
في وقت لاحق من هذا العام، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 2026، يبدو أن التصريحات التي أطلقها قادة الأحزاب السياسية في التحالف الحكومي الثلاثي قد خفتت إلى حد بعيد، ولا سيما بعد اجتماع هيئة رئاسة الأغلبية في يناير الماضي، الذي شهد حالة من الترقب والانتظار. ومع ذلك، عادت الأحزاب المشاركة في الحكومة لتطرح أسئلة جديدة حول ما إذا كانت قد بدأت في التحضير المبكر للاستحقاقات القادمة، وتحويل تصريحاتها إلى إجراءات ملموسة، عبر إطلاق مبادرتين موازيتين تهدفان إلى تحفيز التطوع وإشراك الشباب في السياسات العامة.
ففي منتصف فبراير الماضي، أطلق حزب الاستقلال رسميًا برنامج “2025 سنة التطوع”، وهو مبادرة تهدف إلى تعزيز ثقافة التطوع وتكريس قيمه بين المواطنين، من خلال إشراك الهيئات الموازية للحزب في تنفيذ أنشطتها. بعدها، أطلق حزب الأصالة والمعاصرة في الخامس من مارس الجاري مبادرة “جيل 2030” التي تهدف إلى إشراك الشباب في صياغة السياسات العمومية، خاصة في سياق التحضيرات لاستضافة المملكة للمونديال. هذه المبادرات، على الرغم من تزامنها، أثارت العديد من التساؤلات حول خلفياتها ودوافعها السياسية.
بينما يرى بعض المحللين أن هذه المبادرات لا يمكن تصنيفها بشكل قاطع كخطوات انتخابية، وأن الهدف منها قد يكون فعلاً تعزيز قيم التطوع والمشاركة الشبابية، إلا أن آخرين يشددون على أن هذه المبادرات تمثل “تسخينات انتخابية مبكرة”، بما أن الحكومة كانت قادرة على تبنيها وتنفيذها ضمن سياق حكومي طبيعي، بدلاً من ربطها بمحطات انتخابية بعيدة.
الرهانات السياسية المتعلقة بهذه المبادرات تظل مفتوحة، ما يجعل من الصعب حسم كونها تعبيرًا عن إرادة حقيقية من قبل الأحزاب السياسية لتحفيز المشاركة المدنية، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية لاستعادة مكانتها السياسية قبيل الاستحقاقات المقبلة.
و في هذا السياق ترى مريم أبليل، الباحثة في الشأن السياسي والبرلماني، أن “إطلاق المبادرتين من طرف الهيئتين السياسيتين في الأغلبية يمثل محاولة لاستعادة المبادرة داخل المجتمع، عبر ابتكار آليات جديدة”. لكنها أضافت أن هذه المبادرات، رغم إيجابيتها، ستظل محدودة في تأثيرها ما دام أن الأحزاب المغربية تفتقر إلى أطروحات قوية لتقديمها للمواطنين في فترات الأزمات.
وتستطرد أبليل، في تصريح بأن “مبادرات الأحزاب غالباً ما تكون غائبة في أوقات الأزمات، سواء في تأطير النقاشات العامة أو تقديم الحلول أو استيعاب المشاكل المجتمعية”. وذكرت بعض المحطات التي غابت فيها هذه المبادرات، مثل ورش تعديل مدونة الأسرة، وقضايا الغلاء، وزلزال الحوز، وجائحة كورونا، حيث لم تتخذ أي من الهيئات السياسية المغربية زمام المبادرة في هذه القضايا لمناقشتها أو تقديم حلول بشأنها.
وأشارت أبليل إلى أن “المبادرات الحالية ليست بالضرورة مجرد وقود لحملة انتخابية مبكرة، بل هي وسائل تسعى من خلالها الأحزاب السياسية للعودة إلى الواجهة”. ومع ذلك، تبقى الاحتمالية الكبيرة لربط هذه المبادرات بأغراض انتخابية، في سياق التسخينات المبكرة، وهو ما يعزز التكهنات حول نوايا الأحزاب.