
منبر24-صوفية مستميع
في كل عام، يطل علينا شهر رمضان الكريم بعبق الروحانية والتقوى، محملاً برسائل الإيمان والتضامن, وهو شهر الصيام، الذي يتطلع فيه المسلمون إلى تجديد علاقتهم بالله، وتحقيق النقاء الروحي. لكن، في السنوات الأخيرة، أصبح شهر رمضان أيضًا شهرًا آخر: شهر الإسراف، والاكثار من الطعام، والمبالغة في الاستهلاك. ومع هذا التناقض، تبرز أسئلة جدلية: هل تحول رمضان من شهر العبادة إلى موسم الاستهلاك المفرط؟
رمضان، الذي يفترض أن يكون شهرًا للتقشف الروحي، أصبح فيه البعض يغرق في بحر من الأطباق الشهية، حيث تتزاحم الموائد بأنواع متعددة من الطعام والحلويات، رغم أننا نعيش في عالم يشهد مستويات متزايدة من الفقر والجوع ناهيك عن الظروف الإقتصادية. فهل فقدنا الوعي بالقيم الأساسية لشهر رمضان؟ أم تخلينا عن الاعتدال الذي يعد جوهر هذا الشهر المبارك؟
قد يكون هذا التساؤل محط جدل كبير، لكن الأرقام الصادمة التي تشير إلى نسبة الفائض من الطعام في إفطارات رمضان تثير القلق. في وقت يُلقى فيه الطعام الزائد في القمامة، هناك أشخاص حول العالم، وفي بعض الأحيان في بلادنا نفسها، ينامون جياعًا. إنها مفارقة مؤلمة: بينما نفرط في الطعام، يعاني غيرنا من نقصه.
ففي المجتمعات العربية، يزداد الإسراف بشكل ملحوظ في هذا الشهر, طاولات الإفطار تكون مكدسة بكل ما لذ وطاب من الطعام، وتحضر أطباق ضخمة لا تستهلك بالكامل. وفي نهاية المطاف، يلقى ما تبقى في القمامة.
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: لماذا نغفل عن حقيقة أن هناك ملايين من البشر في حاجة ماسة للطعام؟ لماذا نغرق في الإسراف وننسى أن رمضان هو فرصة للتضامن مع الفقراء والمحتاجين؟ ألا تشكل هذه الظاهرة خرقًا للقيم الإسلامية التي تدعو إلى الاعتدال في كل شيء، بما في ذلك الطعام؟
فالإسلام، في جوهره، يحث على الاعتدال والتوازن، ويعتبر الطعام أمانة يجب أن نقدرها. ففي كل مرة نكسر فيها قاعدة الاعتدال في رمضان، نبتعد عن المبادئ الأساسية لهذا الشهر الفضيل. لا يجب أن نعتبر الطعام مجرد رفاهية، بل نعمة يجب أن نحسن استغلالها.
ربما حان الوقت للوقوف أمام هذه الظاهرة بجدية. رمضان ليس شهرًا للاستهلاك المفرط أو التفاخر بما نملك من طعام. بدلاً من تقديم كميات ضخمة لا يتم تناولها، يمكننا التحلي بالحكمة والاعتدال، وتوجيه الفائض من الطعام للمحتاجين. لم لا نعيد النظر في موائد الإفطار ونقترح حلولًا تشجع على التوازن في استهلاك الطعام؟
فالإسراف في رمضان ليس مجرد عادة عابرة، بل هو مشكلة يجب أن نعترف بها ونعمل على تغييرها. رمضان هو شهر التغيير، ليس فقط في علاقتنا مع الله، ولكن أيضًا في سلوكياتنا اليومية. إذا أردنا أن نجعل هذا الشهر أكثر عمقًا وروحانية، علينا أن نتحلى بالوعي، وأن نحرص على أن يكون فرصة لتحقيق التغيير الإيجابي في حياتنا وفي حياة الآخرين.