اعلان
اعلان
مقالات الرأي

ملاحظات  و وجهات نظر حول التعليم عن بعد

اعلان

من المؤكد أن اعتماد التعليم عن بعد ظهر وعرف قبل دخول العالم مؤخرا  مرحلة أو ظاهرة ما يعرف بوباء كورونا كوفيد19 . لكن ظروف الحجر الصحي والطوارئ الصحية وفرض التزام الناس منازلهم هو الذي قوى من هذه الظاهرة حتى أصبحت في الغالب هي النظام والوسيلة المتبعة في نظام التعليم والتدريس وفي  مجالات وقطاعات أخرى . وهي طريقة حديثة تختلف عن الطريقة التقليدية الذي يتطلب التدريس بها إلى وجود المعلم والتلميذ في مكان و زمان معين .أما التعليم عن بعد فلا يحتاج إلا إلى حاسوب وأنترنيت و متابع أو متلقي (تلميذ) من بعيد .وقد بدأت هذه الطريقة الحديثة في الانتشار خصوصا مع ظهور كوفيد19 الذي اضطرت فيه الدول منعا لانتشاره إلى غلق المدارس والجامعات والاكتفاء بإيصال المعلومات والدروس عن بعد من طرف معلمين وأساتذة تجندوا لهذه العملية وساروا عليها تعويضا للتلاميذ عن الدروس التقليدية. ولم أتفرغ في هذا الموضوع لمناقشة  ظروف تتبع وتأقلم التلاميذ والطلبة مع نمط التعليم الجديد بقدر ما  انشغلت  في هذا المحور برصد بعض الملاحظات عن التعليم عن بعد . قد يكون من إيجابيات هذا الأسلوب الحديث في التعلم بعد التوفر على حاسوب  وأنترنيت هو الاستغناء عن مجموعة من الأتعاب المالية والبدنية والزمنيةثم متابعة الدروس في وضع قد يكون مريحا للتلميذ لا يكلفه سوى إحضار الحاسوب ووجود أنترنيت ثم الجلوس في بيته للمتابعة . وقد تحدث البعض مركزا على حسناته و إيجابياته . و لا نختلف في الغالب مع من يدفع ويعدد من حسنات ومزايا هذا الأسلوب الحديث  من التعليم ،ولكن في نفس الوقت لا ينبغي أن نغض الطرف عن مزايا التعليم التقليدي في الماضي والحاضر والمستقبل ولا عن سلبيات التعليم عن بعد ونتائجه المستقبلية .  حقا إن التعليم عن بعد قد أفاد الإنسانية كثيرا واختصر على طالب العلم الطريق الطويل وجعل في متناوله ما لم يكن يحصل عليه إلا بشق الأنفس و دفع الأموال. فهو قد وفر على الطالب الوقت الكثير ودفعه للاستفادة والمشاركة والتسجيل في مؤسسات علمية و ثقافية راقية لم يكن يحلم بها ولا تتسع لها طاقته و إمكانياته واستفاد من دروس ومحاضرات وتكوينات على يد مؤطرين وأساتذة ودكاترة في تخصصات مفقودة أو لا توجد أصلا في وطنه أو هي على  مسافة بعيدة من بلد سكناه . فهو وسيلة لرفع المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي للجميع من موظفين وكبار السن وكل من فاتهم قطار التعلم في الصغر يمكنهم بواسطته من استدراكه .كما يساعد على التحكم في الوقت و تنظيمه و ترتيبه بشكل ملائم ومختصر عكس التعليم التقليدي الذي تضيع فيه كثير من الأوقات ذهابا وإيابا و انتظارا لبدء المحاضرة. ومن حسناته أيضا أنه يلجئ الطالب إلى التعمق في استخدام التكنولوجيا الحديثة و إلى الاعتماد على نفسه في اكتساب المهارات المتعددة التي يفتحها أمامه هذا النوع من التعليم الحديث الذي عوض النقص الذي تشكو منه كثير من الدول الضعيفة من ناحية الإمكانيات والمؤسسات والأطر التربوية المدربة والمؤهلة في مختلف التخصصات العلمية والتقنية الراقية المعاصرة و الضرورية خصوصا في الوقت الراهن .

