اعلان
اعلان
مقالات الرأي

سؤال الأسس المرجعية والمنهجية لتجديد الفكر الإسلامي

اعلان

عصام أخيرى – باحث في الفكر الإسلامي  

لا يزال منطلق الوجود الفكري، والتأسيسي النقدي، لتجديد الفكر الإسلامي في صراع، منهجي، ابستيمي، مع المحافظين للتراث الإسلامي، الذين لا يتحفظون دون تفكيك التراث تفكيكا اركيولوجيا، واستعادة الوجود الحضاري، في قيادة الفكر الوجود العالمي، فجاءت معظم البحوث في التجديد، تلمس البعد الواقعي، في محاولة تأسيسية لقراءة التراث قراءة أركيولوجية، منهجية، وحين نتكلم عن التراث الإسلامي فإننا بذلك، لا نقول أن القرآن والسنة النبوية تراث، بل كل ما أنتجه العقل الفكري مدراسة ومحاورة مع الوحي الإلهي، وهذا ما نعيبه على بعض المفكرين كالدكتور محمد أركون، والدكتور ناصر حامد أبو زيد رحمهما الله، الذين وضعا القرآن والسنة في خانة التراث.

اعلان

عنوان المقالة عبارة عن ندوة نظمتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود، بشراكة مع كلية الأدب والعلوم الإنسانية، ببني ملال، بتاريخ 20-21 أبريل 2013، وقد تضمنت مجموعة من المدخلات، التي كانت في قمة جمالية منهجيتهاالمعرفية الإبيستيمولوجية.

كانت الداخلة الأولى للدكتور سعيد شبار، بعنوان <حول سؤال الأسس المرجعية والمنهجية لتجديد الفكر الإسلامي>، التي بين فيها الدكتور شبار، أن التجديد بمفهومه القرآني لم يُقيد، بحكم، أو مجال معين “إن الإستعمال القرآني باعتباره المرجع الأول لمفهوم التجديد… لم يُقيده بحكم أو مجال معين”، فهوم مهوم مطلق الوجود، غير مرتبط بقيد معرفي، أو إبيستيمولوجي، فالدعوة التجديدية، كانت المنطلق الحقيقي، لبزوغ الفكر المنهجي، في تحي الإنحطاط، الفكري، والعشوائية في المنهج الوجودي للفكر الإسلامي.

تشكلت الحركات الإصلاحية، من أجل الدفاع عن الوجود الفكري للإسلام، فانطلق من مبدأ الرجوع إلى سلف الصالح-وأقصد بهم الصحابة- “الذي رأى في الرجوع إلى سلف الأمة ومرجعيتها أولا، البداية الحقيقة للنهوض الإقلاع”، باعتبارهم، جيل التلقي، الذي فهم مقاصد النص الإلهي، المطبق لمعالم الإصلاح للقرآن المجيد، ببعديه الفردي والجماعي، فكانت هذه العودة، عودة معرفية مقاصدية، فليس كل رجوع إلى الوراء تخلف، ولكن حين ينبني على تصورات معرفية، وتحقيقات مقاصدية، يكون مشكلا لفلسفة الإصلاح الفكري، والمنهجي.

اعلان

يشير كذلك الدكتور شبار إلى الإنطلاق من مصادر المعرفة، يحقق تكامل العلوم “إن الإنطلاق من مصادر المعرفة في تكاملها يحقق فلسفة التكامل بين العلوم”، فالإنطلاق من مصادر المعرفة المشكلة للوجود المعرفي، المتمثلة في الوحي، والعقل، والواقع والكون، فمجمل هذه المصادر، تشكل المعرف اليقينية لاستمداد العلوم، ومن أجل تحقيق التكامل بين العلوم، يشير الدكتور شبار إلى منطلق منهجي لتحقيق تكامل العلوم “إن الأمر يحتاج إلى  أننعيد بناء الشبكة العلائقية بين هذه العلوم، تم ربط هذه العلوم بأصلها الأول، حيث يهيمن عليها ويصدق، وذلك من خلال الرؤية التي تتكامل فيها وتتداخل علوم القرآن والإنسان والعمران”.

