
منبر 24
انتهى رمضان، ومع هذه النهاية المليئة بالعاطفة “لسيدنا رمضان” كما يسميه المغاربة، تتراجع تدريجياً تلك المظاهر الدينية التي طغت على المشهد اليومي للمغاربة طيلة أيام هذا الشهر الفضيل، حيث امتلأت المساجد بالمصلين على غير العادة، وتسابق الناس إلى فعل الخير والتقرب إلى الله بالصلاة والصيام والصدقات، وانتشرت دروس الوعظ والإرشاد، و ارتدى إعلامنا العمومي و الخاص ثوب الحياء و الحشمة، لكن و مع حلول أول أيام العيد، تبدو هذه الأجواء الروحانية المهيبة وكأنها تتبخر شيئًا فشيئًا، ليعود كثيرون إلى نمط حياتهم العادي، وكأنهم لم يكونوا بالأمس القريب في أوج التدين والعبادة.
يتساءل البعض: هل التدين الرمضاني الموسمي نوع من النفاق أم أنه مجرد تعبير عن طبيعة الإنسان الذي يتأثر بالأجواء الروحانية؟ و الحقيقة أن رمضان يشكل بيئة خاصة محددة زمنيا و ذات جاذبية عالية تدفع الناس إلى مزيد من التدين، فهو شهر الصيام والقيام، حيث تتغير العادات ويزداد الوعي الديني، مدفوعًا بجو عام وجماعي يشجع على العبادة، فرمضان في المغرب ليس مجرد شهر للصيام، بل هو فترة تحمل في طياتها أبعادا روحية، اجتماعية وثقافية، حيث تمتزج العبادة بالعادات والتقاليد، مما يجعله شهرًا فريدا من نوعه في حياة المغاربة، لكن حين تنقضي أيامه، تعود الحياة إلى طبيعتها، ويقل الاندفاع نحو العبادات الجماعية، لاسيما في ظل الإيقاع السريع للحياة الحديثة، كما أن الضغط الاجتماعي يلعب دورًا في التزام بعض الأفراد بممارسات دينية خلال الشهر الكريم لم يكونوا بالضرورة مواظبين عليها في بقية شهور السنة.
إذا كان رمضان فرصة محددة زمنيا يصعب تعويضها لتعزيز و تكريس الوازع الديني، فهل من الضروري أن ينخفض منسوب التدين بهذه الطريقة التي نعايشها كل سنة؟ فالأكيد أن رمضان يَشحذ عزيمة الفرد على فعل الخير والإكثار من الطاعات في جو عام مُعِين ومُيَسرٍ للالتزام بها، لكن هذه العزيمة تضعفُ وتتلاشى مع مضي الشهر والعودةِ إلى سابق العهد، لذلك ينبغي أن يكون صدق المؤمن في الطلب حافزه للبحث عن الحيلولة دون تلاشي عزماتِ رمضان، بل مواصلةِ الاجتهاد و المزيد من الاجتهاد للحفاظ على المكتسب الإيماني الرمضاني.
المغاربة متدينون بطبعهم، و قلوبهم عطشى للإيمان، و عندما تتاح الفرصة لإظهار هذا التدين، يأتي رمضان، فيخلق حالة خاصة من التدين الجماعي البعيد جدا عن النفاق و القريب جدا من إيمان صادق نابع من قلوب حية تبغي الارتواء من المعين الصافي في شهر ليس كباقي الشهور، العبادة فيه آسرة تصنعها أمة بأسرها، شهر البركات والخيرات، والتوبة وتجديد الصلح مع الله وطلب غفرانه وإحسانه، لكن و للأسف لا تستمر عند الجميع بنفس الزخم بعد انتهائه، فدوام الحال من المحال، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “إن الإيمان ليخلقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم”(رواه الطبراني والحاكم). فخفوت الإيمان طبيعي في الإنسان و لهذا فطلب الاستقامة منبعه صدق الطلب بتجديد الإيمان في القلب، و الاستعانة بالله في ذلك كله، وعدم الاستخفاف بأي طاعة ولو كانت قليلة، فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل. و عيدكم مبارك سعيد.