
تطوان – محمد السوسي
تنظم غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة طنجة تطوان الحسيمة النسخة الثالثة من الأبواب المفتوحة تحت شعار: “المنطقة الاقتصادية بالفنيدق، منصة تجارية عالمية نحو آفاق تنموية واعدة”، وهو شعار طموح يعكس رؤية مستقبلية مغرية على الورق. لكن خلف هذه العبارات المتفائلة، تُطرح تساؤلات جوهرية ومشروعة، خاصة من طرف شريحة واسعة من التجار البسطاء وسكان المدينة، الذين كانوا يشكلون سابقًا عصب الاقتصاد المحلي، وارتبط نشاطهم لعقود بما كان يُعرف بـ”التهريب المعيشي”.
منذ إغلاق معبر سبتة ومنع هذا النشاط، دخلت مدينة الفنيدق في نفق اقتصادي مظلم، أو بالأحرى في حالة موت سريري، حيث تراجعت الحركة التجارية، وأُغلقت محلات، ووجدت أسر بأكملها نفسها دون مورد عيش. هذه الفئة، التي عاشت لعقود من اقتصاد المعبر، لم تحظَ إلى اليوم بأي تعويض حقيقي، ولم تستفد فعليًا من البدائل الموعودة التي قيل إنها ستعوض تلك الأنشطة غير المهيكلة.
كثير من المتضررين اضطروا لتغيير مساراتهم المهنية: فمنهم من أصبح سائق طاكسي، ومنهم من اتجه إلى بيع الخضر، وآخرون التحقوا بوظائف متواضعة في شركات النظافة. في المقابل، لا تزال فئة واسعة تعيش البطالة والتهميش، وأعداد كبيرة أُلحقت ببرامج الإنعاش الوطني، حتى باتت المدينة تُلقّب – على لسان أحد التجار الصغار – بـ”مدينة الإنعاش”.
صحيح أن إحداث منطقة اقتصادية منظمة يُعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لم يترافق مع سياسة إدماج واضحة لهؤلاء المتضررين، ولم تُفتح لهم الأبواب للاستفادة من الفرص المعلنة داخل هذه المنطقة.
إن التنمية الحقيقية لا تقاس فقط بالبنيات التحتية ولا بالشعارات البراقة، بل تُقاس أولًا وفعليًا بـالإنصاف الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. فالمنطقة الاقتصادية كان ينبغي أن تكون وسيلة لإنقاذ هذه الفئات وإعادة دمجها في الحياة الإنتاجية، لا أن تتحول إلى مشروع يُكرّس التفاوت ويزيد من معاناتهم.
إذا كانت هناك نية فعلية لجعل هذه المنطقة منصة اقتصادية عالمية، فالأجدر أن تبدأ من الداخل، من معالجة جراح المدينة وسكانها، من خلال حلول واقعية للفئات المتضررة، عبر الدعم المالي والتقني والمواكبة الحقيقية، بدل تركهم على هامش المشهد.
في نهاية المطاف، تبقى منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق مشروعًا واعدًا، لكنه لن يكتمل دون أن يُعطي الأولوية لمن هم في أمس الحاجة إليه. فالتنمية ليست فقط أرقامًا واستثمارات، بل هي قدرة ملموسة على تغيير واقع الناس نحو الأفضل.
فلنجعل من هذه المنطقة نافذة للكرامة قبل أن تكون بوابة للربح، ومنصة للعدالة الاجتماعية قبل أن تتحول إلى مجرد عنوان استثماري على الورق.