إن التعامل العضيني مع القرآن، أفقده جمالية الوجود التنزيلي الحقيقي، الذي كانت مهمته إصلاح الوجود الإنساني من عاهة التقاليد الآبائية فمن “الأمور التي ترتبت على التعامل الجزئي مع القرآن باعتباره شواهد، لا شاهد، الخلط وعدم التميز بين الأصول المؤسسة للمعرفة وتلك التي أسستها المعرفة”، فإشكالية الفكر الإسلامي، في عمقها الإبيستيمولوجي، يكمن في التعضية للقرآن المجيد، فكل فرقة من الفرق الإسلامية ، تفسر وتأول الآيات القرآنية، بغية نصرة مذهبها، وتأوليها حسب مقتضي إيديولوجية المذهب، وهذا مم حذر منه القران المجيد، (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ 90 الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 91-فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 92عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ 93)، سورة الحجر{الآيات 89-93}.

إن إعادة الهيكلة الفكرية للرؤية الوجودية للحقيقة المطلقة، كفيلة بأن تعيد تشكيل العقل المسلم، وفق مقتضيات مقاصد الشريعة، المقترنة بالفكر الكوني الواقعي.

ينتقد الدكتور شبار، الكتابات المعاصرة، بانتقائها المصطلحي، وعزل المصطلحات الغير الدالة على الصبغة الشرعية، “وللأسف فقد ساهم كثير من الكتابات في فكرنا الحديث والمعاصر في عملية العزل والتحييد المصطلحي…بانتقاء نوع من المصطلحات والتركيز عليها، وكأنها المعبر الوحيد والشرعي التاريخي عن الفكرة والثقافة الإسلامية”، فالتجديد مصطلح مستوعب لما يقبله من مختلف الدلالات، التحديث، التغير، الإحياء، “وإن كان لفظ التجديد مهيمنا على جميعها مستوعبا لها كلها”، فالتجديد من خلال دلالته وعمقه الفلسفي، فإنه، مصطلح شرعي، لا يجد العقل المسلم، التعامل معه، والفهم القشري لدلالته الإبيستيمولوجية، فقد سبق وأن ناقشنا مفهوم التجديد في بحث مستقل لنيل شهادة الإجازة، و في مقالة بعنوان “ فلسفة الإصلاح والبعد الإصلاحي لإبيستيمولجيا المنظومة التربوية” منشورة في  موقع دين بريس بتاريخ 9مايو، 2020، فهو كما يقول الدكتور شبار “مفهوم شرعي، يكتسي كونيته من كونية الرسالة، وعالميتها”.

لا يمكن أن نجدد الفكر الإسلامي المعاصر من تراكمات الوجود الفكري التراثي، مشتغلين بالفكر الماضي، من أجل، وبغية تحقيق فلسفة الإصلاح، فمما غاب عن فكر وممارسات الإجتهادية والتجديدية للفكر الإسلامي القديم، إقصائه الواقع الكوني، في كونه مصدرا من مصادر المعرفة، فلا يمكن، ولن يُفلح أي مفكر، أو فقيه، أن يعالم أزمة الأمة، إن تحصن في برج وقلعة، منعزلة الوجود، فالواقع، مصدر بل لا ينفك أن يكون مصدرا للمعرفة، لهذا فالتجديد يجب “أن يضع نسب عينيه تحديات ومشكلات زمانه ومكانه”.

والتحدي الذي يواجهه الفكر التجديدي المعاصر “يتجلى في كون التحديات القائمة في وجه الأمة الان تحديات جماعية، أكثر منها فردية وميدانية أكثر منها نظرية”، يمكن للفكر الإسلامي في تجديد مناهجه الفكرية، أن يستعين بالمنهج السوسيولوجي في دراسة وتقويم مناهج تجديد الفكر الإسلامي، نظرا لسهولة انبساط قواعده على الواقع السوسيولوجي،ولتَّجديد بل لا يمكن تجديد الفكر الإسلامي إلا بتجديد الخطاب الإسلامي إذ أنه “تمة علاقة وطيدة بين الفكر  و الخطاب، فلا معنى لتجديد الفكر، دون تجديد  مواكب الخطاب المعبر عن هذا الفكر..”.

ويختم الدكتور شبار مقالته، بالدعوة إلى استخدام وسائل التواصل المعاصرة، بشتى مختلف تخصصاتها، “إن استثمار وسائل الإتصال الحديثة من قنوات فضائية ووسائط معلوماتية والإستفادة منها في نشر هذا الفكر التجديدي…. بات ضرورة ملحة”.

