بدلاً من أخذ أجر كامل كان معتاد عليه في السابق.
يقول عدنان: ” ان غلاء وانعدام المشتقات النفطية وظهور فيروس كورونا في اليمن لم يعد الناس يمتكلون دخلاً ملائماً للأوضاع المعيشة الصعبة التي نعيشها اليوم .. مما أجبرنا انفسنا بالعمل بما هو متاح حتى لا نتوقف كلياً عن لقمة عيشنا الوحيدة.
(عدنان) اليوم واحد من بين الآلاف من اليمنيين الذي اجبرتهم تلك الجائحة من تلاقي نصف الأجر والرضى بالمقسوم وغيرعدنان الكثير من الموظفين حرموا من لقمة العيش بشكل كلي.
ظروف مختلفة
أحمد الحمادي مدير تحرير المرصد الاقتصادي ” بقش” آشار أن الحديث عن آثار جائحة كورونا في اليمن، يختلف تماماً عن الجائحة في بقية البلدان. فجميعها تأهبت وأستعدت لمواجهة هذه الكارثة وهي تعيش حالة طبيعية من الإستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وتمارس عملها المؤسسي الحكومي والخاص في أحسن الأحوال، سواء قبل الجائحة أو أثنائها أو ما تلاها.
لكن في اليمن الوضع مختلف كلياً، فلم تكن الجائحة سوى واحدة من المحن التي نهشت هذا البلد طوال خمسة أعوام من الحرب وتبعاتها، والحديث عن تبعات الجائحة مرتبط جذرياً بمآلات الحرب الكارثية. فمثلاً ونحن نتحدث عن نتائج الجائحة بحق العمالة اليمنية، نجد أن هيكلية القطاع الخاص اليمني وفي صورة واسعة تتمحور في المشاريع الأصغر والصغيرة والمتوسطة بما يزيد على 97% من الشركات وبما يقارب 290 ألف مشروع، ويصل إجمالي عدد العمال فيها إلى أكثر من 600 ألف عامل، من بينهم حوالى 30 ألف امرأة.
وبسبب الحرب قبل الجائحة، كانت قد انحسرت فرص العمل في هذه المشاريع، إذ جرى تسريح 60% من العاملين والموظّفين فيها بسبب الأضرار، التي شملت أضراراً في البنية التحتية في 30% من تلك المشاريع، وتكبّدت نصف تلك النسبة أضراراً كبيرة، حتى امتدّت الأضرار لتصيب الأجهزة والمعدّات والمواد الخام وسيّارات النقل اللازمة لعمليات المنشأة، إذ خسر 30% على الأقل من هذه المشاريع نحو 50% من أصولها الثابتة. أما نسبة المشاريع التي بقيت مغلقة لم تتجاوز 10% منها مشاريع صغيرة و14% متوسطة، في حين بلغت نسبة المنشآت التي استأنفت أعمالها في صورة جزئية 41%، على رغم المستوى الكبير من الأضرار والتحديات المصاحبة.
متاجر كثيرة دمرت
ويجدد القول أحمد الحمادي .. ان أغلب دخول قطاعات الاقتصاد اليمني نفق الركود بسبب جائحة كورونا، أنعكس ذلك سلبا على النشاط التجاري بالرغم من استمرار مظاهر الحياة وحركة الأسواق بصورة شبة طبيعية، لأن الإجراءات الإحترازية منعت التجمعات مع بقاء الأسواق مفتوحة.
ويردف أحمد .. رغم أن الكثير من المشاريع لم تغلق لكنها تأثرت بشكل كبير، مثل المطاعم التي أقتصرت خدماتها على طلبات التوصيل التي لا تغطي التكاليف، ما دعاها إلى تسريح 70% من العمالة، بينما معظمها أغلقت أبوابها.
ويشرأحمد .. قطاع النقل البري تأثر بشدة، نتيجة الإجراءات الاحترازية على مداخل المدن، وتراجعت حركة التنقل الداخلي وتوقف السفر جوا بعد إغلاق المطارات وتعليق الرحلات. وهذا أثر بشكل كبير على أصحاب الباصات والمركبات وسيارات الأجرة. حيثث مؤخراً أعلنت شركة “راحة“، أكبر شركة نقل بري في اليمن، نهاية مايو الماضي، عن إغلاق نشاطها بشكل نهائي وتسريح موظفيها.
ملاك محال الملابس الجاهزة عانوا ايضاً من تراجع المبيعات بنسبة 60% في أهم فترة يزدهر فيها نشاطهم، وتحديداً من منتصف شهر رمضان حتى حلول عيد الأضحى، وهي فترة الذروة التي تغطي نفقاتهم لبقية أشهر العام، ولهذا السبب سرحت العديد من العاملين.