قبل خمسة وأربعين سنة من اليوم، وبالضبط يوم سادس من نونبر عام 1975 ، استجاب 350 ألف من المواطنات والمواطنين المغاربة، من كل أنحاء المملكة، الدعوة التي أطلقها باني المغرب الحديث، الملك الراحل الحسن الثاني، وذلك من أجل التوجه صوب الصحراء المغربية، التي كانت تسيطر عليها إسبانيا آنذاك، وذلك من خلال الخروج في مسيرة سلمية مظفرة عظيمة، أطلق عليها اسم “المسيرة الخضراء”، التي أبهرت العالم بأسره، هذا الحدث التاريخي، سيبقى دائما وأبدا موشوم في الذاكرة المغربية، كأحد أهم الأحداث التي شهدتها بلادنا بعد الاستقلال.
وبعد مرور هذه السنوات، التي عرفت فيها الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية قفزة تنموية نوعية، بشكل عام وشامل، واستثمارات ضخمة واسعة متواصلة، وتطور مذهل في أقطابها الأساسية الاجتماعية، والاقتصادية، وكذا الثقافية والرياضية، وتجهيزاتها الرئيسية، وخدماتها الضرورية التي رجعت بالنفع المباشر على ساكنة المنطقة، من خلال تقليص الفوارق الاجتماعية، والمجالية، والترابية في جميع تراب الصحراء المغربية، مع تحسين ظروف عيش ساكنتها المحلية، والاستجابة لتطلعاتهم، وتحسين نوعية حياتهم، وكذلك التكفل باحتياجاتهم، خاصة على مستوى البنيات التحتية، والمشاريع الاجتماعية، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، وتقديم خدمات بنوية، من حيث الاهتمام بشق شبكات الطرق، وتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء، والصحة، والتعليم، وجلب استثمارات وطنية وأجنبية، لخلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة، من أجل حضور اقتصادي قوي.
فانطلاقا من عام 1975 ، تاريخ استرجاع المغرب لمناطقه الصحراوية، أطلق بلدنا الحبيب العديد من المشاريع التنموية، التي شملت بناء أو توسعة أو تجديد مطارات الأقاليم الجنوبية، على هذا الدرب، مكنها من ربط جهات الصحراء المغربية، وتسهيل تنقل المواطنين، وضمان ربطها بشبكة المطارات في عموم التراب الوطني، إضافة إلى تيسير السفر من مطارات الصحراء المغربية، إلى وجهات خارجية، وقد بدأت عمليات تشييد أو توسعة أو تحديث مطارات صحراءنا، بطريقة متواصلة، ببناء مطار الحسن الأول بمدينة العيون، ومطار مدينة الداخلة، ومطار السمارة، وكذا مطار كلميم، وطانطان الشاطئ الأبيض.
وقبل السنة سالفة الذكر، كانت سواحل الأقاليم الجنوبية المحررة، التي تمتد على مسافة 1700 كلم مربع، لا تتوفر على موانئ أو التجهيزات، المتعلقة بالخدمات البحرية، لكن التقدم التي شهدته شواطئ الصحراء المغربية، منذ ذلك الوقت، إلى الآن، أصبح يشكل طفرة تنموية متميزة ونموذجية، التي ساهمت بلا شك، في خدمة وتطوير النشاط الاقتصادي بالأقاليم المذكورة، وقد تم إحداث ميناء طانطان عام 1977 ، وتم توسيعه على فترات، وتشييد ميناء العيون سنة 1980 ، وانطلق به العمل سنة 1986 ، وتمت عملية توسيعه عام 2006 ، إضافة إلى ميناء الداخلة الذي تم بناءه سنة 2001 ، والذي يصنف ضمن الموانئ المغربية الكبرى في مجال الصيد، وتشمل هذه الموانئ، إضافة إلى أنشطة الصيد، مناطق صناعية، ومناطق مخصصة لرسو السفن التجارية، ومخازن الحاويات، زيادة على ذلك، مناطق لصناعة وإصلاح السفن، فهذه الموانئ (سيدي إفني، طانطان، العيون، الداخلة، بوجدور، طرفاية) تعرف نشاط تجاري، يواكب توسع الجانب الاقتصادي في هذه الأقاليم، واعتبارا للمناخ الصحراوي، التي تتسم به المناطق الجنوبية، من زحف للرمال، فقد أصبحت هذه الموانئ تمتلك وسائل وتقنيات متطورة، لجرف الرمال وصدها، من التأثير على رسو السفن.
ومن بين المناطق الجنوبية المغربية، وأكبر المدن في مجال الاستثمار، نجد مدينة العيون، التي تعتبر بالملموس فخرا لهذه المناطق، حيث كانت أول مدينة على صعيد القارة الإفريقية، تتوفر على وحدة لتحلية مياه البحر، لتوفير الموارد المائية للساكنة، وكذلك صنفت في المركز الثاني في مسابقة المدن العربية، التي نظمتها دولة قطر الشقيقة سنة 2013 ، وذلك بفضل نظافتها، ومساحاتها الخضراء الواسعة، وإعلانها مدينة بدون صفيح، بالإضافة إلى امتلاكها، العديد من المدارس العمومية والخاصة، زيادة إلى بعثات أجنبية إسبانية وفرنسية، ومراكز التكوين المهني، أما الشق الصحي، فالعيون تتوفر على مستشفى إقليمي، وآخر يشمل مختلف التخصصات، أما الجانب الرياضي، فلكل حي من أحياء المدينة، ملعبا أو ملعبين من ملاعب القرب لكرة القدم، بما مجموعه 54 ملعبا مجهزة جميعها بعشب اصطناعي، وكذلك ملعب “الشيخ محمد لغضف” لكرة القدم، الذي تم تشييده سنة 1984 ، طاقته الاستيعابية 30 ألف متفرج، وست قاعات مغطاة متعددة الرياضات، وعدة مسابح، ومرافق رياضية أخرى، بما فيها مركز للمؤتمرات، ومصنع لمعالجة الفوسفاط، يديره المكتب الشريف للفوسفاط في العيون.
فالمملكة المغربية، سائرة في نهج سياستها التنموية، خاصة في الميادين الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية والتربوية، والرياضية في أقاليمها الجنوبية، والتي تميزت على تفعيل النموذج التنموي الجديد على ارض الواقع، حيث رصدت له ميزانية، تقدر بثماني مليارات دولار.