والمداخلة الثانية لدكتور الطيب بوعزة تحت عنوان <الفلسفة الوضعية والدين كما يستهل مقالته بأن ظهور <فسلفة الدين>، دال على نقلة منهجية، في الفكر النقدي، “وإنه لدال أن يكون توقيت ظهور مصطلح <فسلفة الدين>هو هذا القرن، نفسه، الذي يؤشر على نقلة جديدة في النظر إلى المسألة الدينية، مغايرة، للنظرة اللاهوتية التي سادت من قبل”، ويرى الدكتور بوعزة أن “الرؤية الدينية شرط لتأسيس لمعنى الوجود، وانتفاؤها إيقاع للفكر والحضارة في العدمية”، فالدين في مجمله، يشكل الوجود الفكري، للحضارات، فكيف نفسر الوجود الحضاري الهائل الذي شكله القرآن المجيد في التاريخ البشري؟ كيف نفسر تفاعل الوحي والكون من خلال ربط العلائقية بينهما بالإنسان؟؟ فالدين أو الرؤية الدينة شرط مؤسس لوجود نسقيات الحضارة في العالم.

وأن “العقد الديني يحايث أطر التفكير البشري، ولا سبيل إلى نفيه”، فلا مجال لفلسفة الفكر البشري أن تنسلخ عن الوجود الديني، لهذا يرى الدكتور بوعزة، أن “الفلسفات الملحدة في حقيقتها محاولة لإخفاء الإعتقاد الديني وليس اقتلاعا فعليا له”، فيتشكل بذلك مفهوم العلم عند أجست كونط أنه “يندرج في نسقه الفلسفي ضمن تصور معرفي عام، يتمثل في قراءة تطورية معيارية لصيرورة الفكر البشري” واكتمال نموه العقلي، “ومع تأسيس علم الاجتماع، لم يبقى للفلسفة موضوع يسوغ وجودها سوى التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية… وهي التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية، ومن ثم لن يكون في المرحلة الوضعية وجود للفلسفة هكذا بإطلاق بل فقط وجود ل<فلسفة العلوم>”.

يشكل الوجود علم الإجماع، او السوسيولوجيا عند كونط “لأنه بها يتم في نظره تحقيق وعي علمي بالوجود الإنساني”، مما سيشكل تطورا منهجيا، في القراءة الإختزالية للمسألة الدينية، والتي تنتهي إلى ارجاعها كونها نمط في التفكير، وأن تطور الوعي سيؤدي إلى تجاوز أسلوب التفكري الديني اللاهوتي”، فالإعتقاد الديني تجاوز بل هو في نظر كونط “لحظة قابلة للتجاوز في الصيرورة التاريخي للفكر الإنساني”، فالإعتقاد الديني ليستجاوزا، بل هو الوجود الفكري، فشتان بين اللاهوت المسيحي، والدين الإسلامي، لا يمكن أن نقارن جمالية وفخامة الأحجار في وسط الكهوف؟، ولكن شمس الحقيقة، تُلمع الأغلى.

يكون السؤال المطروح، كاشف عن حقيقة المنهج الذي سيق به، وكان منطلقهالأساسي، إذ أن طبيعة السؤال الذي يشتغل عليه العلم؛ السؤال الكيف، يفضح كل مسالك لإلغاء الدين بدعوى الإكتفاء الجواب العلمي” والجواب العلمي، في حقيقة إجابته، لا يمكن له أن يتصل اتصالا مباشرا بالحقيقة المعنية بالكشف السؤالي المطروح، كون العقل، غير مؤهل منطقي الوجود، أن يبرهن على الوجود الإرادي-نسبة إلى عالم الإرادة- إلا من خلال التسليم بالمعتقد الديني، ففي الصياغة الدينية لسُّؤال الديني “بطبيعته الغيبي الماورائية غير قابل للنفي ولا الإثبات من مدخل إبيستيمولوجي علمي. ذلك أن السؤال الديني يجاوز الأطر المعرفية التي تشتغل بها المعالجة العلمية التجريبية”، فلذلك السؤال الديني يتجاوز فلسفة السؤال العلمي، باعتبار أن مطلق العلم، غيبي الوجود، لا يمكن للعقل، أن يُبرهن على بالبرهنة الحسية والتجريبية، للغيبيات، من ملائكة، وجن… إلخ، “لأن الإجابة العلمية لا تسد حاجة الفهم الأنطولوجي؛ أي الحاجة إلى فهم لم وُجد الوجود ابتداء؟”.

