اعلان
اعلان
مقالات الرأي

عبد الله لخلوفي يكتب: سلك الدكتــــــــــوراه: إصلاحات “تمخض الجبل فولد فأرا”

اعلان

 

ترقيع المرقع عدة مرات ينتج عنه خرقة مشوهة. التقزيم المستمر للشهادات العليا، وعلى رأسها الدكتوراه، يفقدها محتواها وقيمتها ويهدد الجامعة والتعليم العالي بالسكتة القلبية.

اعلان

قبل مسلسل الإصلاحات الجامعية (وما قبلها) المعطبة، كان كل شيء على ما يرام، كما يقال: أربع سنوات من التكوين الجامعي الأكاديمي الفعال للحصول على الليسانس (الإجازة) المؤهل لاجتياز امتحان ولوج التكوين لمدة سنة للحصول على ديبلوم الدراسات المعمقة (DEA) الصعب. ومتى حصل الطالب على هذا الديبلوم أصبح مؤهلا لإجراء الأبحاث العلمية لتهييئ الأطروحة لنيل شهادة الدكتوراه. نعم، فمتى حصل على DEA، تنتهي كل أشكال التكوينات الجامعية، ليبدأ الطالب الباحث أبحاثه بعد تحديد موضوع البحث، بحيث يبدأ بالدراسات البيبليوغرافية بشتى أنواعها ليكون فكرة كاملة واضحة عن موضوع البحث. ما تم القيام به من خلال الأبحاث السابقة وما الذي يجب القيام به لإلقاء الضوء على مناطق الظل التي لازالت غير واضحة، أم غير متطرق لها وما إلى ذلك من الحيثيات. نعم، بعد الحصول على DEA يصبح الطالب الباحث متفرغا تماما لمهمته التي تتطلب التفرغ والتركيز. ويكون هو من يعمل على حضور المحاضرات المتقدمة واللقاءات العلمية وغيرها من التظاهرات العلمية للاحتكاك بالباحثين من كل المستويات ومن كل الأوطان.
إلا أن الإصلاحات المعطبة التي عرفها “سلك” الدكتوراه، لم تزد الأوضاع إلا ترديا. بداية تم التخلي عن نظام “دكتوراه الدولة”، الذي كان يلجه الحاصل على شهادة “دكتوراه السلك الثالث”، وقد شكل هذا الأمر تراجعا مثيرا في قيمة الدكتوراه. كما تم التخلي عن نظام DEA لصالح DESA الذي مدته سنتان (2 سنوات)… ثم تم التخلي عن DESA لصالح الماستر (Master) ومدته سنتين كذلك، بعد أن تم تبني نظام الليسانس (3 سنوات) والماستر (سنتين) ثم الدكتوراه (4 سنوات) (LMD). هذا النظام أخل إلى حد كبير بالتعليم والتكوين الجامعي…حيث أصبح الحاصل على الليسانس غير مؤهل، كما هو مطلوب، لا للعمل ولا لمتابعة الدراسة. كما أن سنتين من التكوين خلال الماستر تبين أنها لا تؤهل الطالب ليصبح طالبا باحثا، كما كان عليه الحال من قبل.
ولمواجهة هذه الاختلالات المفتعلة، تم تبني إصلاحات تزيد الاختلالات تفاقما، بحيث أصبح الطالب الباحث، الحاصل على الماستر، مطالبا بمتابعة تكوينات إلزامية ومتنوعة، الغرض منها كما يقال تأهيله للقيام بأبحاثه كما هو مطلوب. هذا الجانب، من بين جوانب أخرى، شكل عاملا سلبيا مثيرا، جعل الطالب الباحث مشتتا بين تكوينات كان من المفروض حسمها خلال الماستر، وإكراهات موضوع البحث. كما شكل موضوع إعادة التسجيل السنوي في سلك الدكتوراه محطة تزيد من تثبيط العزائم وتشتيت طاقة وأفكار الطلبة الباحثين.
إلا أن الأدهى والأمر في مسلسل الإصلاحات المعطبة هذه، هو ملحق قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حاليا، بالمصادقة على جملة من القرارات التي ستجعل الطالب الباحث يواصل التكوين الجامعي بدلا من القيام بالأبحاث العلمية المفترضة لتهيئة أطروحته. هذا الملحق أغرق الطالب الباحث في تكوينات إلزامية وإشهادية مثيرة من حيث تنوعها ومدتها لمدة سنتين، لن تترك للباحث أدنى فرصة للتركيز والقيام بالدراسات البيبليوغرافية وبالأبحاث الميدانية أو المخبرية التي هي من صميم موضوع أطروحته. والمثير في هذه التكوينات الإلزامية ما يتعلق باكتساب المهارات اللغوية لتمكين الطالب الباحث من القيام بأبحاثه لتهيئ أطروحته. لا أدري ماذا أقول بهذا الخصوص إلا عبارة “هزلت” حتى بان هزالها. فكيف للحاصل على ديبلوم الماستر (فلن أرجع إلى ما قبل) أن يكون غير متمكن من اللغة (مصطلح المهارات اللغوية عبارة دندنة بيداغوجية جوفاء). فأية أبحاث سيقوم بها وهو لا يحسن اللغة، زيادة على أنه مشتة بين العديد من التكوينات العبثية، والتي مكانها في الماستر وليس فيما بعد.
عن أي سلك دكتوراه يمكن الكلام وهو يفرغ من محتواه العلمي بكل الوسائل. فلاهي دكتوراه، ولا ماستر متقدم، ولا هي سلك التبريز. ثم يتم الكلام، والتأكيد على الكلام، بخصوص الهدر الذي يعرفه سلك الدكتوراه. فالمطلوب بداهة ألا يسجل بهذا السلك إلا من يتوفرون على “المهارات” اللغوية (بداية) والمعرفية والعلمية والرقمية المؤهلة للقيام بالأبحاث المطلوبة. فلا يعقل أن يتم تشتيت جهد وأفكار الطالب الباحث فيما لا يدخل في صميم موضوع بحثه. فعلى وزن محاربة الهدر المدرسي بإنجاح حتى الأميين، سيتم العمل قطعا بمحاربة الهدر “الدكتوري” … فهل من تعليق؟!!

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى