
بقلم: نوال مشموم
في زمن يُكثر فيه الحديث عن الفن، ويقلّ فيه الإيمان بالفعل الفني الحقيقي، جاء العرض الأول لمسرحية “عويشة”، الذي احتضنته مؤسسة أنيس الدولية، ليقترح تصورًا آخر للمسرح:
مسرح لا يرفع صوته… لكنه يُسمِع.
لا يزخرف صورته… لكنه يُقلق.
ولا يطلب التصفيق… بل يُراهن على التأمل.
العمل الذي قدّمته فرقة الأمجاد تحت إشراف جمعية الأمجاد للثقافة والفن، جاء مقتبسًا من نص للأستاذ بنحيدة عبد الصمد، غير أنه لم يُقدَّم بوصفه “نقلًا”، بل باعتباره قراءة مفكّرة في نص رمزي ونفسي، تمت معاملته كروح قابلة للتأويل لا كقالب جاهز.
ومن هنا تحديدًا، تبرز بصمة الأستاذ ماجيدي لحسن، إعدادًا وإخراجًا.
فخياراته الإخراجية تميل إلى الاقتصاد في الشكل والصدق في الأداء، حيث بدت الحركات فوق الركح محكومة بتوتر داخلي عوض التوجيه الخارجي، وحضرت الإضاءة، الصمت، والإيقاع، لا كوسائل تقنية، بل كامتدادات للمعنى نفسه.
“عويشة” ليست مجرد شخصية درامية، بل جسد تأريخي يحمل ذاكرة مثقلة.
تمر عبر جسد المرأة، لكنها لا تختصر فيها.
إنها استعارة للمسكوت عنه، وللتمزقات الصغيرة التي لا تصنع ضجيجًا… لكنها تُحدث كسرًا.
أداء الممثلين كان محسوبًا، خاليًا من المبالغة، يعتمد تقنيات داخلية تنسجم مع طبيعة النص، وجاء جماعيًا متوازنًا، يحترم اللحظة ولا يتجاوزها.
طاقم التمثيل:
• مومن زهير
• بركا مريم
• دحماني شعيب
• بلقايد سليمة
• الحبيبي وليد
• مرادي إسماعيل
الفريق التقني:
• الإضاءة: عزماوي عبد الرزاق
• الصوت: رفيق يونس
• التوثيق: مصطفى فتيح
• اللباس: مسكي جهاد
واحتضان مؤسسة أنيس الدولية لهذا العمل لم يكن مجرد دعم لوجستي، بل حمل دلالة رمزية على أن المسرح، حين يُمنح فضاءً حقيقيًا، قادر على تقديم خطاب جمالي عميق، يتجاوز المباشرة ويبني علاقة متوازنة بين النص، الركح، والمتلقي.
أما الجمهور، فكان شاهدًا على تجربة مسرحية اختارت احترام الذائقة بدل إرضاء الذوق، وفضلت الصمت المعبّر على الصراخ الفارغ.
“عويشة” لم تكن عرضًا عابرًا، بل تجربة فكرية وركحية تُفكّر…
وتُشعِر المتفرج بأن المسرح، حين يُنجز بأدواته الحقيقية، لا يُقاس بما قيل فيه، بل بما ظل مُعلّقًا في الذاكرة بعد انطفاء الضوء.