والمداخلة الثالثة حت عنوان <أهمية التفكير النقدي والأسس المرجعية لفكر النهضة> لدكتور ابراهيم النهضة، فمن أجل النهوض بالفكر الإسلامي، لا بد من تجاوز التقليد، والفكر الجامد، الذي ورثناه منذ اثنتا عشرة قرنا من الدهر الجمودي والتخلف العلمي، “لا بد أن يحقق قدرا من التجاوز والإنتقال من وضع جامد وفكر راكد إلى وضع أكثر حركية، إن الممارسة النقدية، التي يمارسها العقل، أثناء الإستقبال العلمي، “فالتفكيرالنقدي ضروري لتجاوز التناقضات الثنائية”، ثنائيات الإنقسام الفكري، بين المعاصرة والتقليد، بين الإجتهاد، والجمود وينتقد الدكتور رضى الحركات الإصلاحية التي انطلقت بسؤال النهضة التي “قد اشباه كثير من أوجه الخلل والقصور على مستوى التنظيري الفكري”، الشي الذي نتج عنه مجموع من الإشكالات “ولعل أهم تلكم الإشكالات، في نظري، هو عدم نضج ما يمكن تسميته بالتفكري النقدي” كون التفكير النقدي المسلمة المنطقية والإيبستيمولوجي لتأسس مناهج إصلاحية كفيلة بأن تزيل عائق الجمود الإحترامي، أو الحياء المغلوط بتعبير الدكتور محمد عابد الجابري.

وكما أن النقد البناء الذي يقوم على النقد العلمي مرتبط ارتباط الهواء بالإنسان، “وسؤل النقد يرتبط بسؤال النهضة والتجديد والإصلاح وغيرها من الأسئلة التي ما فتىء الخطاب العربي والإسلامي يطرحها، منذ قرنين أو أكثر”، حين ننادي بالإصلاح والتجديد والنهضة، فإننا بذلك في أمس الحاجة إلى التجاوز الماورائي، لمجموعة من الإشكاليات، ولكن “أول متطلبات كل نهضة أو تجديد أو إصلاح يتمثل في القدرة على التجاوز والإنتقال من واقع قائم إلى واقع مأمول ومستقبل منشود”، وذلك من خلال النقد البناء، النقد العلمي الرصين، الذي لا يؤسس على مبادئ حيائية، “وهذا التجاوز أو “الإنتقال لا يمكن   يحدث دون العبور عبر غربال النقد ومصنفاته”، والقرآن المجيد، بمنهجيته المعرفية قد طور الفكر النقدي، من خلال السؤال المفحم، والإثبات قبل النقد، من ذلك ما فعله بني إبراهيم عليه السلام، مع تكسير القواعد الصنمية، وكذلك نجد أنها انتقل بالبحث العلمي إلى أفق المعرفة اليقينية، وهذا لا يرجع في جوهره إلى كم المعلومات والمعارف التي جاء بها بقدر ما ترجع إلى تأثيره البالغ في منهجية التفكر وتعدد أساليب دفعه الناس  إلى إعمال النظر في كل شيء في الآفاق والأنفس.

فالتفكير النقدي شمس ليل التحجر، “يكشف عيوب الإنغلاق والتحجر الفكري”، باعتبار أن عملية النقد عملية تستخدم لدلالة على مهام كثيرة منه الكشف والتمحيص وتسليط الضوء على العيوب والأخطاء لتحديدها أولا ولتجاوزها ثانيا. أما التفكير النقدي فيمكن تعريفه بأنه عملية إيجاد قناعات شخصية من خلال التحليل، التفسير، التقييم، والإستدلال…”، يوضح الدكتور رضى مجموعة من المعايير التي يتصف بها الناقد وهي: “الوضوح، الدقة، الصحة، العمق، الشمولية، الربط، المنطق”، فعلى الناقد المعرفي أن يتصف بهذه الصفات، والتي من خلال تتضح الفكرة بمختلف وجودها الفكري. إن الأسس المرجعية للأمة “هو سؤال الهوية كما أنه السؤال الذي ينبني ويحدد رؤية الأمة لذاتها وللعالم من حولها”، ولكن العقل العربي والإسلامي قد خلخل هذه الأسس المرجعية، من خلال “التخلف الموروث عن التراجع الحضاري، الذي شكل ما سماه مالك بن نبي ب<البيئة القابلة للإستعمار> والتغريب والإستلاب الحـضاري اللذان فرضتهما تحديات ظروف وسياقات احتكاك عالم المسلمين بالغرب”، فالإصلاح أو المنطلق الإصلاحي عند الدكتور رضى يتشكل في <المفاهيم> لإنها “موقع الحجر الأساس في البناء المعرفي لأية منظومة حضارية…والمفاهيم هي المدخل للمعرفة والمدخل لضبط السلوك المعرفي للإنسان”.