   إن جملة الحسنات والإيجابيات التي تضمنها التعليم عن بعد والمشار إليها سابقا لا  تعني بالضرورة خلوه من سلبيات ونقائص قد تدفع رغم مزاياه المذكورة إلى عدم الاستغناء عن التعليم التقليدي.

اعلان

إن تكاليف تجهيز المنزل بوسائل إعلامية حديثة تسهل الاتصال والتعليم عن بعد ليست رهن طاقة وقدرات كل الناس ،فما هو في مقدور البعض قد لا يكون في مقدور وطاقة البعض الآخر. ثم إن من أقوى سلبيات هذا النوع الجديد من الاتصال والتعليم أنه يقطع الصلة والتأثير المباشر بين التلميذ والمعلم أو الأستاذ مما قد يؤثر في وضوح كل المعلومات المتلقية من طرف المتخصصين بل قد تطرح بعض الأسئلة أو تساورنا بعض الشكوك حول صحة فهم المتلقين للدروس عن بعد على وجهها الصحيح دون أدنى غموض أو ريب مما قد يؤثر مستقبلا في كفاءة التلاميذ والطلاب . إن الطالب الذي قطع الأشواط و المراحل الابتداية والإعدادية والثانوية عبر التعليم التقليدي المعتاد الذي يعتمد على الحضور والاحتكاك والاستفادة المباشرة  من معلميه قد يفيده التعليم الالكتروني عن بعد في استكمال معارفه والولوج إلى معاهد ومؤسسات علمية عالمية دون مشقة السفر إن كانت قدراته المادية لا تسعفه  في شد الرحال إليها بعد أن يكون قد شحذ ذهنه وصقل معارفه وقوم سلوكه وأخلاقه من معارف وعلم وأخلاق وسلوكيات معلميه وأساتذته في المؤسسات التقليدية .أما التلميذ الصغير الذي لم يشب بعد عن الطوق ويحتاج إلى من يفهمه دروس المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية كما يحتاج لتقويم سلوكه وأخلاقه و تنمية وتقوية خبراته ومعارفه إلى حضور قسم المعلم والأستاذ ، فإني أكاد أجزم أن هذا التعليم الجديد عن بعد لن يقوم ولن يعوض التعليم التقليدي لا من ناحية تكوين الكفاءات والعبقريات ولا من جهة تقويم السلوك والاعوجاج. أضف إلى ذلك جملة من الشكوك والمخاوف التي تحيط بهذا النوع المعاصر من التعليم والمتجلية في انقطاع الاتصال أو ضعف الصبيب أحيانا قليلة أو كثيرة إضافة إلى تكلفته المادية ومصداقية شهاداته والاعتراف بها. أضف إلى ذلك عامل التحفيز والتنافسية ومسابقة الأقران في نيل المراتب العلمية العليا التي يتنافس عليها التلاميذ والطلاب في مجال التعليم التقليدي ويفتقدونها في التعليم عن بعد الذي أبعد عنهم كثيرا من الأجواء العلمية والتنافسية والمعرفية بل والرياضية والأدبية. فتكوين شخصية التلميذ تستند إلى ثلاث أسس لا غنى عنه في مباشرتها والاحتكاك معها وملاقاتها والاستفادة منها. وهم على التوالي : والداه ثم معلمه و أستاذه ثم أقرانه من التلاميذ والطلبة . لذا فإن السؤال الذي ينقدح في الذهن الآن يدور حول مسقبل الأجيال أو الشباب الذي اعتمد أو سيعتمد كلية على التعليم عن بعد من بداية تعلمه إلى نهاية تكوينه ، ما مصداقية و كفاءة علمه ومعارفه و كيف سينهضون ببلدهم وأمتهم علميا وثقافيا وأخلاقيا وسلوكيا وتشبثا بوطنية بلدهم وثوابته ؟؟ (يتبع)

بقلم د/ عبدالرحمان التنوري

اعلان
اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى