الحديث عن مقاعد الدراسة يصنع صورة في مخيلة كل واحد منا حسب ما عاش و عايش. متغيرات كثيرة تفرق بين هاته الصور، فإحداها طاولاتها زاهية الالوان و مريحة شيئا ما في فضاء لا يعج بالتلاميذ.. و صور أخرى تخلد الطاولات الخشبية الباردة في فضاء مكتض يركز كل اهتمامه على السبورة الخشبية و الطباشير .
للاسف وصف المدرسة في بلدنا يتميز بتقاطبات صارخة متزايدة ينتج عنها فرص غير متكافئة و فئات هشة مقصية. أجيال نراهن عليها من أجل الاستمرار و الازدهار نجعلها تدفع ثمن أخطاء و مطبات ليست مسؤولة عليها..
اليوم في زمن “الكورونا” كل التمثلات بتباينها لمقعد الدراسة أصبحت صعبة للغاية.. هل ستكون في غرفة الجلوس أمام التلفاز أم في قاعة للدرس بتباعد و أقنعة واقية أم صراع في أعالى الجبال للحصول على جزء و لو بسيط من صبيب الانترنيت …
السبت 22 غشت 2020، حوالي الساعة الثامنة مساءا، توصل الرأي العام ببلاغ وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي حول الصيغة التربوية التي سيتم اتباعها لانطلاق السنة الدراسية 2020-2021. من المؤكد أننا في ظروف استثنائية كل القرارات صعبة و قابلة لانتقادات مشروعة. و لكننا نتحدث عن التعليم قطاع غاية فالاستثناء لدوره المفصلي في بناء المجتمع!
استنادا لبلاغ الوزارة الوصية تقرر اعتماد “التعليم عن بعد” كقاعدة (رغم نتائجه المتواضعة في المرحلة السابقة) و “التعليم الحضوري” بالنسبة للمتعلمين الذين عبر أولياء أمورهم عن الرغبة في هذا الاختيار. حسب ما تابعت في مواقع التواصل الاجتماعي خلف البلاغ موجة استياء واسعة اختصرها فيما يلي:
– اعتبار الوزارة تتنصل من مسؤولياتها و ترميها على عاتق الآباء و الأمهات،
– اتهام قرارات الوزارة بمساندة التعليم الخاص
– الاشارة لانعدام المؤهلات المادية و البشرية لتنزيل هذه الصيغة التربوية
– عدم اعتماد مبدأ التشاور من طرف الوزارة الوصية
موازاة اقتراحات تنادي باعتماد مبدأ التناوب بين صيغتي التعليم عن بعد و التعليم الحضوري، تفعيل الجهوية المتقدمة في التسيير، التريث و تأجيل الدخول المدرسي بل حتى اعلان سنة بيضاء..
من وجهة نظري، نحن اليوم نرفع تحدي التعايش مع جائحة مفترسة رصيدنا فيه التضامن و الحس العالي من المواطنة. الهدف الاسمى في هاته المرحلة هو الخروج بأقل الخسائر الممكنة و لم لا بمكتسبات مجتمعية قوية. يجب أن نتقدم و أن نستمر في الحياة باتخاذ شروط السلامة، مع العلم أنه لا مفر من تقديم تضحيات كبيرة.
لا أظن بتاتا أن قرار الوزارة الوصية على قطاع التعليم -الذي يقبل الانتقاد طبعا- ينم عن استهتار بأحوال الأسر المغربية. اعتبار سوء النية ونظرية المؤامرة يضعفنا! نحن في مركب واحد و من الطبيعي أن نتشارك في تحمل المسؤولية بدرجات و بأشكال متفاوتة.
الظروف الاستثنائية تفرض التركيز على “التعلم الذاتي” و اعتماد مراجع ذكية و لربما هذه تجربة ستعود بالنفع الكثير على تلامذة المرحلة المجدين. صحيح أن الخيارات المتاحة متعددة و لكن لكل خيار كلفته المادية و الزمنية و النفسية و حبذا لو استحضرنا هذا الامر في كل مواقفنا.
ختاما، أنتظر من وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي مجهودا تواصليا بناءا يبين المعطيات (ليس فقط الحالة الوبائية بل تحليل SWOT) التي استندت له لاتخاذ هاته القرارات و كذلك مرونة في تعديلها في حال وجود بدائل أكثر نجاعة.
دلال ميني “عضو المكتب الوطني للمهندسين التجمعيين”