والمداخلة الرابعة للدكتور عبد الرحمن العضراوي بعنوان<العقل الإصلاحي وإشكالية تغير الواقع الإسلامي من خلال المنطلق العضرواي، فالعقل الإصلاحي “مركب إضافي مشتمل على أفعال وسلوك تحمل مشروع إصلاح الواقع الفاسد وتغيير علاقاته”، وهذا العقل “وليد التفاعل الوحي والمعرفة والسلطة، <وليس العقل منتوجا لبنية السلطة فقط كما ذهب إلى ذلك فوكو> .

ومن أجل تحقيق القصد الإصلاحي للعقل الإصلاحي، كون “القراءة المقاصدية لمرجعية الوحي المعرفية تكمن من استكشاف قوانين إصلاحية منظمة للعقل الإصلاحي وفاصلة بين الإصلاح الحقيقي الإصلاح الموهوم    من حيث المقصد والوسيلة”، و “تقوم مرجعية الوحي المعرفية على نظرية التدبر في الوحي، وعلى إعمال كل الآليات الإنتاجية للمعرفة”. إن النهضة التي لا تزال محور الفكر التفكيري والإيبستيمولوجي لنمط البحث العلمي، في أمس الحاجة إلى تطور ابستيمولوجي، “فكان منطلق الإصلاح والنهضة قراءة جديدة للوحي، ومراجعة للتاريخ الإسلامي، ثم الإستفادة من بعض الأسس العلمية التي انطلقت منها أوروبا في إحداث نهضتها”، ولا نقول بالإنصهار الحضآري، والأخذ الظلامي للمكونات الفكرية للحضارة الغربية، بل في المبادئ المكونة لأسس العداة الحرية الفكرية، والإبداعية. وقد بين الدكتور العضراوي أن النظرية الإصلاحية يمكن لها أن تشكل أجوبة علمية، لعلاقة النص بالواقع، يقول موضحا “إن مقتضيات العقل الإصلاحي الإسلامي بين الوحي والتاريخ تقتضي قراء نسقية للوحي، وقراءة نسقية للتاريخ…فالأولى تقوم على بيان محددات النسق القرآني…. أما القراءة النسقية للتاريخ فتقوم على استقراء السنن الشرعية والسسن التاريخية والإجتماعية الكامنة وراء التغيرات والتحولات العمرانية…”، فالإصلاح الفكري مرهون بالعقل الإصلاحي عند الدكتور العضراوي، باعتباره مقدمة للتفكير العلمي في دراسة الواقع المعيش دراسة متفحصة للجزيئات المشكلة له من الظواهر المعرفية…” .

والمداخلة الأخيرة، التي عنونت ب <تداخل العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، مقاربه نقدية مقارنة في مشروع إسلامية المعرفة جدل إسماعيل راجي الفاروقي، وأبو القاسم حاج حمد> للدكتور محمد همام، هدفت إسلامية المعرفة إلى تطوير البعد العلمي، لمختلف العلوم، بل جاءت مصححة، لها، بغية، أن تتجه العلوم في كون الكون والإنسان “لهذا جاء مشروع أسلمة العلوم الاجتماعية والإنسانية من خلال اكتشاف ازمة ميثودلوجيا العلوم الطبيعية ولا يهدف مشروع أسلمة العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى نقد الميثودلوجيا الغربية في العلوم الاجتماعية وحسب… ولكن بغرض إعادة توظيف هذه المغرفة في إطارها الكوني المرتبط بالغاية الإلهية غير العبثية في الخلاق والتكوين”، حيث ان “الفاروقي انتقد الباحثين الإجتماعين الغربيين الذين يدعون الموضوعية”، وكان مجهوده رحمه الله، نقدا لما انبثق عن الفلسفة الوضعية الغربية، فكان  في اسلمة المعرفة على خلفية نقدية لمفكري الحداثة والتحديث في العالم العربي، والإسلامي، خصوصا في البحوث الاجتماعية، والمنطلق النقدي الذي تبناه الدكتور الفاروقي، في النقد الإسلامي ، مبدأ التوحيد، “وينطلق مجهود الفاروقي في أسلمه العلوم  الاجتماعية، من مبدإ <<التوحيد>> وهو عنده رؤية للعلام، ورؤية عامة للحقيقة”، من خلال النقد التوحيدي الذي تبانه الدكتور الفاروقي، في نقده يلح على أن العلوم الاجتماعية يجب أن تطلق من معطى أن الإنسان يعيش في الكون الذي يحكمه الله غيبيا وقيميا .

يعتبر حاج حمد مجهوده لأسلمة العلوم الطبيعية والإجتماعية متجاوزا لمرحلة النداء لأسلمة العلوم إلى مرحلة وضع الأسس التطبيقية لصياغة مناهج العلوم الطبيعية والإنسانية والإجتماعية وفق المنهجية المعرفية القرآنية”، يشير الدكتور محمد همام، إلى أن تطبيق حاج حمد لأطروحته، تتضمن ستة مبادئ وهي كالتالي:

1. منهجية المغرفة الوظيفية.
2. والوظيفة المعرفية عوض النسبية في المنهج القرآني.
3. ومبدأ العلاقة بين منهج الخلق ومنهجية التشيؤ.
4. ومنهجية الخلق والمعرفة الوظيفية للعلوم.
5. التركيب الطبيعي في علاقته بالزمن والصيرورة وإنتاج الأفكار.
6. والغاية والغائية في الكونية المزدوجة.

-المبدأ الأول: منهجية المعرفة الوظيفية: ينطلق حاج حمد من عدم الفصل بين مناهج العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والإجتماعية.

-المبدأ الثاني: والوظيفة المعرفية عوض النسبية في المنهج القرآني ويرفض حاج حمد مقولة<نسبية المعرفة> الخاصة بالعلوم الطبيعية … كما يضعف الإنتماء للعلم وفي المقابل يعوض النسبية ب<الوظيفية>”.

مبدأ الثالث: العلاقة بين منهج الخلق ومنهجية التشيؤ، فمنهجية الخلق تعني فعل الله سبحانه وتعالى في الإطار الكوني المهيمن على الإطار الأرضي…فعلاقة منهجية الخلق، ومنهجية التشيؤ علاقة تكاملية إذ منهجية التشيؤ قابلة لتجديد لارتباطها بالعلوم الطبيعية الوظيفية، ومنهجية الخلق تحتويها وتمضي بها إلى نقط التلاشي”.

-المبدأ الرابع: منهجية الخلق والمعرفة الوظيفية للعلوم، وهي تطبيق للمبدأ الثالث: حيث قدم حاج حمد اجتهادا تحليليا لعلاقة النفس والروح وربط النفس بالكون الطبيعي المتفائل بثنائية جدلية في سورة <الشمس>… والروح بنظر حاج حمد ليست مصدرا لطاقة الحياة والوجود ولا يؤدي سلبها إلى الموت.

-المبدأ الخامس: التركيب الطبيعي في علاقته بالزمن والصيرورة وإنتاج الأفكار، فمنهجية الخلق الإلهي المتعالية لا تجعل الإنسان فجائيا… فالخلق الفجائي بنظر حاج حمد يُبطل مفهوم التفاعل عبر الحركة الممتدة.

المبدأ السادس: الغاية والغائية في الكونية المزدوجة، ويأتي هذا المبدأ تطبيقا للمبدأ الخامس “وتشرح سورة<الإنفطار> تعدد مستويات التكون الإنساني عبر الزمن، والصيرورة من الخلق إلى الإستواء إلى الاعتدال…ومن خلال كشف الناتج عن هذا التفاعل على مستوى التكوين الإجتماعي، والعقلي الأخلاقي، والسلوكي، ومن هنا تتحقق أسلمة هذه العلوم”.

هذه المبادئ الستة التي يتبنها حاج حمد في أسلمة المعرفة، كفيلة بأن نحقق بها الوجود الفكري لفلسفة الإصلاح، الفكري.

خاتمة:

إن المنطلقات المعرفية والمنهجية لتجديد الفكر الإسلامي، تتجه نحو فلسفة الإصلاح الفكري للأزمة المعاصرة، فلا يمكن أن نحقق الإصلاح، وإعادة الوجود الحضاري، إلا بعد أن نعيد التأسيس النقدي، للتراث الكمي، الهائل، بمنهج العقل الإصلاحي، متجاوزين الفلسفة الوضعية، والإنتقال إلى تحقيق التكامل المعرفي وأسلمة العلوم الطبيعية والإنسانية.

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سلاسة التعريف بحداثة اافكر الاسلامي مع تجدد منظومات ومبادئ المعرفة الربانية. سلمت اناملك عصام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى